وليد خدوري
تترقب أسواق النفط العالمية اليوم نتائج مؤتمر جدة الذي دعت إليه السعودية، وهو أول مؤتمر من نوعه بين المنتجين والمستهلكين للبحث في أسعار النفط. ويُعقد المؤتمر برعاية خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، وبمشاركة نحو 38 دولة، وعدد من المنظمات الدولية في قطاع الطاقة (laquo;أوبكraquo; ووكالة الطاقة الدولية ومنتدى الطاقة العالمي)، ونحو 30 شركة نفطية ومالية كبرى.
والمؤتمر هو اللقاء النفطي الدولي الثاني الذي يُعقد في السعودية خلال أشهر، إذ استضافت الرياض في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي قمة رؤساء دول laquo;أوبكraquo; وقررت حينئذ التبرع بنحو 750 مليون دولار لتمويل البحوث في علاقة النفط بالمناخ وتأثير استهلاكه في الاحتباس الحراري.
وتكمن أهمية مؤتمر جدة في ان حكومات الدول المنتجة والمستهلكة، ستحاول، بدلاً من الأسواق، ان تدرس أسباب الارتفاع السريع وغير الطبيعي في أسعار النفط وكيفية التعامل معه مستقبلاً، للحد من الأضرار التي لحقت بالاقتصاد العالمي بسبب الموجة الحالية للأسعار العالية.
ان معطيات المؤتمر واضحة ومعروفة. فهناك وجهة النظر التقليدية للدول المنتجة، التي تتهم المضاربات في أسواق المال بالوقوف وراء هذا الارتفاع السريع وغير المعقول للأسعار، بالإضافة إلى امتناع الدول المستهلكة عن تشييد مصاف للتكرير تكفي لتلبية الطلب المتزايد على المحروقات في بلادها.
وهناك في الوقت ذاته رأي الدول المستهلكة، التي تلقي باللوم على عدم مبادرة دول laquo;أوبكraquo; إلى زيادة إنتاجها لتأمين إمدادات أكثر إلى الأسواق، أو تأمين نفوط كافية للمخزون التجاري الذي تحدد مستوياته الدول المستهلكة، ما يبقي أسواق النفط حذرة ويدفع بالأسعار صعوداً. بمعنى آخر، لا تتعلق الاتهامات الموجهة ضد الدول المنتجة بأي شح مفتعل في الأسواق، بل بعدم تأمين إمدادات كافية لطمأنة الأسواق إلى وجود نفوط كافية مستقبلاً بحيث تنخفض الأسعار.
خلافات قديمة
هذه خلافات قديمة، لكنها تبيّن الفرق في المصالح بين الطرفين. ومما دفع هذه الخلافات إلى الواجهة الآن طبعاً هو الارتفاع السريع في الأسعار الذي لم يكن مخططاً له من أي طرف.
ويُذكر ان لجان في مجلس الشيوخ الأميركي عقدت جلسات مطولة في الأسابيع الأخيرة بحثت فيها في مسألة المضاربات وتأثيرها في أسعار النفط. وأثار الموضوع أخيراً بعض وزراء المــــال الأوروبيــــين، فـــناقضوا كـــــلام زميلهم وزير الخزانة الأميركي الذي قلل من تأثير المضاربات في الارتفاع في الأسعار.
يُتوقع طرح وجهات النظر هذه في مؤتمر جدة، لكن يُتوقع أيضاً ان يتخطى المشاركون هذه الحجج والادعاءات للوصول إلى صيغ تفاهم، وإلا لن يكون من مبرر لانعقاد المؤتمر. ويعني هذا الوصول إلى حلول وسطى ترضي الطرفين لأن أحداً غير راض عن الارتفاع السريع في الأسعار نظراً إلى آثاره السلبية في الاقتصاد العالمي.
توقعات
ماذا يمكن توقعه من المؤتمر؟ يُتوقع ان تتعهد دول laquo;أوبكraquo;، أو بعضها على الأقل، زيادة الإنتاج، والاعتماد الأكبر هنا هو طبعاً على دور السعودية، فهي الوحيدة التي تملك طاقة إنتاجية فائضة تكفي لضخ كميات مهمة إلى الأسواق. ولدى السعودية مرونة في تأمين ما تحتاجه الأسواق من نفوط ثقيلة ومتوسطة وخفيفة، وسيصح ذلك أكثر بعد الانتهاء من تطوير حقل الخرسانية نهاية حزيران (يونيو) الجاري، بطاقة تساوي 500 ألف برميل يومياً من النفط الخفيف، وذلك بعد تأخير طاول تطوير هذا الحقل العملاق.
ان هذا القرار، في حال اتخاذه، لا يعني وجود شح في الأسواق، لكنه سيكون خطوة تطمئن المستهلكين إلى توافر كميات كافية من النفوط وتنزع الخــــــوف من أي نقــــص في الإمـــدادات. ويُفتـــرض ان يــــــساهم هذا الاطمئنان في خفض مستوى الأسعار عن المعدلات الحالية.
ويُتوقع ان تطالب الدول المنتجة بوضع قيود ونظم لتداولات المضاربات في الأسواق المالية ووضع سقوف لها وعدم تركها مفتوحة، كما هو الوضع اليوم، ويُتوقـــــع طبـعاً ان تتحــــفظ الإدارة الأميــــركية عن مطـــــالبة كهذه لأنها تؤثر في حرية الحركة في الأسواق المالية العالمية.
ويُتوقع أيضاً طرح موضوع الإسراع في تشييد المصافي في الدول الصناعية لتأمين الإمدادات اللازمة من المحروقات.
طبعاً، لا يُتوقع تنفيذ معظم هذه الاقتراحات بين ليلة وضحاها، فهي تحتاج إلى التشاور مع دول أخرى وتشريع قوانين جديدة، ناهيك عن تخصيص الاستثمارات اللازمة.
ويُحتمل الطلب من مؤسسة اقتصادية دولية دراسة أسباب الارتفاع السريع في أسعار النفط وعقد لقاء آخر لمراجعة هذه الدراسة.
لكن مهما كانت النتائج التي سيتوصل إليها مؤتمر جدة، خصوصاً إذا عكست نوعاً من الإيــــجابية والتفاهم المشترك بين المنتجين والمستهلكين، يُتوقع وضع حد لفلتان الأسعار في الأجلين المتوسط والبعيد.
* كاتب متخصص في شؤون الطاقة.
التعليقات