سير بتثاقل للعام الثالث على التوالي
مسار الخصخصة في الجزائر: خطوة إلى الأمام خطوتان للوراء

كامل الشيرازي من الجزائر
فتح تأجيل خصخصة بنك quot;القرض الشعبي الجزائريquot; المملوك للحكومة، قبل عشرة أيام، المجال واسعًا لتساؤلات وتأويلات خبراء الشأن الاقتصادي الجزائري، خصوصًا في ظلّ (التعثر الظاهر) لخطة الخصخصة ثلاث سنوات بعد طرح الحكومة الجزائرية لنحو 1200 مؤسسة على طاولة الخصخصة بشقيها الجزئي والكلي، فهل الوضع المالي للمؤسسات المعنية لم يشجع المستثمرين على شراء رساميلها، أم أنّ هناك ثمة خلل في الرؤية الجزائرية للمسألة؟، تابعوا:

بيع 294 مؤسسة لقاء 1.4 مليار دولار
اعترفت الحكومة على لسان وزيرها للصناعة والاستثمارات عبد الحميد تمار بأنّ عملية الخصخصة في الجزائر تعرف تأخرًا كبيرًا، واستنادًا إلى أرقام رسمية لمجلس مساهمات الدولة في الجزائر، جرى خصخصة 294 مؤسسة عمومية منذ خريف العام 2004 إلى حد الآن، وهي عملية مكّنت الحكومة هناك من جني 1.4 مليار دولار فقط، بعد أن كانت الحكومة تتوقع تحصيل 10 مليارات دولار لفائدة الخزانة العامة.
وعلى الرغم من ذلك، سمحت الخطة خلال العامين الماضيين، بالحفاظ على 24 ألف منصب شغل، وإستحداث 12 ألف منصب جديد، كما تم اعتماد حوالى 600 مليون دولار لخطط إعادة تأهيل وهيكلة المؤسسات المرشحة لفتح رقم أعمالها، بيد أنّ السلطات غير راضية عن النتيجة المحققة، وتؤكد بأن أوضاع القطاع الاقتصادي العمومي غير مرضٍ، تبعًا لأنّ معطى المؤسسات المخصخصة ضئيل مقارنة بـ 1200 مؤسسة معروضة، في ظلّ تغني الحكومة الجزائرية، بتسريع سياقات الخصخصة من أجل تقويم وضع المؤسسات الفاشلة، وحساسية دفع مسار التنمية في البلاد والتحكم في السيولة النقدية التي تتحصل عليها الجزائر من ريع المحروقات والتركيز على الأطوار التي تحد من المخاطر على النسيج المؤسساتي هناك.
وإذا كان الرأي العام في الجزائر، قدتعاطى منذ البداية بحذر مع خيار الخصخصة المنتهج، على خلفية التخوّف من انعكاسات تخلي الدولة عن هذا العدد الضخم من المجموعات الاقتصادية العامة، باحتمال فقدان وظائف دائمة تصل إلى حدود 50 في المئة من الوعاء الحالي للطبقة الشغيلة في الجزائر، إلاّ أنّ موجات متجددة من الجدل ثارت إزاء خطة التطهير المالي الجديدة للمؤسسات العاجزة، كون الإجراء في مؤداه سيزيد من إنهاك خزينة الدولة، على الرغم من أنّ الخصخصة باتت لا مفر منها للشركات المفلسة، بل وحتمية لتحقيق قفزة نوعية ومنح جرعات لمنظومة الانتاج وقطاع التصنيع.

افتقاد الخطة للوضوح
يرى المختص عبد الرحمان مبتول، أنّ افتقاد مخطط الخصخصة المراد تنفيذه للوضوح والتخطيط البعيد المدى وكذا الشفافية المطلوبة، جعل العملية أقرب إلى المغامرة والتفنن في استنساخ أخطاء الماضي ليس إلا، بينما يذهب الخبير المالي عبد الحق العميري إنّ شروط التمويل التي تفرضها الدولة لاقتناء موسسة عمومية تظل بمنظاره تعجيزية، ويتصور إنّ الخصخصة بالنموذج المتبع منذ 36 شهرًا، أتت متسرعة بعض الشيء، خصوصًا ولم تشفع بنظرة متكاملة تعين على تفادي أخطاء الماضي، حينما أقدم رئيس الوزراء السابق أحمد أويحيى على تسريح ستمئة ألف عامل في النصف الثاني من تسعينات القرن الماضي.
وبحسب quot;عمر رمضانquot; الرئيس السابق لمنتدى رؤساء المؤسسات، فإنّ القوانين التي تسير الخصخصة في الجزائر هي السبب الرئيسي في الجمود الواقع، معتبرًا أن شروط التمويل التي تفرضها الدولة لاقتناء مؤسسة عمومية تعجيزية، في صورة إجبارها الجهة المهتمة بأي صفقة، بدفع 30 في المئة من القيمة الإجمالية للمؤسسة فورًا، ودفع 70 في المئة المتبقية خلال الخمس سنوات اللاحقة، كما يدرج رمضان عامل عدم اهتمام القطاع الخاص الجزائري بالمشاركة في أسهم الموسسات العمومية المعروضة.
ويرى العديد من المحللين أنّ الخوصصة لم تنضج ثمارها، لنقص الدقة في الأهداف، وعدم إجابة أهل الحل والعقد على السؤال الكبير: ''ماذا نريد من بيع صول الشركات العمومية؟، بالمقابل، يبدي مراقبون مخاوف وتوجسات من احتمال تكرار سيناريوهات كارثية في الجزائر، على غرار الذي أورثته خصخصة (متوحشة) في غانا والأرجنتين وبوليفيا والبرازيل وغيرها، ممن صارت مسرحًا إثر ذلك لهلهلة اقتصادية مضاعفة وانحراف اجتماعي وإفلاس سياسي على طول أيضًا.
وينادي متابعون لتطورات ملف الخصخصة على الطريقة الجزائرية، بضرورة إخضاع العملية لضوابط عملياتية تساير التوجه الاقتصادي الشامل للجزائر وتساوقه مع متغيرات وأفق المنظومة العالمية، ويركزون على ميكانيزمات التسيير التي تعتمد عليها المؤسسات المالية من مصارف وإدارات الضرائب والجمارك، التي بدونها سيفرغ مشروع الخوصصة من محتواه، طالما أن إزالة المؤسسات المفلسة يستدعي بالضرورة إزالة الأسباب والعوامل التي أدت إلى إفلاسها، فبقاء العامل البنكي في منح القروض مع عدم تحصيلها في أوقاتها بما ينص عليها قانون القرض والنقد، يظل اللبنة الهشة في الهيكل الاقتصادي الجزائري العام.

تفعيل بورصة القيم المنقولة باء بالفشل
حاولت الحكومة إنعاش عملية الخصخصة مؤخرًا عن طريق تفعيل quot;بورصة القيم المنقولةquot;، غير أنّ محاولتها منيت بالفشل، حيث خاب مسعى خصخصة 11 مؤسسة عمومية عن طريق فتح رأسمالها عبر البورصة ولم تتمكن من ذلك، كما عجزت وزارة المساهمات وترقية الاستثمار عن اقتراح مؤسسات جديدة لدخول البورصة، هذه الأخيرة عرفت ركودًا في نشاطها، خصوصًا غداة انسحاب شركة quot;الرياض للعجائنquot; من التداول بها.
ويرى المختصون أن مسار الخصخصة من شأنه أن يعرف تسريعًا أكثر، إذا ما تمّ خصخصة القطاع المصرفي، إذا ما استأنفت عمليات خصخصة بنك quot;القرض الشعبي الجزائريquot;، وكذا مصارف أخرى على غرار quot;البنك الجزائري للتنمية الريفيةquot; وquot;الصندوق الجزائري للتوفير والاحتياطquot;، علمًا أنّ وزارة المالية الجزائرية أوعزت أنّ العملية لن يتّم الحسم فيها إلى حين اتضاح الرؤية في أسواق المال العالمية، مع الإشارة إلى أنّ عملية فتح رأسمال القرض الشعبي الجزائري عرفت تأخرًا منذ العام 2003، بسبب تشبث الحكومة في السابق بعدم فتح رأسمال القرض بأكثر من 49 في المئة، بمعنى أنها كانت تريد الإحتفاظ بنسبة أغلبية أسهم القرض الشعبي، خلافًا لتوصية أصدرها البنك العالمي وصندوق النقد الدولي بفتح رأسمال القرض الشعبي، كخطوة لتحديث النظام المصرفي والدفع بوتيرة إصلاحه، ناهيك عن تحسين قدراته على تمويل الاستثمار والنمو.
وتسعى الجزائر إلى خصخصة 40 في المئة من مصارفها العمومية ومنحها للقطاع الخاص في أفق العام 2010، علمًا أنّ شبكة البنوك العمومية تضم 1.097 وكالة و فرع، في حين تضم شبكة البنوك والمؤسسات المالية الخاصة 130 وكالة بمجموع 1.227 شباك مصرفي.

عدم إشراك العمال رهن العملية
تنتقد النقابات المستقلة وقوى المعارضة في الجزائر، عدم إشراك العمال، وتعزو فشل العملية إلى ذاك العامل، خصوصًا أنّه على الرغم من إصدار الحكومة تعليمات دعت فيها لإشراك وإعلام العمال وممثليهم في أية عملية خصخصة أو شراكة، إلاّ أنّ عموم سيناريوهات الخصخصة التي تمت، جرى تمريرها دون إعلام ممثلي العمال في عمليات التنازل عن أصول الشركات التي ينتمون إليها(.. !)، - ما جعل البعض يتهم quot;القائمين على الخصخصةquot; باعتماد ما يسمونه quot;أساليب غير نظيفةquot; في عقد الصفقات الخاصة، خصوصا بالنسبة للشركات التي لم تغري أحدا.
ولا تزال تواجه عمليات الخصخصة مقاومه من قبل النقابات العمالية، وقد أفرزت خصخصة عده مؤسسات نزاعات بين الإدارة والعمال أدت إلى نشوب عديد الاحتجاجات، كما كان عليه الحال بالنسبة إلى خصخصة مركب الحديد بمنطقة quot;الحجارquot; الشرقية لصالح الشركة الهندية quot;إسباتquot;، وكذا التململ الكبير في الأوساط النقابية إثر منح حق تسيير ميناءي الجزائر العاصمة وquot;جن جنquot; بمحافظة جيجل، لصالح الشركة الإماراتية ''موانئ دبي''.

نحو ''تطهير مالي'' متجدد
بحسب الخبير مصطفى فتحي، تبرز الحاجة إلى عملية ''تطهير مالي'' جديدة، لضمان متنفس للشركات المزمع خصخصتها، طالما أنّ الأخيرة تعاني من اختناق مالي شديد، بعدما ثبت فشل خطط الحكومات المتعاقبة في استمالة مالكين جدد لأصول المؤسسات المذكورة أو جذب استثمارات أجنبية مباشرة لتحريك دواليب الجهاز الإنتاجي وبخاصة الصناعي.
آخر الدواء.. التصفية
رئيس الوزراء الجزائري عبد العزيز بلخادم، يبدو أنذه اقتنع بآخر الدواء يكمن في التصفية، حيث صرّح بلهجة الواثق إنّ الدولة لن تستمر طويلا في إنعاش المؤسسات المفلسة، وأنّ مآل الأخيرة إن لم تنجح في تجاوز احتباسها، سيكون الحل إن لم تباع، مطمئنا بأنّ الدولة الجزائرية quot;ستحافظ على أجهزة الانتاج وكذا اليد العاملةquot;، وذكر بلخادم للصحفيين إنّ الدولة دخلت الآن مرحلة النمو المضطرد الذي لا يمكن أن يعتمد على ميزانية الدولة وحدها بل يبقى يرتكز أساسا على المبادرة الفردية أيضا.
بهذا الصدد، أكّد بلخادم quot;التخلصquot; من 120 شركة عمومية بنهاية سنة 2008، مبررا بأنّها باتت quot;خاسرةquot;، ولم تفلح خطط إعادة تأهيلها وتحديثها، في إرجاع الروح إليها.

quot;إستراتيجية صناعيةquot; لإنقاذ ما يمكن إنقاذه
تتجه الحكومة الجزائر حاليا إلى اعتماد quot;استيراتجية صناعية مبتكرةquot; في غضون الفترة القليلة القادمة، كخطوة يعزوها مختصون على أنّها محاولة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، عبر اعتماد برنامج يستهدف على وجه أخص النهوض ببعض الشعب الصناعية توخيا لترقيتها وذلك اعتبارا لما تنطوي عليه من قوة وتنافسية، ومراعاة لأهداف الجزائر في مجال التصدير.
وتتمثل أهداف الإستراتيجية الصناعية بمفهومها المعلن عنه على لسان الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، كامنة في تطوير الأنشطة الصناعية تحديدا، وجعل البلاد مركزا تنافسيا مدرا للقيمة المضافة العالمية من خلال تحويل المنظومة الاقتصادية والتطور المعتبر للهياكل القاعدية وللموارد البشرية، على أن يبقى دور الدولة قائما على التخطيط، ومنح تشجيعات مغرية للمستثمرين الإستراتيجيين من أجل تحقيق النمو الاقتصادي المنشود خارج قطاع المحروقات.