تربط لبنان ودبي روابط عاطفية ناتجة في معظمها عن عمل عشرات آلاف اللبنانيين في هذه الإمارة، ومساهمتهم في توفير مقومات الصمود لبلادهم، في وجه التحديات الإقتصادية الكبيرة التي تواجهها، علمًا أن تحويلات اللبنانيين العاملين في الخارج التي تفوق السبعة مليارات دولار سنويًا، تعد من أهم المداخيل وأكبر التحويلات لبلد في المنطقة من الخارج. وظهرت مخاوف على العمالة اللبنانية في إمارة دبي، على غرار ما حصل بعد تفجر أزمة المال العالمية. ويتوقع خبراء أن تتراجع تحويلات اللبنانيين المقيمين في دبي وحدها فقط.

بيروت: كان تدفق اللبنانيين للعمل في دبي قد بدأ في سبعينات القرن الماضي، وتكثف في التسعينات، مع بروز المشاريع الطموحة لتحويل دبي إلى باريس الشرق، في حين كانت الحروب المتلاحقة تعصف بلبنان. ومنذ عام 2000 وصعودًا صارت دبي مقصد كل تاجر وحامل شهادة جامعية، يبحث عن متنفس عمل وفرصة للنجاح المهني وتحقيق الذات. وقد برز اللبنانيون، خصوصًا في دبي، في قطاعات الإعلانات والإعلام، بعد تمركز العديد من المحطات التلفزيونية والإذاعية فيها، فضلاً عن قطاعات الهندسة العمرانية والتعليم والمقاولات وأعمال الإدارة على أنواعها.

من هذا المنطلق، تظهر من بيروت في القراءات الأولية، مخاوف على العمالة اللبنانية في إمارة دبي، وذلك على غرار ما حصل بعد تفجر أزمة المال العالمية. أما على المستوى المالي فيطمئن المصرفيون تباعًا إلى أن المصارف اللبنانية لم تقرض مؤسسات وشركات أو تستثمر في دبي، مما يعني أن لا تأثير يذكر للأزمة المالية هناك على الوضع المالي في لبنان. كما إن لا استثمارات لبنانية في السوق العقاري الإماراتي.

ويتوقع خبراء أن تتراجعتحويلات اللبنانيين المقيمين في دبي وحدها، وليس في كل الإمارات، وأن يكون هذا التراجع طفيفًا، فلا يلحق أذى فعليًا بحجم وبنية التحويلات إلى لبنان، التي استقرت عند 7 مليارات في 2009، بتراجع لا يتعدى 2.5 % عن 2008، وفق تقرير بنك عودة. ويتباهى هؤلاء الخبراء، الذين يدورون في فلك المصرف المركزي، بأن لبنان أثبت قدرة على استشراف quot;الأخطارquot; على تنوعها في الاقتصاد العالمي وتجنبها، مما وفر له حصانة داخلية ومناعة في وجه الانهيارات وشظاياها، ندر وجودها في أي بلد آخر.

وفي ما يشبه quot;شوفينية اقتصاديةquot;، يقول هؤلاء الخبراء إن النتائج الاقتصادية في المنطقة تؤكد أن لا بديل من دور لبنان الاقتصادي السياحي والمصرفي والخدماتي في الشرق الأوسط، وإن التجارب الأخرى التي نشأت في المنطقة خلال غياب لبنان عن دوره لأسباب أمنية، إنما كانت تجارب عارضة، لم تؤد، على رغم نجاحها، إلى مصادرة الدور اللبناني. ويلفتون إلى أن ديون لبنان المقسمة بين دين داخلي ودين خارجي، ليست قابلة لأن تكون شبيهة بديون دول أخرى تتجه إلى إعلان إفلاسها، لسبب بسيط وأساس، هو أن ديون لبنان منتجة، وتتفاعل ضمن بيئة اقتصادية لبنانية قائمة بذاتها، ولديها قابلية لجذب الاستثمارات، سواء في قطاعات السياحة أو الخدمات المختلفة.

ويضيفون أن مصادر أموال عربية ودولية - ستتوجه إلى لبنان خلال المرحلة المقبلة، لأن قطاعه المصرفي أثبت مقدرة في الأداء السليم وفي بنيته الموضوعية. وأيضًا لأن قطاعاته الخدماتية والسياحية أعطت مثلاً عن حيويتها، وأثبتت quot;معجزةquot; أن لبنان السياحي ليس بحاجة إلى عملية تسويق، بغية إعادة التذكير بموقعه السياحي على الخريطة الإقليمية. فبمجرد أن تسكت المدافع فيه، يأتي إليه السيّاح بمعدلات مرتفعة جدًا. وبمجرد أن تصدر من واقعه السياسي إشارات استقرار تأتي إليه الاستثمارات لتستوطن فيه.

إلا أن أزمة دبي تظل تستقطب إهتمام وسائل الإعلام في لبنان، التي تتابعها بوتيرة تكاد تكون لحظة بلحظة، وفي الأيام الماضية توالى ثلاثة من وزراء المال السابقين، هم جهاد أزعور ودميانوس قطّار ومحمد شطح، على تفنيد مسببات الأزمة الطارئة في دبي، ووصفوها بأنها quot;محدودة، وغير كارثية، وليست في حدود ما يتم تصويره في الإعلام quot;، فأشاعوا بذلك أجواء اطمئنان إلى وضع العمالة اللبنانية هناك، على خلفية أن موجة التسريح الممكنة لن يتجاوز حجمها الموجة الأولى التي حصلت قبل أكثر من عام.

وعلى الرغم من ذلك، هناك من يدعون إلى اتخاذ إجراءات وقائية لاستيعاب من يحتمل تسريحهم من أعمالهم ووظائفهم في دبي. وفي هذا السياق، صدرت دعوات إلى تحرير أموال القطاع المصرفي من سياسات المصرف المركزي المتشددة، والتي تبقي السيولة في حال فائض، من أجل إقراضها بنسب فوائد مخفوضة نسبيًا، لمساعدة من سيعود من اللبنانيين- إن عادوا- على تأسيس أعمال خاصة بهم، أو أقلّه لتطوير أعمال العائلات وتوسيعها.

وفي ظل توقع استقرار سياسي وأمني في لبنان، أقلّه على المدى المنظور، خصوصًا بعد تأليف حكومة الرئيس سعد الحريري التوافقية، يتوقع اقتصاديون أن تطرأ حاجة في بيروت إلى خبرات عدد كبير من المقيمين في الخارج، إذا ارتفعت معدلات النمو الاقتصادي إلى أكثر من 7 %.

ويجمع الخبراء، الذين تحدثوا في بيروت عن أزمة دبي المالية، على أن الإمارة تواجه حملة متصاعدة لهز الثقة في موقعها الذي صار محورًا للخدمات وتبادل الأفكار والمشاريع والطموحات الكبيرة، بما يتفق مع كلام حاكمها الشيخ محمد بن راشد.