كامل الشيرازي من الجزائر: يتفق أكثرية المحللين والمتابعين لسيرورة قطاع العقار في الجزائر، على أنّ الأخير بات يعيش أزمة مزمنة بفعل التهاب الأسعار في بلد تبلغ مساحته رقعته 2,381,741كم2 ويتموقع كثاني أكبر بلد أفريقي من حيث المساحة بعد السودان، ويبلغ عدد سكانه 33 مليون نسمة يتجمعون بكثافة في 30 في المئة فحسب من مساحة البلاد العامة.
وعلى الرغم من أنّ الجزائر تملك مقومات سوق عقارية حقيقية تتميز بشساعتها واستفادتها من عامل الطلب المتزايد على المشاريع العقارية باختلاف أنواعها، إلاّ أنّ ما يكتنف منظومة العقار هناك من ممارسات جعلت من وضعية العقارات تراوح مكانه، في وقت لا يزال الاستفهام مطروح بحدة بشأن مصير العقار الزراعي وكذا العقار الصناعي، اللذين لم تتمكن الحكومة الجزائرية من حلّ معضلتهما، وهو ما تسبب باستمرار عرقلة إنجاز مشاريع استثمارية على غرارquot;الثورة العقاريةquot; التي تريد مجموعة quot;إعمارquot; الإماراتية تفجيرها على أرض الجزائر.
في هذه الورقة، تستعرض quot;إيلافquot;، وضع أسعار العقارات في الجزائر، وما يتصل بضوابط التمدد العمراني وأثر ذلك على الأسعار، بجانب مشاريع الإسكان الحكومية والخيرية، فضلاً عن نشاط القطاع الخاص وأبرز مشاريعه خلال الفترة الماضية وأفق المرحلة القادمة.

من لهيب إلى آخر
لا يمكن لأي فرد جزائري اقتناء شقة أو قطعة أرض بسهولة، طالما أنّ سعر المتر المربع في أرقى أحياء العاصمة الذي كان لا يتعدّى 10 دولارات قبل عشريتين، أصبح يقدّر حاليًا بستة آلاف دولار، وهنا لا يمكن إجراء أي مقارنات بين المعطيين، حيث حصلت تغيرات جذرية خلال السنوات الأخيرة قفزت معها أسعار البيع والإيجار إلى أضعاف ما كانت، بل إنّ العام 2007 لوحده شكّل منعطفًا فارقًا على هذا الصعيد، طبعه زلزال الارتفاع الجنوني في بورصة العقار سيما في العاصمة الجزائرية وضواحيها، بهذا الصدد، إرتفع سعر المتر المربع الواحد من الأراضي المخصصة للبناء إلى أكثر من مليوني دينار في ضواحي باباحسن والشراقة والدرارية وحسين داي وكذا المدينة الجديدة سيدي عبدالله،
واللافت أنّ الغلاء امتدّ ليشمل مدنًا بعيدة عن المدينة الأولى في البلاد، ونجم عن الارتفاع المحسوس في أسعار الأراضي المخصصة للبناء، عجزًا رهيبًا في قدرة الجزائريين على اقتناء مساكن، بل إنّ أعداد هؤلاء تراجعت كثيرًا استنادًا إلى ما كشفته بيانات رسمية، في حين تشهد الأسعار ارتفاعًا رهيبًا لا يتلاءم مع حجم سوق العقار في الجزائر، في ظل ممارسة بعض الأطراف للاحتكار والمضاربة.
وفي جولة قادت مندوب quot;إيلافquot; عبر مختلف بلديات العاصمة ومحافظتي بومرداس وتيبازة (50 كلم شرق) و(80 كلم جنوب)، برزت مآلات سوق العقارات جلية للعيان، فعلى مستوى بلديات الأبيار، بوسماعيل، ويسر، تحولت أسعار البيع والإيجار في تلك البقع إلى quot;نار حقيقيةquot; لفحت الجميع، صرّح لنا بشير/س (45 عاما) يشتغل بقطاع العقار، إنّ الأسعار لم يعد يمكن تحمل وطأتها من طرف الموظفين المتوسطي الدخل فما بالك بالمواطنين البسطاء، وعلى الرغم من أنّ هناك عقارات مرشحة للسقوط أو الهدم بفعل هشاشتها، فحوالى 80 في المئة من البناياتقديمة وفي حاجة إلى إجراء خبرة، إلاّ أنّ الملاّك وأصحاب الوكالات يصرّون على أنّ العبرة بقيمة الأرض وليس طبيعة البناء، ويصمم هؤلاء على أسعارهم، لا سيما أنّهم متأكدون من انتفاء عملة (الكساد) في قاموسهم، تبعًا لاستعداد الأثرياء وأصحاب المهن الحرة للشراء وبمبالغ خيالية.

غياب شكل الدولة
يُرجع الخبير الاقتصادي هيثم رباني، هذا الارتفاع الجنوني في أسعار العقارات، إلى طغيان اقتصاد البازار، وغياب شكل الدولة بين الرفاه والاقتصاد الاجتماعي، بجانب كثرة عمليات النصب والرشوة وعدم متابعات قضائية جدية، وبحسبه لو سارت الأمور بشكل طبيعي لما حصل ذلك، ويستدلّ رباني بتصنيف المنظمات العالمية لحي حيدرة وسط العاصمة الجزائرية، الثالث من حيث غلاء العقار فيه بعد مانهتان وباريس، كما يقدّر محدثنا أنّ فرض أهل المال للغتهم في حيدرة ومانهاتن وباريس، أتى كنتيجة لسطوة نفوذ المال على القوانين، عكس عجز أهل المال عن إخضاع الدانمارك والسويد وألمانيا لمنطقهم، لأنّ القوانين أكثر قوة وفعالية هناك، وإذ يعتبر رباني أنّ التمدد العمراني ليس سببًا للهيب العقاري في الجزائر، تمامًا مثل تأثير الإقبال المكثف للشركات الكبرى على توظيف الرافد العقاري المحلي، فإنّه بالمقابل، يحذر من أنّ ارتفاع أسعار العقارات في الجزائر quot;سيفرز أحياء سكنية ضعيفة جدًاquot; تشبه ما كان سائدًا في ألمانيا في القرن الثامن عشر، وتتموقع كجيتوهات-محاضن لإديولوجيات ونزعات اجتماعية خطرة، وينتهي رباني إلى أنّ العقارات ستستمر في الارتفاع بالجزائر وباقي دول العالم إلى حين انهيار الاقتصاد الأميركي، وحاليًا بسبب أزمة القروض الرهنية صارت العقارات في أميركا بنصف قيمتها.
من جانبهم، يتصور أصحاب الوكالات العقارية، أنّ (هوس) مواطنيهم بالإقامة في أرقى الأماكن، حتى وإن اقتضى الأمر بالبعض إلى النزوح من الريف والقدوم من مناطق بعيدة في الصحراء الكبرى، بهذا الشأن، يذهب جعفر/ع وهو صاحب وكالة عقارية quot;النسيمquot;، إلى أنّ تأجير وشراء عديد المتعاملين الاقتصاديين المحليين والعالميين لعقارات في مناطق إستراتيجية مقابل أثمان خرافية، زاد من سقف أسعار العقارات التي يتهافت عليها أيضًا رؤساء الشركات العالمية الكبرى ودبلوماسيو الدول الغنية وأهم الممثليات الدبلوماسية.
ويرى quot;سليم لعجايليةquot; المختص في العقار الانفتاح المتسارع للاقتصاد في الجزائر، وما حفل به البلد هناك من أحداث منذ ثمانينيات القرن الماضي، تسبب في تغيير تموجه العقارات هناك، وضيف في تصريح لـquot;إيلافquot;، إنّ السمسرة في الأراضي كان لها القسط الأوفر في تلغيم سوق العقار في الجزائر، بعدما كانت الأخيرة متاحة بأسعار معقولة في وقت ما، وكانت أقرب إلى الرمزية إن قورنت بأسعار هذه الأيام.
من جهتهم، يجمع خبراء الاقتصاد على أنّ الارتفاع الكبير في أسعار العقارات، تأثر أيضا بحجز شركات المقاولات والتعمير متعددة الجنسيات لمساحات واسعة بغرض إقامة مشاريع عليها، ناهيك عن الخطة الإسكانية والسياحية التي شرعت فيها الحكومة الجزائرية منذ سنة 2005، من خلال إنجاز مليون وحدة سكنية، فضلاً عن البدء في إقامة مجمعات سياحية عملاقة ومصانع ومستشفيات وحظائر وغيرها.


إشكال quot;الأموال العقاريةquot;
يركز الأستاذ عيسى بن محمد بوراس، على أنّ بروز سوق عقارية في الجزائر بقي مرتبطًا بإشكالية الحصول على الأموال العقارية، وكذلك التفكير في المحافظة عليها، ويرى بوراس أنّه نظرًا للرهان الكبير الذي يمثّله العقار في الجزائر، فإنّ الإشكالية الرئيسة ظلت محكومة بتحولات الواقع السياسي، انسياقًا لكون الإطار القانوني للملكية العقارية في الجزائر بقي مرتبطًا بما شهدته الجزائر منذ استقلالها من منعطفات سياسية، اعتبارًا من حقبة quot;الأملاك الشاغرةquot; وصولاً إلى ظاهرة التعمير والبناء التي اكتسحت تقريبًا كامل التراب الوطني، فبات العقار محل اهتمام كبير، وهكذا ازداد الطلب على الأموال العقارية في الجزائر من طرف أغلب فئات المجتمع كعلامة على الارتقاء.
ويربط بوراس ما يلف المجال العقاري، بـquot;إشكالية الدولةquot; وكذا quot;طبيعة الدولةquot;، فالانشطار الذي حصل بين تيار يميل إلى رأسمالية الدولة، وآخر إلى quot;الرأسمالية الليبراليةquot;، ما أورث تداخلاً بين دعاة التحرير والتداخل، وهو ما لم يساعد بحسبه على تأسيس سوق عقارية حرة بصفة نهائية، ما ترك آثارًا على صعيد التأجيل المستمر لبيع الأراضي الزراعية التابعة للملكية الخاصة للدولة، والتسوية القانونية للأراضي التي جرى بيعها في أوقات سابقة.


الإسكان الخيري... جهد يفتقد لرقابة
بذلت الحكومة الجزائرية مجهودات كبيرة في مجال quot;الإسكان الخيريquot; أو ما يصطلح عليه محليًا بـquot;الإسكان الاجتماعيquot; بيد أنّ المبادرات المتتالية ظلت دون المستوى المطلوب، تبعًا لعدم مراقبة الدولة للمقاولين وإهمال دعائم الرقابة التقنية، على الرغم من أنّ السكنات الاجتماعية تصرف عليها المليارات، وبلغة الأرقام، وفرت الحكومة هناك 239412 وحدة سكنية من نمط الاجتماعي الإيجاري، 243351 وحدة سكنية من صيغة الاجتماعي التساهمي، 384620 وحدة من النمط الريفي، 129115 وحدة سكنية بصيغة البيع بالإيجار و38068 مسكنًا ترقويًا، إضافة إلى 318817 وحدة سكنية في إطار برامج خاصة للقضاء على السكنات غير اللائقة المقدرة بنحو 8 في المئة من الحظيرة العامة للسكن، وهي برامج استهلكت 850 مليار دينار (ما يعادل 12 مليار دولار)، لكن الخبراء يعيبون على أصحاب القرار عدم إخضاعهم العقار لمعيارية العرض والطلب.

رهانات 2008
تفيد مصادر من محيط فرع المجمع الإماراتي الضخم quot;إعمارquot; المختص بالعقار، أنّ الشركة بمشاريعها الخمسة الضخمة، تريد كسر أسعار العقار في الجزائر وما يرتبط به من نشاطات أخرى كالإيجار والبناء، وعلى المنوال ذاته تعتزم مجموع quot;صروحquot; النسج على المنوال ذاته.
كما كشفت شركة سناسكو، إحدى شركات التطوير العقاري الرائدة في المنطقة، عن نيتها التوسعية في السوق العقاري الجزائري، وذلك ضمن خططها الإستراتيجية بعيدة المدى والرامية إلى إنشاء مشاريع عقارية مميزة في مختلف دول العالم العربي، حيث تسعى شركة سناسكو إلى أن تعزز اسمها كمطور عقاري رائد في المنطقة، يقدم أفضل المشاريع العقارية المتعددة الأغراض ذات المواصفات العالمية.
وبعدما ظلت مشكلة العقار الصناعي تطرح بحدة، تتأهب الحكومة الجزائرية لاعتماد مخطط جديد يقضي بالتنازل عن عقارات مملوكة للدولة بغرض استقطاب استثمارات أجنبية، ويتعلق الأمر بضبط طرائق منح هذه العقارات عن طريق الامتياز من أجل إنجاز مشاريع استثمارية، ويأتي الإجراء بعد أن اشتكى عموم المستثمرين الأجانب من صعوبة الحصول على أراضي لإقامة مشاريعهم، بسبب البيروقراطية وتداخل الصلاحيات بين مختلف الأجهزة الحكومية، ليأتي القرار المرتقب إعلانه في غضون الفترة القادمة، محفزًا لمبادرات الاستثمار الأجنبية في الجزائر.
وكان رئيس الوزراء الجزائري عبد العزيز بلخادم كلّف قبل أشهر لجنة وزراية مشتركة بمتابعة الملف وبحث مسألة العقار الصناعي، بعد أن أكّدت إحصائيات رسمية وجود خمسمئة فضاء صناعي يتربع على مساحة إجمالية تفوق 22 ألف هكتار، تعاني من الإهمال، فضلاً عن 30 إلى 50 في المئة من الأراضي المصنفة في خانة العقار الصناعي، والمقدرة بحوالى 30 ألف هكتار على المستوى المحلي، هي أراضٍ غير مستغلة، وهو ما ألقى بظلاله على أداء نحو 70 منطقة صناعية كاملة.