الحكومة في مواجهة ورطة الأسعار
أزمة الغلاء تلغم سماء الجزائر مجدداً

كامل الشيرازي من الجزائر: ما كاد الجزائريون يصدقون أنّ مسلسل الارتفاع quot; الفاحش quot; في أسعار المواد الأكثر استهلاكا الذي أرهق أعصابهم وهزهم بعنف الخريف الماضي، قد ولّى، حتى عادت الزيادات المهولة التي طالت البطاطا والزيت والدقيق والطماطم المصبرة والبقول الجافة، هذه الأيام، لتحرق جيوب الموظفين المحدودي الدخل والمواطنين البسطاء، وتحيي شعورا متناميا بالخوف لدى الشارع المحلي، خصوصا مع استمرار ضعف القدرة الشرائية وعدم إقرار الحكومة للزيادات الجديدة في الرواتب، ما يجعلها في ورطة كبيرة في مواجهة الغليان الجماهيري، على نحو يؤشر بحسب مراقبين على افتتاح quot; ربيع اجتماعي ساخن quot;.

وفي جولة قادت مندوب quot;إيلافquot; عبر أسواق العاصمة الجزائرية وضواحيها، كان الانطباع العام أنّ لهيب الأسعار صار سيد الموقف هنا وهناك، في صورة القمح الذي عاد سعره ليتسلق مستوى الخمسمئة دولار بعدما كان لا يتجاوز مئتي دولار للطن، تمامًا مثل القمح اللين الذي قفز من 130 إلى 450 دولارًا للطن، والزيت الذي تضاعف من 700 إلى 1450 دولارًا، وعلى المنوال نفسه كانت الحال بالنسبة إلى مسحوق الحليب الذي أصبح سعر الطن الواحد منه بأربعة آلاف دولار، علمًا أنّه كان ثمنه 2000 دولار.

فوق كل هذا، أصبحت مادة أساسية بالنسبة إلى الجزائريين مثل البطاطا، مسببة لصداع الرأس، غداة غلائها المفرط، إذ لا يمكن للزبون اقتناء كيلوغرام بأقلّ من ستين دينارا، وفي بعض الأسواق (الموازية) يكون الأمر أرحم ndash;بمعيار ما- حيث تُعرض البطاطا هناك بـ50 إلى 55 دينارا (..)، علما أنّ هذه المادة التي لا تستغني عنها موائد الجزائريين، كانت إلى وقت قريب تُباع بـ20 إلى 25 دينارا فقط للكيلوغرام.

وقال quot;عاشور مصطفىquot; رئيس اللجنة الجزائرية لتجار الخضر والفواكه، إنّ أسعار البطاطا ستبقى quot;عاليةquot; لفترة لن تكون قصيرة، وعلّل ذلك بغلاء الأسمدة التي منعت السلطات من تسويقها لدواع أمنية (على خلفية استخدامها المكثف في التفجيرات الأخيرة التي شهدتها البلاد)، ويشدّد مزارعون إنّ حجب هذه الأسمدة ولّد ندرة ثم التهابا في أسعارها، وهو ما كانت له تبعات على محاصيل البطاطا وأسعارها المعتمدة بين المزارعين والتجار وما يُعرف بفئة الوسطاء.
ويضيف رئيس اللجنة الجزائرية لتجار الخضر والفواكه، في تصريح خاص بـquot;إيلافquot;، أنّ المزارعين لم يستلموا الأسمدة إلا بعد شهر من زرعهم للبذور، وهو ما يعني شحا في الانتاج، سيلقي بظلاله على الأسعار التي قد تستعيد منحناها المخيف الصيف الماضي عندما جاوزت الدولار للكيلوغرام.

وينظر متابعون بقلق إلى ما يحدث، ويفسرون الواقع بما تنسجه أطراف خفية تعمل على خلق أسباب معينة لإبقاء السوق في اضطراب كبير في معزل عن أي رقابة، بينما يفعل السماسرة ما يحلو لهم، بينما يصرّ الخبير quot;عابد شارفquot; على وجود تلاعب بالمنتجات والأسعار والأسمدة وغيرها، كما يذهب الخبير الاقتصادي الجزائري quot;مسعود كسريquot; في مقابلة مع quot;إيلافquot;، إنّ quot;ارتفاع الأسعار أزمة مفتعلة توجّه بسياسة تلفيقيةquot;، مرجعا ارتفاع أسعار المواد الأساسية إلى عدم صرامة بلاده في تطبيق الرقابة على تنفيذ القوانين، ونفى كسري ما تروّجه أوساط عن quot;خضوع السوق الجزائرية لحركة الأسعار الدوليةquot;، قائلا إنّها تخضع عكس ذلك لـquot;مجموعة من المتحكمين داخلياquot;.

ولا يفهم أكثرية الجزائريين، كيف أنّ بلادهم التي أنتجت 53.3 مليون قنطار وفق بيانات رسمية، واستوردت 89 ألف طن من البطاطا من أجل مواجهة ندرة هذا المنتوج، يمكن لها أن تقنع مواطنيها بسببية هذا الغلاء الغريب، ويتبدى اللامنطق، عندما يؤكد مزارعون أنّ محافظة جزائرية واحدة يمكنها أن تغذّي كل الجزائريين، وتسدّ حاجاتهم من البطاطا!

في سياق متصل، يستحوذ الصعود الجنوني لسعر quot;الزيتquot; حاليا على كل الأضواء في الجزائر هذه الأيام، ويعود ذلك إلى تجاوز سعره 930 دينارا للصفيحة، وقد يصعد إلى أكثر من ألف دينار، في ظلّ عجز الحكومة الجزائرية عن احتواء الأزمة والحيلولة دون تفاقم مزايدات التجار والمضاربين، رغم حديث وزير التجارة الجزائري quot;الهاشمي جعبوبquot; عن تسقيف الأسعارquot;، وإعلان رئيس الوزراء عبد العزيز بلخادم عن رصد سلطات بلاده لمخصصات بحدود 2.6 مليار دولار سنويًا، لدعم المواد الأساسية الواسعة الإستهلاك، في أعقاب الارتفاع المتسارع في أسعار المواد الغذائية وما أفرزه ذلك من وضع استثنائي كانت له.

واللافت، إنّ المضاربة بألوانها اشتدت في أسواق الجزائر، ومعها احتدمت فوضى الأسعار، ما سيفرز تبعات محسوسة على اقتصاد البلد المنهك بالتقلبات منذ النصف الثاني للعام الماضي، وبعدما مرت على الجزائر أزمة البطاطا ثم الحبوب والحليب، قد يأتي الدور على مواد أخرى ستزيد من الفجوة الحاصلة في منظومة الاستهلاك على الطريقة الجزائرية.