نجلاء عبد ربه من غزة
لم تخفِ حركة المقاومة الإسلامية quot;حماسquot; منذ تشكيلها للحكومة العاشرة، بعد فوزها في الإنتخابات التشريعية التي عُقدت في يناير من العام 2006م، رغبتها في فصل الاقتصاد الوطني الفلسطيني عن إسرائيل والاعتماد على التعاون التجاري العربي، إذ أكد المستشار السياسي في وزارة خارجية الحكومة المقالة أحمد يوسف أن حماس تسعى إلى توجيه بوصلة الاقتصاد الوطني الفلسطيني نحو العمق العربي لإنشاء علاقة تجارية بين غزة والأقطار العربية والإسلامية, تمهيدا للاستغناء عن الاقتصاد الإسرائيلي، لافتا إلى أن المقترح لا يعني تخلي غزة عن اقتصاد الضفة الغربية أو عن فتح المعابر بينهما.

إلا أن الخبير الاقتصادي الفلسطيني عمر شعبان حذر من جهته من مغبة هذا الانفصال، معتبرا ذلك فكرة خيالية لا يمكن تطبيقها على أرض الواقع. واستبعد نجاح تلك الخطوة للضرر الكبير الذي سيعود على القطاع الصناعي في قطاع غزة المنهك أصلا بفعل الاحتلال الإسرائيلي, وعلى مستقبل الوضع الحياتي لسكان قطاع غزة.

ومنذ أن بدأت إسرائيل حصارها المحكم على قطاع غزة، أكدت تقارير اقتصادية عدد الذين يعتمدون على المساعدات الدولية إرتفع إلى نحو 1.2 مليون فلسطيني، يمثلون نحو 85% من السكان، بعد أن فقد ثمانون ألف عامل مصادر رزقهم. وأدى كذلك إلى إغلاق نحو 3500 منشأة صناعية وحرفية، وتوقف 600 مصنع للخياطة عن العمل، و95% من الورشات الهندسية، و80% من مصانع الأثاث، فيما توقفت جميع المشاريع الإنشائية، ومشاريع وكالة الأونروا.

من ناحيته، أكد الباحث الفلسطيني غازي الصوراني استمرار الحديث عن التنمية في ظل الاحتلال الإسرائيلي واتفاقاته وحصاره وممارساته العنصرية النازية من جهة، وفي ظل استفحال مظاهر الانقسام السياسي والاقتصادي الداخلي من جهة ثانية، هو شيء من الأوهام.

وأشار إلى أن الحديث عن مظاهر تراجع الاقتصاد الفلسطيني، وتزايد نسب البطالة والفقر في مجتمعنا، ضرورة لا تتوقف عند الجانب الاقتصادي، بل تتخطاه نحو البعد السياسي، بحيث يفرض هذا المدخل، زيادة وتفعيل عملية الضغط الجماهيري والسياسي على طرفي الصراع الفلسطيني الداخلي quot;حماس وفتحquot;.

وأكد الصوراني أن الاقتصاد الفلسطيني يعتمد بدرجة عالية، على الدول المانحة، علماً بأن quot;القسم الأكبر من هذه الدول منحاز لسياسات الجانب الإسرائيليquot;، مشيراً إلى أن الحصار والعدوان الإسرائيلي الحالي، يتخذ أبعاداً سياسية واجتماعية ترتبط بمستقبل النظام السياسي أو المشروع الوطني الفلسطيني المهدد بالتفكك والانقسام السياسي والقانوني، علاوة على البعد الاقتصادي الذي يمثل مصدر المعاناة والألم المباشر لشعبنا.

وعن المأزق الاقتصادي في غزة، أوضح الصوراني انخفاض الدخل القومي وانخفاض المدخرات وتراجع نصيب الفرد من الناتج المحلي بصورة ملحوظة، ناتج من استمرار سياسة الحصار الاقتصادي الإسرائيلي المشدد، quot;ما يعني أن هناك تراجعا حادا في مختلف المؤشرات الاقتصادية الكلية نتيجة للحصار بسبب فقدان الدخل وانخفاض الإنفاق الأسري ارتباطا بالتراجع الحاد في القوة الشرائية الناجم عن الغلاء الفاحش في الأسعار، ما أدى إلى تغيير الأنماط الاستهلاكية الذي تزامن مع التراجع في الدخل وانتشار ظاهرتي البطالة والفقر في الأراضي الفلسطينيةquot;.

وأكد الباحث الفلسطيني راجي الصوراني أن الانهيار المتواصل في البنية الاقتصادية لقطاع غزة، أدى إلى توقف 90% من المنشآت الصناعية عن العمل، وكذلك الأمر بالنسبة إلى قطاع الزراعة الذي توقف عن التصدير بصورة شبه كلية، إلى جانب التدهور المريع في قطاع الإنشاءات والتجارة والخدمات في سياق التراجع الحاد للواردات والصادرات بصورة غير مسبوقة.

وأشار تقرير آخر صادر عن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية إلى أن نسبة البطالة في قطاع غزة مرشحة للارتفاع إلى 50% بحلول منتصف 2008، إذا استمر الحصار، حيث فقد آلاف العمال عملهم بسبب انهيار قطاع البناء، وتم تعليق مشاريع بناء بقيمة 370 مليون دولار، في حين ذكرت إحصائيات عن اللجنة الشعبية أن نسبة البطالة وصلت إلى 60%.

ورصد مكتب الأمم المتحدة ارتفاع معدلات الفقر ليبلغ مستويات غير مسبوقة، حيث إن ثماني عائلات من بين كل عشر تعيش تحت خط الفقر البالغ 594 دولاراً في الشهر الواحد، كما أن هناك 66.7% من الأسر تعيش في فقر مدقع، أي أقل من 474 دولاراً شهريا، فيما تزيد مستويات الفقر في قطاع غزة بنسبة 30% عن مثيلتها في الضفة الغربية.

وأكد الصوراني أن للحصار الإسرائيلي تأثيراً مباشراً على الإقتصاد الفلسطيني quot;إذ أدى الحصار إلى انعدام التصدير وتراجع حجم واردات قطاع غزة بشكل حاد، حيث بلغ مجموع الواردات عام 2007م، (300) مليون دولار فقط، تتوزع كما يلي: من الضفة بمعدل 15% ومن إسرائيل 70% ومن الخارج 15% (خاصة مصر وعبر عمليات التهريب)، علما بأن واردات قطاع غزة طوال الأعوام الماضية كانت بمعدل 650-700 مليون دولار سنوياًquot;.

وتوقف معظم المشاريع الإنشائية والعمرانية والتطويرية الخاصة والعامة، نتيجة إغلاق المعابر ومنع دخول مواد البناء إلى الأسواق الفلسطينية في قطاع غزة، كما توقفت مشاريع البناء والتطوير التي تنفذها الأونروا والتي تقدر بحوالى 93 مليون دولار وتشكل مصدر دخل لما يزيد عن 120 ألف شخص. ويبلغ مجموع المشاريع في قطاع البناء التي تم إيقافها وتعطلها بنحو 160 مليون دولار بما فيها مشاريع وكالة الغوث الأونروا وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي ومشاريع أخرى.

وكان الدكتور سلام فياض رئيس الحكومة الفلسطينية نوه بأن الأراضي الفلسطينية بحاجة على مالا يقل عن 8 مليارات دولار، لإعادة تطويرها بعد أن خسرت ما يقرب من 8.4 مليارات دولار منذ بداية إنتفاضة الأقصى، وهي عبارة عن تكاليف فرص ضائعة، وبلغت الخسائر المتراكمة في الإيرادات العامة حوالى 2ر1 مليار دولار.

وقال مراقبون إقتصاديون، إن إجمالي الواردات الفلسطينية السنوية يصل إلى حوالى 5ر2 مليار دولار، مقابل 457 مليون دولار صادرات، لذلك يتطلب إخراج الاقتصاد الفلسطيني من أزمته الحالية، من خلال برامج تبادل تجاري مكثفة مع الأسواق العربية والعالمية، وتنويع التجارة بدلا من الاعتماد الكلي على إسرائيل، بالإضافة إلى ضرورة توسيع الدول المانحة لحيز سياساتها التجارية الموجهة للسلطة الفلسطينية، وابتعاد المانحين عن المعونات المرتجلة حتى لا تساهم المساعدات الدولية في تشويه عملية التنمية الفلسطينية.

وشكك الكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني علي الجرباوي من إمكانية تحقيق ذلك على المدى المنظور، حيث قال quot;لا أتوقع حدوث تبادل تجاري بالمستوى المطلوب، لأن إسرائيل لا تريد، فيما الولايات المتحدة الأميركية لديها أجندتها فضلا عن الوضع الداخلي الفلسطيني quot;أصبح ميؤوسا منهquot;. وأضاف أن عام 2007 هو أسوأ الأعوام التي مر بها الشعب الفلسطيني، فالشعب الفلسطيني مر في نكبة ونكسة لكن ما جرى هذا العام في الساحة الفلسطينية كان quot;التهلكةquot;.

وكان وزير الاقتصاد في الحكومة الفلسطينية كمال حسونة، كشف عن اتفاق لبناء مناطق صناعية مشتركة على الحدود مع إسرائيل. وقال quot;العمل في الـمصانع سيكون مشتركاً مع إسرائيل، وسيضمن خلق فرص عمل كبيرة للأيدي العاملة الفلسطينية التي ستشتري الـمواد الخام من إسرائيل وتصنعها، ومن ثم تبيعها للإسرائيليين، أو تصدرها للخارج عن طريق إسرائيل.
لكن هذا الاتفاق، بحسب بعض المحللين، يتجاهل خبرة فلسطينية لعقود من التعامل مع إسرائيل، فالاتفاق المعلن هو اتفاق تبعية اقتصادية، وكأن الهدف هو زيادة الارتباط بدلاً من فصله.
ورغم تأسيس سوق فلسطين للأوراق المالية بمبادرة من شركة باديكو وبدعم من السلطة الوطنية، وذلك بهدف لعب دور مركزي في عملية جذب الاستثمارات من المصادر الخارجية والمحلية، حيث أسست شركة سوق فلسطين للأوراق المالية كشركة مساهمة خاصة تمتلك باديكو 80% من أسهمها، إلا أن أداء السوق شهد بعد اندلاع الانتفاضة الفلسطينية في تشرين الأول 2000 تراجعاً كبيراً، يعود بالدرجة الأولى للظروف الأمنية والسياسية التي سادت المنطقة، والتي أدت إلى مضاعفات مدمرة على الاقتصاد الفلسطيني بشكل عام والمنشآت التجارية والصناعية بشكل خاص.
ولقد انعكست هذه التطورات بالضرورة على أداء السوق المالية، خاصة وأن مقر السوق هو في مدينة نابلس.