علاقة الصين في الولايات المتحدة علاقة امتازت بالمد والجزر على مر العقود، وقد وصفها بعض الكتاب بالحب والكراهية. فعلى الرغم من أن السياسة لعبت دوراً كبيراً في زيادة التباعد بين الولايات المتحدة والصين بسبب الإختلافات السياسية، إلا أن المصالح الإقتصادية، المتمثلة في الدولار، جمعت بين الفرقاء. وهاهي الصين أعلنت أخيراً عن أملها في المحافظة على تقنين حجم العجز في الولايات المتحدة لضمان ثبات سعر صرف الدولار المؤدي بذلك إلى الإستقرار الإقتصادي.

واشنطن: كان رئيس وزراء الصين قد أكد في المؤتمر الوزاري لمنتدى التعاون بين الصين وأفريقيا، الذي أقيم في مدينة شرم الشيخ المصرية، الأسبوع الماضي، أن على الولايات المتحدة أن تبقي حجم العجز في حدود مناسبة، وأن تستطيع النهوض من جديد والقيام بمسؤوليتها وواجباتها كأكبر دولة اقتصادية في العالم، وكدولة مصدرة لعملة احتياط رئيسة، حتى يكون هناك استقرار أساسي في سعر صرف الدولار، ما يؤدي إلى استقرار وانتعاش الإقتصاد العالمي.

رئيس الوزراء الصيني وين جياباو

هذا مع تأكيد مدير صندوق النقد الدولي دومنيك ستروس في مؤتمر صحافي في سنغافورة يوم الجمعة الماضي أن وتيرة الإنتعاش في الإقتصاد الأميركي ما زالت ضعيفة، مع اعتقاده أنها لن تشهد انتكاسة كساد، مستبعداً بذلك أن يشهد الإقتصاد الأميركي انكماشاً جديداً، ما سيعزز دور الدولار الأميركي.

وعلى الرغم من ارتفاع مؤشر تعافي الإقتصاد الأميركي، وارتفاع أرباح الشركات للربع الثالث من العام الحالي، فقد بلغ العجز في ميزانية أميركا في أكتوبر 176.364 مليار دولار. وقد أنهت سنتها المالية 2008-2009 مسجلة عجزاً قياسياً بلغ أكثر من 1417 مليار دولار. هذا مع توقّع البيت الأبيض عجزاً بقيمة 1502 مليار دولار.

ولم تكن تلك هي المرة الأولى، التي تتحدث فيها الصين بهذا الشكل، مطالبة تحجيم عجز الميزانية، وثبات سعر صرف الدولار، فقد عبّرت الصين في وقت سابق عن مخاوفها تجاه تراجع صرف الدولار. ففي مارس(آذار) الماضي، وقبل أسبوع من قمة العشرين، دعا حاكم مصرف الصين المركزي تشوكسباوشوان إلى اعتماد عملة جديدة للإحتياطات الدولية بدلاً من الدولار في نظام يوضع تحت إشراف صندوق النقد الدولي.

وأشار إلى أن الهدف هو إنشاء نظام اقتصادي عالمي جديد، لا يتأثر بسهولة بسياسات بعض البلدان، وذلك على حسب ما نشر على موقع المصرف الإلكتروني. ثم أضاف كاتباً quot;اندلاع الأزمة وامتدادها إلى العالم برمته يعكسان نقاط الضعف الكامنة في النظام النقدي الدولي، والمخاطر التي تهدد بالإنتشار فيه برمتهquot;.

ويعود أصل العلاقة ما بين الصين والدولار الأميركي، على خلفية أن الصين لديها احتياطي نقدي على شكل سندات خزينة مودعة مع البنك الفيدرالي الأميركي بقيمة 2 تريليون دولار، وتستثمر ما يقدر بنحو 70% من مخزونها من الإحتياطي الأجنبي، وهي الأكبر في العالم، وتعد أكبر مقرض للولايات المتحدة مع 740 مليار دولار، من أصل ديون أميركا التي تبلغ 10.0 تريليونات دولار تقريباً.

فاليوان مرتبط ارتباطا وثيقا بالدولار، وتفاقم العجز التجاري الأميركي وانهيار سعر الفائدة الذي يقترب من الصفر سيؤدي بالتالي إلى تآكل قيمة هذه السندات التي تمتلكها الصين. إذاً فمن مصلحة الصين أن يكون الدولار قوياً.

هذا وقد أوصى تشوكسياوشوان باعتماد quot;حقوق السحب الخاصةquot; لمقدرتها على التحول إلى عملة احتياط تتخطى العملة الوطنية. ولكن الخبير الإقتصادي الصيني آندي كسي توقع أن يبقى الإقتراح الصيني حبراً على الورق لأن حقوق السحب لا تعد نظاماً نقدياً مدعوماً من حكومة. ولكن حسب رأيه، فإنه ليس أكثر من تحذير للولايات المتحدة لكون الإحتياطي الفيدرالي الأميركي اشترى سندات خزانة، وعمد إلى إصدار أوراق مالية لخفض سعر الفائدة، ما سيخفض الأرصدة الصينية بالدولار.

ويرى المحللون أن إطلاق مثل هذه التحذيرات لربما شيء سهل، ولكن الصعب يكمن في إيجاد البديل الحقيقي الذي سيدعم الصين وغيرها. لذلك تتابع الصين نتائج سياسات إنعاش الإقتصاد العالمي، وعينها على الإقتصاد الأميركي والسياسات والبرامج التي تقرها الإدارة الأميركية الجديدة، وما قد ينتج منها من عواقب قد تضر أو تنفع الإحتياطي الصيني.