نجح لبنان مرة أخرى، بإجماع الخبراء الماليين، في تفادي تداعيات أزمة نقص السيولة المالية التي مرت بها دبي أخيراً. أبرز أسباب هذا النجاح يعود وفق هؤلاء الخبراء إلى أن علاقات القطاع المصرفي اللبناني في دبي محدودة، ما عنى عدم تأثّر القطاع المصرفي، الذي يشكّل الحجر الأساس للاقتصاد اللبناني، بمضاعفات الأزمة وتداعياتها على الصعد كافة.

إلياس يوسف من بيروت: في جولة سريعة على آراء المتخصصين في هذا الشأن، يتبين أن النائب الرابع لحاكم مصرف لبنان الدكتور هاروتيون ساموئيليان يركّز على ان المصرف المركزي تابع بدقة، نشاط كل القطاعات التي قد يشتبه بتأثرها بأزمة السيولة التي مرت بها دبي، وثبت أن لبنان بقي في منأى مئة في المئة عن تداعيات ما حصل. أما بورصة بيروت فلم تتأثّر بتاتاً بالمؤثرات الخارجية، لأن غالبية عظمى من الشركات المدرجة فيها هي شركات محلية، ووضعها جيد، كما أن أرباحها مستقرة.

ويوضح رئيس جمعية المصارف السابق الدكتور فرنسوا باسيل أن المصارف اللبنانية لا ترتبط بتوظيفات في دبي، لأن الفوائد هناك أقل مما هي في لبنان، وبالتالي لم تتأثّر الودائع في بيروت سلباً، بل على النقيض، فقد انعكست الأزمة إيجاباً على لبنان، وصدرت إشارات من بعض الشركات العاملة في دبي في اتجاه لبنان، في محاولة لاستكشاف فرص الاستثمار فيه، وبالتالي احتمال الانتقال إليه، ولكن مع كثير من الأسئلة عن رسوخ مناخات الاستقرار الأمني والسياسي في بيروت. إلا أن هذه الإشارات صدرت قبل عودة الوضع المالي إلى طبيعته في إمارة دبي.

بدوره، نفى نائب رئيس جمعية المصارف سعد الأزهري أي أثر مباشر أو غير مباشر على القطاع المصرفي في لبنان. ولفت إلى أن الأزمة العالمية كانت أكبر، ولم تنعكس سلباً على أداء القطاعات اللبنانية، وعلى رأسها القطاع المصرفي، ما يعني بقاء لبنان في منأى عن أي تداعيات. وأيّده في ذلك أمين المال في جمعية المصارف الدكتور تنال الصباح، الذي قال إن لبنان لم يقدم أي قروض إلى دبي، وتالياً لا تدخل دبي في محفظة القروض اللبنانية، ولا علاقة للمصارف اللبنانية لا من قريب ولا من بعيد بديون دبي.

من جانبه، يؤكّد وزير المال اللبناني السابق الدكتور جورج قرم أن لبنان لم يكن معنياً بالأزمة quot;لأن مصارفنا لم تسلف المشاريع العملاقة في دبي، ومستوى أرباح المصارف اللبنانية المالية لا تجعلها تغامر كثيراً في الخارجquot;.

وعلى مستوى المحللين، قال مدير قسم الأبحاث والدراسات الاقتصادية فيquot; بنك بيبلوسquot; نسيب غبريل quot;نحن كقطاع مالي، لسنا معزولين عما يجري حولنا، بل نحن منفتحون، ونشهد منذ مدة تدفقات مالية غير مسبوقة، لامست ملياراً و 800 مليون دولار ودائع شهرياً منذ بداية السنة، وهذا دليل على الثقة بالقطاع المصرفي اللبناني. الثقة هذه قد تتأثر، وربما يعاد نظر أصحاب الودائع في تدفقاتهم خشية الأخطار السيادية. فلبنان من ضمن المنطقة، واقتصاده غير منفصل عن اقتصاد المنطقة، صحيح أن هذه المخاوف نظرية، لكن يفترض عدم استبعادهاquot;.

الأمر نفسه ينطبق على الإستثمارات اللبنانية في السوق العقارية الإماراتية عموماً، لكنه لا ينفي احتمال تراجع تحويلات اللبنانيين المقيمين في الإمارات العربية المتحدة من دبي فقط، وبصورة طفيفة وعلى مدى قصير، وهذا لن يلحق أي أذى فعلي بحجم التحويلات إلى لبنان، التي استقرت عند 7 مليارات دولار في 2009، بتراجع لا يتعدى 2.5 % عن 2008، على ما ذكر تقرير لبنك عودة.

ويطمئن الأزهري إلى أن لا انعكاسات مباشرة أو غير مباشرة على اللبنانيين العاملين في دبي، ويشدد الصباح من ناحيته على أن الودائع والتحويلات ستبقى بمعزل عن الأضرار التي ألحقها إعلان تمديد مهلة السداد لجزء من ديون دبي. وإشاعة أجواء الاطمئنان لجهة العمالة اللبنانية تأتي على خلفية أن موجة التسريح المتوقعة لمن بقي من هؤلاء لن تتجاوز بحجمها الموجة الأولى منذ أكثر من عام.

ولكن رغم كل ذلك، ثمة من يدعو باستمرار إلى اتخاذ إجراءات وقائية لاستيعاب العمالة المحتمل تسريحها من أي بلد يعمل فيه لبنانيون، سواء كان في منطقة الخليج أو في أفريقيا، فلبنان الذي يمر بفترة استقرار سياسي وأمني، وخصوصاً بعد تأليف حكومة الرئيس سعد الحريري التوافقية، يمكنه توسيع اقتصاده، وتالياً استيعاب العمالة التي يمكن أن تعود من الخارج. علماً أنه سيكون في حاجة إلى هؤلاء، مع توقعات ارتفاع معدلات النمو الاقتصادي إلى أكثر من 7 %. ويطالب أصحاب هذا الرأي بتكريس أجواء الاستقرار في البلاد، كي تتحول السلبيات التي يمكن أن تطرأ خارجياً في أي بلد إيجابيات للبنان، ويشددون في معرض المطالبة على تحرير أموال القطاع المصرفي من السياسات المتشددة، التي تبقي السيولة في حال فائض، من أجل إقراضها بنسب فوائد مخفوضة نسبياً، لمساعدة من سيعود من اللبنانيين إلى بلادهم على تأسيس أعمال خاصة بهم.