إسماعيل دبارة من تونس: شهدت الأسواق والمحال التجارية الكبرى في تونس العاصمة وبقية المدن التونسية حركة نشيطة وازدحامًا غير عاديّ خلال الأيام التي تسبق شهر رمضان، ويرتفع لدى التونسي نسق الاستهلاك والإقبال على شراء المواد الغذائية في هذا الشهر كغيره من الشعوب العربية والإسلامية.
وضربت معظم الأسر التونسية عرض الحائط توصيات الحكومة وquot;منظمة الدفاع عن المستهلكquot; التي أطلقت تحذيراً للعائلات لترشيد نفقاتها، وعدم الاندفاع أمام الاستهلاك المفرط، الذي سيدفع بهم دفعًا نحو التداين، وما يترتّب عنه من تأثيرعلى التوازنين المالي و الصحيّ.

وأمام الارتفاع المشطّ للأسعار الذي أعطى لرمضان هذه السنة في تونس نكهة خاصّة، إلتجأت عائلات عدة، خصوصًا التي تنتمي إلى الطبقة محدودة الدّخل إلى ما يعرف بـquot;عولة رمضانquot;.
وترى ربات البيوت في تونس أنّ تخزين كميات ضخمة من المواد الأساسية والسلع قد تقي الزوج لهيب الإنفاق المتزايد خلال شهر الصيام.
فتقول منيرة حمادي، وهي أمّ لأربعة أطفال quot;quot;العولةquot; تعلمناها من آبائنا، ويكاد الجيل الجديد من التونسيين أن يتخلّى عنها، العودة إليها اليوم ليست عن قناعة بمزاياها، وإنما دُفعنا إليها دفعًا بسبب ارتفاع الأسعار وتدهور المقدرة الشرائية لمعظم التونسيين، شخصيًّا قمت بشراء كميات هائلة من زيت الزيتون والبهارات والدّقيق والكسكسي والعجين، وحتى البيضquot;.

وتشكو شرائح واسعة من الشعب التونسي من تأثرها بتزامن شهر الصيام هذا العام مع قرب انطلاق الموسم الدراسي وتداعيات الأزمة الاقتصادية العالميّة، وعلى رأسها ضعف تحويلات المهاجرين التونسيين، مما يؤثر سلبًا على قطاعات حيوية عدة في البلاد.
quot;يمكن أن نلاحظ الفرق بين رمضان السنوات التي خلت ورمضان هذا العام quot;يقول بشير عماري (موظّف) ويتابعquot;من العسير فعلاً على شخص مثلي، زوجته لا تشتغل، ولديه 4 أبناء، أن يجابه مصاريف رمضان والعيد والعودة المدرسية من دون اللجوء إلى التداينquot;.

فالتقلّص في الإنتاج ونقص التزويد والغلاء في الأسعار هي مميزات السوق التونسيّة خلال الأسابيع الماضية، وذكر المدير العام للتجارة الداخلية في وزارة التجارة التونسية محمد العويني أنّquot; هذه الفترة تشهد تقلصًا في الإنتاج لبعض المنتجات الزراعية خصوصًا الأساسية لمائدة شهر رمضان، لأسباب عدة، طبيعية وظرفية، ما أدى إلى الالتجاء للمخزونات التعديلية وتوريد كميات إضافية لسد حاجيات ارتفاع وتيرة الاستهلاك خلال هذا الشهر.
كما تميّزت حركة سوق الخضر والغلال في الأسواق كافة خلال الأيام الماضية بتراجع في مستوى العرض، وبترفيع ملحوظ في أسعار المواد الاستهلاكية اليومية.

ويعرف عن التجار التونسيين تعمّدهم إغراق السوق بالمواد قليلة العرض خلال الأسبوع الأخير الذي يسبق شهر رمضان، مما يربك المستهلكين، ويساهم في تزايد الطلب على بعض المواد، وبالتالي ارتفاع الأسعار بشكل جنونيّ.
ولا يُخفي بعض تجّار المواد الغذائية التجائهم إلى مثل هذه الحيل، لتحقيق أقصى درجات الربح، فتاجر الجملة عبد الوهاب الوحيشي يقول quot;نستعدّ لشهر رمضان منذ أسابيع طويلة، هو شهر ليس كغيره، ومن حقنا البحث عن طرق تقينا تداعيات الركود خلال الأيام العاديّة، كما من حقنا الربح، ما لم نضرّ بمصلحة المستهلكquot;.

وللحد من ظاهرة الاحتكار ومنع الارتفاع المفاجئ لأسعار المواد التي يكثر عليها الطلب، كالبيض والتمور وأنواع أخرى من الغلال الصيفيّة، أكد المدير العام للتجارة الداخلية استعداد وزارة التجارة التدخل لضمان تزويد السوق بشكل طبيعي باللحوم البيضاء والحمراء، وتوفير 83 مليون بيضة، أي بمعدل 22 بيضة لكل مواطن تونسي خلال شهر رمضان.

وعلى غرار كل سنة، وتحسّباً للغشّ، أعلنت وزارة التجارة في تونس أنه quot;تم تركيز أعداد كبيرة من فرق المراقبة، موزعة على كامل محافظات البلاد، لضمان استقرار الأسعار والتقليص من عمليات التحيل على المواطن، أو نقص المواد الغذائية في السوقquot;.
واستناداً إلى مسؤول في الوزارة، فإنّquot; المراقبة اليومية ستتعزّز بفرق قارة، إذ تم تنشيط 500 فريق مراقبة ميداني لتغطية الأسواق والمحال التجارية كافة، كما تم تركيز 20 خلية ثابتة في كبرى أسواق الجملة، و69 خلية أخرى في الأسواق على مستوى أسواق التفصيلquot;.

وتقول الحكومة منذ فترة إنها quot;متأهبة لحماية السوق من أيّ حالات تلاعب أو غشّ، وإنّ متابعة حركة السوق لن تتركّز فقط على المواد الغذائية، بل ستستهدف كذلك قطاعات استهلاكية أخرى، كالملابس الجاهزة ولعب الأطفال والمرطبات التقليدية والحلويات والفواكه الجافة، إلى جانب فضاءات الترفيه والمقاهيquot;.

أما منظمة الدفاع عن المستهلك فدعت المواطنين إلى quot;رفض التعامل مع كلّ تاجر أو مُسدي خدمات لا يحترم القانون ويقوم بممارسات تضرّ بميزانية العائلة، وتعرض صحة أفرادها وسلامتهم إلى الخطر. ومن ذلك، تعمّد بعضهم البيع المشروط أو الامتناع عن البيع وعدم إشهار الأسعار بصفة بارزة للعيان والرفع المشطّ وغير المبرر لها، إضافة إلى عدم احترام قواعد النظافة وحفظ الصحةquot;.