كامل الشيرازي من الجزائر: ترتفع أصوات خبراء الشأن الاقتصادي في الجزائر حاليا، مطالبة بمراجعة الإستراتيجية الصناعية المعتمدة من طرف الحكومة هناك، ويرون أنّ خطة الجهاز التنفيذي بقيادة رئيس الوزراء عبد العزيز بلخادم، تعوزها الشفافية ويكتنفها الغموض، وتسمح ndash; بحسبهم ndash; بخلق quot;مفاضلة غير مشروعةquot; بين المستثمرين الأجانب والمحليين.
quot;إيلافquot; ناقشت مع جميع الأطراف المعنية، رهان وأفق الإستراتيجية الصناعية، وما يرافقها من مشكلات بعد عام ونيف على افتتاحها، تابعوا:
تحدي التنمية الصناعية المندمجة
تقوم أولّيات مشروع الإستراتيجية الصناعية في الجزائر، استنادا إلى وثائق حكومية، على مخطط عمل ينشئ مناطق تنمية صناعية مندمجة، وبموجب هذه الإستراتيجية، تنقسم المناطق الصناعية إلى أربعة أقطاب متنوعة ومتخصصة تهتم بالتكنولوجيا العالية وأخرى خاصة بالخدمات.

وذكرت وزارة الصناعة الجزائرية، أنّ المخطط يبتغي جعل المناطق الصناعية ذات جاذبية، من خلال التنسيق القطاعي، واستحداث مراكز صناعية نموذجية موحّدة تجمع بين محافظتين إلى ثلاث محافظات، بغرض خلق مناخ استثماري جديد يثمر تكاملا اقتصاديا بين المؤسسات للوصول إلى رؤية اقتصادية موحدة تضمن تأهيل قطاعات هامة على غرار صناعة الأسمدة الآزوتية والفوسفاتية، الحديد والألومنيوم، بما يكفل إنتاج خمسة ملايين طن سنويا من المعادن، إضافة إلى الارتقاء بإنتاج المواد الصيدلانية إلى حدود 60 بالمائة، علما أنّ معدلها الحالي لا يتجاوز 20 بالمائة، كما تروم الاستيراتجية إلى الانفتاح على صناعات السيارات، الكهرباء والإلكترونيك، التكنولوجيات الجديدة للاتصال، باعتبار الجزائر متأخرة جدا في هذا المجال.
ويؤكد quot;عبد الحميد طمارquot; الوزير الجزائري للصناعة وترقية الاستثمارات، أنّ الإستراتيجية الصناعية المنتهجة من طرف حكومة بلاده quot;واضحة ودقيقةquot;، ويدافع في تصرح خاص بـquot;إيلافquot; عن هذه الإستراتيجية بقوله أنّها راعت ترسيخ دعامات quot;النمو الداخليquot; وعنصر quot;الاستدامةquot;، من خلال تغيير تموجهات النظام الاقتصادي، ويشير طمار إلى أنّ قطاعه بصفته عرّاب العملية، حرص على الذهاب نحو عقلنة لسوق السلع وضمان مرونة الخدمات، حتى تتكرس شفافية السوق ويتطور النظام المالي، ولا يشاطر طمار آراء المنتقدين بأنّ الحكومة أهملت أساسيات أي بناء اقتصادي، حيث يشدّد أنّ السلطات سعت إلى تطبيق نظام التخصيص، وسرّعت إجراءاتها لإنعاش منظومة الاستثمار وكذا تطهير المؤسسات، مثلما اهتمت بإيجاد حلول مشاكل العقار الصناعي.
وتأتي إفادات المسؤول الحكومي الجزائري مناقضة لإحصائيات رسمية كشفت معاناة خمسمائة فضاء صناعي يتربع على مساحة إجمالية تفوق 22 ألف هكتار، من quot;الإهمالquot;، فضلا عن 30 إلى 50 في المئة من الأراضي المصنفة في خانة العقار الصناعي، والمقدرة بحوالي 30 ألف هكتار على المستوى المحلي، هي أراضي غير مستغلة، وهو ما ألقى بظلاله على أداء نحو 70 منطقة صناعية كاملة.
انفرادية قادت إلى فشل
على طرف نقيض، يعيب أكثر من مختص اقتصادي، ما يسمونها quot;انفراديةquot; طبعت تخطيط وتنفيذ الحكومة الجزائرية للإستراتيجية الصناعية ما حال دون دخول البلد مرحلة النمو الاقتصادي الفعلي، بهذا الصدد، يستغرب هؤلاء عدم إشراك السلطات لكل الخبراء والنخب، وتفضيلها التغريد خارج السرب، على نحو لم يمنح أهمّ مقوم لإنجاح مشروع جعلته الحكومة أحد أهم رهاناتها في آفاق العام 2009.
ولا يتردد المستشار quot;عبد المجيد عمرانيquot;، عن نعت quot;السياسة الصناعيةquot; في بلاده بـquot;الفاشلةquot; ويقدّر أنّ مسار الخصخصة تعثر بسبب ذلك، كما ينتقد عمراني عدم اعتناء دوائر القرار بالنسيج الصناعي المحلي الذي بدأ في التنامي منذ سنوات طويلة، ولا يستسغ عمراني، إقدام الجهات الوصية على اتخاذ قرارات مصيرية بشأن quot;تخصيص المؤسساتquot; دون استشارة القاعدة مع أنّ الأخيرة بحكم دستور البلاد، هي المالكة.
ويصف quot;عبد المجيد عمرانيquot; الحكومة بـquot;المستثمر الفاشلquot;، طالما أنّها أنفقت 5 مليارات دولار كل عام منذ التسعينيات، بغرض تأهيل وإعادة هيكلة مؤسسات هشة، ما زاد بحسبه من إنهاك اقتصاد البلاد وامتصاص مخصصات كان يمكن توجيهها لخلق مؤسسات صغيرة ومتوسطة واستيعاب آلاف البطالين والكوادر المهمشة.
كما يهاجم خبراء، افتقاد المسؤولين للتخطيط الاستراتيجي وتغييب المعطيات الدقيقة، بجانب سيطرة خيار (تحييد) رجال الأعمال الجزائريين، ومنح الأولوية لنظرائهم الأجانب، تماما مثل بيع شركات محلية بالدينار الرمزي لمستثمرين متعددي الجنسيات، في وقت لا تستفيد القوى الجزائرية من أدنى فرصة، على حد تعبيرهم.
بعث إستراتيجية بديلة تراعي التخطيط الجيد
يلتقي الخبيران quot;عبد المالك سرايquot; وquot;زعيم بن ساسيquot; في كون بلادهما المتألقة باحتياطي نقد أجنبي يزيد عن 110.7 مليار دولار، ليست بحاجة في منظورهما إلى quot;رؤوس أموال أجنبيةquot; لتفجير ثورة اقتصادية، بل باتت بحسبهما في أمس الحاجة إلى بعث إستراتيجية صناعية بديلة تراعي التخطيط الجيد.
ويؤيد الخبير المالي ومحافظ الحسابات quot;محمد غرناوطquot;، هذا الطرح، ويركّز على حتمية الذهاب بأقصى سرعة وفعالية باتجاه إصلاحات هيكلية وسياسية ومؤسساتية فعلية، مشفوعة بمخطط متكامل وشفاف يتفادى السقوط في المطبات السابقة التي شهدتها خطة التخصيص.
ويلّح المختصون، على أنّ الدواء كامن في تبني سياسة لا مركزية وبلورة سوق التسيير، إضافة إلى دفع قاطرة برنامج الخصخصة بواسطة مراجعة كلياتها، عن طريق مخطط جامع يستوعب كافة مكونات العائلة الاقتصادية الجزائرية الكبيرة، وينادي خبراء بوضع آلية شاملة للاستشراف والمراقبة والمتابعة والتقييم، من شأنها تلافي الثغرات السابقة.