كامل الشيرازي من الجزائر: دفع إعلان الحكومة الجزائرية، عن اعتزامها رفع مجدد لأسعار استهلاك الكهرباء والغاز، إلى نشوب قلق عارم في وسط العمال المحليين إزاء معضلة إيجاد توازن بين رواتبهم التي استفادت من زيادات أوائل الشهر الجاري بعد طول مماطلات، وبين تغطية قدرتهم الشرائية المتدنية أصلا بمفعول المواد الأكثر استهلاكا، وبات الجزائريون يطرحون تساؤلات عن جدوى زيادات الرواتب، طالما أنّ الحكومة سترفع بالتزامن أسعار الكهرباء والغاز قبل نهاية العام، ما يبقي دار لقمان على حالها، ويعيد جدلية جحا الشهيرة حول القط والشواء.

وليس بجديد إذا ما شددنا على الغليان المستمر للجبهة الاجتماعية بسبب التدني الكبير الذي تعرفه القدرة الشرائية لنحو 4.5 مليون عامل في البلد، رغم الزيادتين اللتين عرفتهما منظومة الأجور منذ العام 2000، وإذا كان الجميع تنفس الصعداء قبل أسابيع، إثر ترسيم الحكومة لزيادات جديدة وُصفت بالمعتبرة، ما اعتبر على أنّه وصفة فعالة للاختلال الواقع، أنهت الوضعية غير الطبيعية التي أنهكت جيوب الجزائريين لسنوات، إلاّ أنّ اقتراح مجلس إدارة الشركة الجزائرية للكهرباء والغاز (سونالغاز) المملوكة للحكومة، زيادات في تسعيرتي الكهرباء والغاز بنسبة تفوق 9 بالمائة بالنسبة للمستهلكين العاديين و15 بالمائة بالنسبة للمستهلكين الكبار أي الشركات ذات الطابع الصناعي، هذا دون احتساب الزيادات غير المعلنة التي تتم كل شهر تقريبا أو أكثر من ذلك بقليل.

ويفتح الرفع المنتظر لـ(خدمتي) الكهرباء والغاز، بابا واسعا للتساؤل حول المنهجية المتبّعة من طرف الجهاز التنفيذي وتعاطيه مع المستوى المالي للشعب الجزائري الذي يبقى العنصر الحيادي الدائم في كامل المعادلات والعمليات الحسابية التي تقوم بها الدولة والتي تراعي فيها الجوانب التي تخدمها فقط، دون أن تلتفت لما يناسب المواطنين، على حد تعبير النقابي المخضرم رشيد معلاوي، ويتساءل الأخير عما إذا كانت دوائر القرار تدرك عواقب خطوتها، ورأى أنّه من الكارثي تبرير الإجراء الجديد بحاجة شركة بحجم سونلغاز إلى توفير موارد مالية جديدة للاستثمارات للمشاريع التي تحضر لها!، علما أنّ الشركة المذكورة وضعت خطط لإنتاج الكهرباء بواقع 19 مليار دولار حتى 2017.

بمنظار الحكومة، اعتماد الزيادة في تسعيرة الكهرباء والغاز أصبح ضرورة ملحة، خاصة في ظل التزايد المستمر للطلب عليهما والذي بلغت نسبته 6 في المئة، ويقول مسؤول في شركة سونالغاز لـquot;إيلافquot; أنّ الإستراتيجية الاجتماعية التي انتهجتها الحكومة لمد وتطوير شبكة الكهرباء والغاز عبر مختلف محافظات البلاد، وضمان تغطية كاملة للمدن والقرى والمداشر، ستكلف استثمارات الشركة الجزائرية للكهرباء والغاز مبالغ مالية ضخمة، مضيفا في هذا الصدد بأنها تستدعي تقليص الفارق الحاصل في الوقت الحالي بين التكلفة الحقيقية للكهرباء والغاز وتعريفة الاستهلاك أو التسعيرة المحددة في الفواتير التي يدفعها المستهلك.

بالمقابل، يشدّد ممثلون عن النقابات ومنظمات أرباب العمل، استجوبتهم quot;إيلافquot;، على ضرورة عدم اللجوء إلى أي زيادة في أسعار المواد الاستهلاكية موازاة مع رفع الأجور، حتى لا يصبح قرار رفع الأجور بدون معنى، وتجزم النقابات المستقلة المناوئة لسياسات السلطات، بكون شبكة الأجور الجديدة quot;مجرّد ذر للرّماد في العيونquot;، تبعا لقيام مهندسيها بحذف شـبه كامل لكل المكافآت المتعلّـقة بالساعات الإضافية والمردود الزائد، أي أنّ ما أعطي باليد اليمنى قد سُحب باليسرى.

ويعيش الشارع المحلي على أعصابه، بسبب الضغط المترتب على الاجراء الحكومي المرتقب، وتجهل الأسباب المقنعة لهذه الدوامة المستمرة التي جعلت الموظفين البسطاء في حيرة من أمرهم تبعا لمحدودية قدرتهم الشرائية، هؤلاء أغضبتهم المفاجأة السيئة، ما يعني إرغامهم على مزيد من quot;شدّ الحزامquot;، فالمتطلبات كثيرة والأسعار لا ترحم، رغم كل ما تتغنى به السلطات والإعلام الحكومي من مخططات ومنجزات.

كلهم يطرحون سؤالا واحدا:quot;أين المخرج؟، في صورة طارق/م (36 سنة) المهندس في شركة خاصة، زفرة تذمرّ، معلقا:quot;الحياة هنا صارت لا تطاقquot;، في حين تساءلت العجوز الطاووس التي صادفناها لدى أحد الجزارين:quot;كيف لي أن أتكفل بأبنائي وأحفادي؟quot;، بينما خاطبنا أحمد/ط موظف في شركة إنشاءات:quot;كيف يُراد لنا ان نعيش مع تواصل مسلسل الارتفاع quot;الفاحشquot; وquot;المخيفquot; لأسعار المواد الأكثر استهلاكا في بلد بلغ معدّل احتياطاته من العملة الصعبة 110 مليار دولار؟quot;.

ويتوجس الآلاف من أرباب البيوت، خيفة حول كيفية تقسيم رواتبهم بين فواتير الكهرباء والغذاء واللباس، بعدما صارت تكلفة خمس ليترات من الزيت تفوق 1100 دينار جزائري ومرشحة لتصل إلى حدود 1500 دينار، ما يعني أن رب العائلة إذا كان لديه أربع أطفال ما يزالون في طور التعليم، عليه أن يخصص ما لا يقل عن 30 ألف دينار (ما يعادل خمسمائة دولار) ليضمن لهم نمطا معيشيا عاديا، وتحصي جهات غير رسمية، نحو 3 ملايين و نصف مليون طفل معوز في الجزائر، من أصل 6.7 مليون طفل متمدرس.
من جانبها، تحذر قوى المعارضة من مغبة مقاربة حكومية التي تنعتها بـ(السهلة)، وتخشى احتمال حدوث quot;غليان شعبيquot; في ظلّ quot;الأزمة المعيشية المستفحلةquot; في الجزائر، خصوصا مع تصدّي بارونات السوق وتجار السوق الموازية لكل إجراءات الحكومة، والتردي الواضح للوضع الاجتماعي وانتشار البطالة، بالتزامن مع اتساع رقعة الفقر، هذه الظاهرة تعاني منها 950 ألف عائلة، ما يمثل 22 في المئة من المجتمع الجزائري البالغ تعداده 34 مليون نسمة.