دافوس: أعلن مدير ومؤسس المنتدى الاقتصادي العالمي كلاوس شواب عن تقديم مبادرة جديدة بالتعاون مع المؤسسة التي أنشأها الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون لتنشيط إعادة بناء هايتي والتضامن مع سكانها المنكوبين. ودعا شواب إلى مساندة سكان هايتي بشكل عاجل لإعادة بناء ما دمره الزلزال، ومساعدتهم على العودة تدريجاً إلى حياتهم التقليدية.

وكان خبراء اقتصاديون حذّروا في أولى حلقات النقاش في المنتدى الاقتصادي العالمي اليوم من مخاطر عدم التوازن الذي يواكب عملية النهوض من المشكلات الاقتصادية. وأوضح المشاركون في ندوة quot;مفهوم النمو الإقتصادي العاديquot; أن quot;بعض دول الاقتصادات الناشئة والصين تشهد نمواً اقتصادياً، في مقابل انتشار البطالة في الدول الصناعية الكبرى، التي يجب أن تراجع برامج دعمها للمؤسسات الاقتصادية على اختلاف مجالات عملهاquot;.

وقال أستاذ الاقتصاد في جامعة نيويورك بورييل روبيني إن quot;تبعات استمرار الدعم المالي الحكومي إلى المؤسسات المالية ستثبت فشلها في النصف الثاني من العام الراهن، مع ظهور تعثر اقتصادي في كل من اليابان والولايات المتحدة وأوروباquot;. وعزا توقعاته إلى quot;تحركات سلبية للدولار الأميركي في السوق، نتيجة ظهور فقاعة جديدة في مجال الائتمان، ستنعكس على توجهات المستهلكينquot;، مشككاً في الوقت نفسه في قدرة الصين ودول الاقتصادات الناشئة على قيادة قاطرة الاقتصاد العالمي للخروج من الأزمة، بسبب بطء عمليات الإصلاح الاقتصادي التي تقوم بها تلك الدول. وأعرب روبيني عن قلقه من ارتفاع أسعار الأسهم والسندات بشكل كبير في الأشهر الأخيرة، واعتبره quot;أمراً غير صحي، سيؤدي إلى حدوث فقاعة جديدة وأزمة مالية عالمية أخرىquot;، مؤكداً أن الخروج من الأزمة الحالية ليس سهلاً.

رئيسة سويسرا تحذر من أوقات مظلمة
من جهتها، حذرت رئيسة مجلس الحكم الاتحادي السويسري دوريس لوتهارد مما وصفته بالأوقات المظلمة إذا لم يتبع العالم الكلمات الرنانة بالخطوات العملية منتقدة الهوة القائمة بين ما يطالب به البعض وبين الواقع. وأشارت لوتهارد في كلمة لها بافتتاح الدورة الأربعين للمنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس إلى المطالبة بالرقابة الصارمة على معايير أسواق المال والسيولة النقدية دون تحقيق أي من تلك المطالب على أرض الواقع.

وتساءلت لوتهارد التي تشغل أيضاً منصب وزيرة الاقتصاد عن سبب الانتظار والتلكؤ في اتخاذ الخطوات المناسبة للخروج من الركود العالمي، مشيرة إلى أن القرن الحادي والعشرين قد بدأ بأزمة مالية واقتصادية مرعبة، وأن العاطلين عن عمل يبحثون عن وظائف وينتظرون الحصول على رواتب.

وناشدت رجال السياسة والاقتصاد على حد سواء بالتغيير من دون العودة مجدداً إلى الأزمة مرة أخرى، متهمة رجال البنوك بمحاولة التنصل من مسؤولياتهم، ولافتة إلى أنهم يسعون إلى الحفاظ على مكافآت باهظة لكبار المدراء والمسؤولين. وتوجهت بالنداء إلى جميع القوى السياسية والاقتصادية في العالم بعدم إضاعة الفرص الجيدة وتحمل المسؤولية الجماعية بجدية وعدم العودة مرة أخرى إلى الأنظمة القديمة التي قادت الى الازمة المالية والاقتصادية العالمية. وانتقدت دول مجموعة العشرين التي تضم القوى الاقتصادية الكبرى والاقتصادات الناشئة لضلوعها في 184 عملية حماية اقتصادية من اجمالي 297 عملية حماية تم تسجيلها مخالفة لما تم الاتفاق عليه بالحفاظ على الأسواق المفتوحة حرصاً على التنشيط التجاري، لا سيما وقت الازمات، وهو ما عززت به اتهامها بأن الحديث لا يعقبه واقع تطبيقي عملي مختتمة كلمتها بالقول ان وقت الكلام قد انتهى وحان وقت العمل.

ساركوزي ينتقد انحرافات الرأسمالية
أما الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي فانتقد بشدة الأربعاء في دافوس انحرافات quot;الرأسماليةquot; مطالباً باعتماد قوانين دولية جديدة، منها إصلاح للقوانين المصرفية، ومؤكداً quot;توافقهquot; مع الرئيس باراك أوباما في هذا الصدد.

واعتبر ساركوزي في خطاب افتتح به منتدى دافوس الاقتصادي أن quot;مهنة المصرفي ليست القيام بمضاربات، بل تمويل التنمية والاقتصادquot;. وأضاف quot;لا نزال نواجه أخطاراً كبيرة في الاقتصاد ونشجع المضارباتquot;، داعياً إلى quot;تغيير القوانين المصرفيةquot;. وأكد أنه quot;متوافق مع الرئيس أوباما حين يرى أنه من الضروري منع البنوك من المضاربة لمصلحتها ومن تمويل صناديق للمضارباتquot;.
وإذ أيّد عملاً منسقاً داخل مجموعة العشرين، بحيث تتبنى كل الدول القوانين نفسها، أعلن ساركوزي أن quot;فرنسا، التي ستتولى رئاسة مجموعة الثماني ومجموعة العشرين العام 2011، ستدرج إصلاح النظام النقدي الدولي على جدول الأعمالquot;.

قلق من تدخل الحكومات في عمل البنوك
من جهته، أعرب رئيس مجلس إدارة بنك quot;ستاندرد شارتردquot; البريطاني بيتر ستاندز عن quot;قلقه من تدخل الحكومات المستمر في عمل المؤسسات المالية والاقتصادية الخاصة، الأمر الذي قد ينعكس سلبياً على أداء البنوكquot;. وأضاف ستاندز أن quot;هذا الخوف ينبع من حرص المستثمرين على عدم ضخ أموالهم في مؤسسات يعرفون مسبقاً أن الحكومات تتحكم في توجهاتهاquot;، داعياً إلى البحث عن طريق وسط بين استمرار الدعم الحكومي وتمتع المؤسسات المالية باستقلالية في رسم برامجها الاستثمارية.

واتفق معظم الخبراء المشاركون في الندوة على أن quot;خطط الرئيس الأميركي باراك أوباما لإصلاح الاقتصاد تسير في الاتجاه الصحيح، وإن شابتها بعض الثغرات التي يمكن تعديلها، لاسيما في وضع فرق في التعامل مع البنوك الضخمة والأخرى الصغيرةquot;. وتأتي مخاوف الخبراء من مستقبل الديون العامة في أوروبا على وجه التحديد استناداً إلى توقعات الاتحاد الأوروبي بارتفاع نسبة الدين العام خلال هذا العام في ألمانيا إلى 77 %، وبريطانيا إلى 80 %، وفرنسا 82 %، واليونان إلى 125 %، وإيطاليا إلى 117 %، وبلجيكا إلى 101 %.

سوروس: اقتراح أوباما سابق لأوانه
إلى ذلك قال المستثمر الدولي جورج سوروس يوم الاربعاء إن خطة الرئيس باراك أوباما لفرض ضريبة على البنوك الكبيرة سابقة لأوانها، وإن مقترحاته الأشمل لكبح أنشطة البنوك قد لا تكون كافية لتحقيق الهدف منها. وأوضح سوروس في اجتماع على هامش المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس أنه quot;عندما تفرض ضرائب على البنوك، وهي تبذل ما في وسعها للخروج من أزمة، يأتي ذلك على النقيض تماماً من السياسة التي تحاول انتهاجهاquot;. وكان أوباما قال إن البنوك في وول ستريت يجب أن تدفع ما يصل إلى 117 مليار دولار لتعويض دافعي الضرائب عن الدعم الذي حصلت عليه لإنقاذها.

وأكد سوروس، الذي جمع ثروته أساساً من المضاربة في أسواق المال، أنه يفضل مقترحات أوباما الأخرى التي تهدف إلى منع البنوك من التعامل في أسواق الأوراق المالية باستخدام أموالها أو الاستثمار في صناديق التحوط أو الاستثمار الخاص. لكنه قال إن المقترحات قد لا تكون كافية لتحقيق الهدف المنشود.

العديد من رؤساء الشركات يفكرون في تعيين موظفين جدد
في المقابل، أظهر استطلاع، خلال المنتدى، أن ثقة أصحاب الأعمال ترتفع بعد أكبر تراجع في الاداء الاقتصادي منذ الحرب العالمية الثانية، ما دفع المزيد من أصحاب الأعمال للعودة لتعيين موظفين جدد. غير أن خطط التعيينات الجديدة ما زالت محدودة وتتركز بدرجة كبيرة على الأسواق الناشئة، حيث الانتعاش الاقتصادي أقوى والأجور أقل. وأضافت الدراسة أن آمال الانتعاش في العالم المتقدم ما زالت محدودة بدرجة كبيرة.

وشملت دراسة برايس ووتر هاوس كوبرز 1200 رئيس تنفيذي من 52 دولة، وأظهرت أن 39 % من الرؤساء التنفيذيين يسعون إلى زيادة العاملين في 2010، في حين يعتزم 25 % خفض العمالة بانخفاض بنحو النصف في أعداد الراغبين في خفض العمالة عن العام الماضي. وقال دنيس نالي المدير العالمي في المجموعة الاستشارية quot;في العام الماضي كنا بوضوح في حالة أزمةquot;. وأضاف إن quot;رؤساء الشركات أكثر تفاؤلاً اليوم، رغم وجود قدر كبير من الحذر والمخاوف تعتمد على مكان وجودك. وإذا كنت رئيساً لشركة في دولة نامية فأنت تشعر بتفاؤل أكبر من لو كنت رئيساً لشركة في دولة متقدمةquot;.

ونشرت الدراسة في افتتاح المنتدى الاقتصادي العالمي، الذي يضم 2500 من الشخصيات الاقتصادية والسياسية البارزة في العالم، في أعقاب الأزمة الاقتصادية. وتدعمت الأسواق بمساعدات منخفضة التكلفة بقيمة نحو خمسة تريليونات دولار تهدف إلى إخراج الاقتصاد العالمي من الأزمة، وفي حين تعد الحكومات والبنوك المركزية استراتيجيات للخروج من هذه الإجراءات الاستثنائية، يتوقع العديد من رجال الأعمال انتعاشاً محدوداً.

وقال نالي quot;لا أعتقد أننا في خلال 12 شهراً سنشهد أي تحسن ملحوظ في توفير فرص العملquot;، مشيراً إلى أن تعيين الموظفين الجدد لا يتجاوز نسبة الخمسة بالمئة.

وكانت انطلقت اليوم أعمال الدورة الأربعين للمنتدى الإقتصادي العالمي في منتجع دافوس السويسري بمشاركة 2500 من كبار الشخصيات في مجالات الإقتصاد والسياسة والاجتماع والفكر لدراسة أوضاع العالم الراهنة في ظل الأزمة المالية والاقتصادية العالمية، التي ما تكاد تظهر بارقة أمل في انتهائها حتى تظهر مؤشرات مختلفة تدل على أن آثارها ربما تكون سبباً في اندلاع أزمة جديدة وسيطغى على مناقشات المنتدى اعادة اعمار هايتي بعد ثلاثة اسابيع على الزلزال الذي دمرها، واصلاح القطاع المالي والازمة الاجتماعية الحادة.

ويقدم منتدى هذا العام 150 فعالية وحلقة نقاش تهتم بالبحث عن القيم والمبادئ التي يجب الالتزام بها لاستعادة الثقة بين الرأي العام والانظمة الاقتصادية بين مختلف الافكار والتوجهات الفكرية الاقتصادية بعد أن تثبت ان الليبرالية الاقتصادية وحدها وحرية حركة الرأسمال وتحطيم قيود التجارة العالمية ليست العصا السحرية التي يمكن أن تقضي على مشكلات العالم.

ويحاول منتدى هذا العام بناء نظم عالمية جديدة من المفترض أن تستفيد من أخطاء الماضي وترمم الشروخ التي أحدثتها الأزمة المالية والاقتصادية العالمية في الوقت نفسه يحتاج الامر حسب اراء اغلب المراقبين الى واقعية شديدة في التعامل مع المعطيات الاقتصادية التي اسفرت عنها الازمة المالية العالمية.

وسيضع المنتدى توجهات الادارة الاميركية في فرض ضرائب جديدة على أكبر البنوك في إطار رسم مسؤولية المؤسسات المالية الكبرى لاستعادة الاموال التي ضختها الحكومة الأميركية في شركات صناعة السيارات وشركات التأمين العملاقة لمنع انهيارها. و رداً على خطط الرئيس الأميركي باراك أوباما الضرائبية فإن بعض أكبر المصرفيين في العالم لن يشاركوا في منتدى دافوس هذا العام خصوصاً و أن مقترحات أوباما لفرض قيود على وول ستريت لاقت دعماً متحفظاً من حكومات أوروبية لكن مسؤولين قالوا، إن الاتحاد الأوروبي لا يعتزم أن يحذو حذوه. ومن شأن هذا أن يعقد جهود بناء إجماع عالمي بشأن قواعد التنظيم المالي داخل مجموعة العشرين للاقتصادات الرئيسة.

ويذكر أن صندوق الأمم المتحدة للتنمية الزراعية (إيفاد) سيشارك للمرة الأولى في منتدى دافوس خصوصاً وأن الزراعة تساعد في تحفيز ونمو اقتصاد الدول النامية وهناك اعتراف متزايد بأن لصغار المزارعين والمجتمعات الريفية عناصر مهمة في حل التحديات التي يمثلها انعدام الأمن الغذائي والفقر. كما ستشارك جامعة الدول العربية ممثلة بأمينها العام عمرو موسى في المنتدى الذي يفتتح فعالياته الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي الذي سيتناول الخطاب الذي سيلقيه حوالى مرحلة quot;ما بعد الازمةquot; وquot;تنظيم المالية العالميةquot;.

في المقابل حذّر العديد من المراقبين من اغفال النظر عن تداعيات الازمة المالية العالمية لاسيما على الصعيد الاجتماعي متمثلة في ارتفاع نسبة البطالة في المجتمعات الصناعية والدول النامية على حد سواء وعدم استطاعة أغلب الدول توفير الأموال اللازمة لتمويل صناديق اعانة البطالة أو تحريك عجلة الاقتصاد قدما بسبب عدم استقرار المؤسسات المالية الكبرى الى اليوم على آلية عملها مستقبلا ما يجعل تمويل المشروعات متوقفا الى حين.

لكن بعض الآراء تحاول النظر بإيجابية الى احتمالات تعافي الاقتصاد العالمي في وقت قريب ويستندون في هذا الى تقرير لصندوق النقد الدولي تم نشره بالتزامن مع انطلاق اعمال المنتدى يتنبأ باحتمالات ارتفاع الناتج القومي الخام خلال العام 2010 بنسبة 3.9 % بزيادة قدرها0.8 % عن توقعاته السابقة.

في حين رأت مؤسسة quot;برايس واتر هاوسquot; في استطلاع للرأي بين 1200 من مدراء كبريات الشركات العالمية أن ثلثي الشركات الصناعية الكبرى تتوقع انتعاشا اقتصاديا في النصف الثاني من هذا العام بينما ذهب 30 بالمئة من المشاركين في سبر الآراء هذا الى أن عام 2011 سيكون بداية الانتعاش الاقتصادي مجددا.

وقال تقرير بثته قناة الجزيرة إن انعقاد منتدى دافوس هذا العام يتزامن وتواتر التصريحات الرسمية بتجاوز حالة الركود الاقتصادي حيث سيطلق المشاركون شعارات عدة مع التركيز على ثلاث نقاط تلخص الأولويات في هذا التوقيت كما أن المنتدى يتطلع إلى إعادة التذكير بحاضر العالم ومستقبله ورسم ملامح مجتمع دولي جديد أكثر تضامنا وإعادة بناء ما دمرته الأزمات والصراعات وهذه طموحات كبيرة قد تصطدم بالواقع وينتهي تأثيرها الزائل بمجرد مغادرة الزائرين المنتجع السويسري.

وأضاف التقرير أن المنتدى الذي يعتبره قطاع واسع من الرأي العام الدولي لقاء مهما لكنه غير مفيد تقف نجاحاته عند النسب العالية التي يسجلها مقياس التصفيق غير أنه يحاول أن يعطي لنفسه هذا العام لمسة خيرية لأن زلزال هايتي فرض نفسه بقوة على جدول أعماله حيث سيتم بحث إعادة الإعمار بالجزيرة المنكوبة.

وقال التقرير إن الجلسة الأولى للمؤتمر ستتحدث عن الضوابط الجديدة للنمو الاقتصادي ومستقبل سوق العمل والمخاطر المحدقة بالنظام العالمي وسيعقد تحت شعار quot;من أجل تحسين وضع العالم وإعادة التفكير والصياغة والبناءquot;
وأضاف التقرير أن أغلب الجلسات اتخذت شعار quot;إعادة الصياغة والتفكير والتصورquot; أما للنظام المالي العالمي أو للنمو الاقتصادي العالمي على المدى الطويل أو إعادة التفكير في نمو القارة الأفريقية بل حتى إعادة تصور نظام الرأسمال الذي تتحكم فيه الأسواق بما في ذلك إعادة التفكير في أخلاقيات المهنة في المجال التجاري.

40 عاماً على مسيرة quot;دافوسquot; بين تأييد ومعارضة
يشار إلى أن المنتدى الاقتصادي العالمي يحتفل هذا العام بدورته السنوية الأربعين التي يعقدها كما هو متعارف عليه في منتجع دافوس في جبال الألب السويسرية، وسط آراء متباينة حول حصيلة مسيرته التي اختلف الكثيرون في تقويمها. فهناك من يرى أن المنتدى قدم محصلة جيدة، لأنه استطاع أن يتحول من ملتقى لرجال الاقتصاد إلى محفل يجمع أقطاب السياسة والمال والأعمال على اختلاف توجهاتهم تحت سقف واحد، موفراً لهم فرص التلاقي والنقاش والحوار في أجواء غير دبلوماسية، وبالتالي غير ملزمة لأي من الأطراف المجتمعة.

ويقول مؤيدو هذا الرأي إن المنتدى أذاب الجليد بين مؤيدي الرأسمالية وداعمي الاشتراكية، وجعل الحوار بينهما ممكناً في أجواء غير ملزمة لأي من الطرفين. ويعتبر هؤلاء أن تطوره السريع من ملتقى للمتخصصين في الاقتصاد إلى تجمع فريد من نوعه يضم حشداً هائلاً من أسماء براقة وعالمية هو شهادة على نجاحه. فمنذ انطلاقه عام 1971 تحت مسمى quot;الندوة الأوروبية للإدارةquot; حرص مؤسسه البروفسور كلاوس شواب على استقطاب كبار أساتذة الاقتصاد في أوروبا للتناقش والحوار مع مدراء كبريات الشركات والمؤسسات حول الموضوعات والمشكلات التي كانت سائدة في ذلك الوقت، فكان حسب رأي الكثير من المراقبين أول لقاء من نوعه يتيح لرجال المال والأعمال والاقتصاد الحديث مع الأكاديميين وربط نظريات الاقتصاد بالواقع الفعلي والاستفادة من تجارب الطرفين.

ومع نجاح في سنواته الأولى وحرص أسماء لامعة على المشاركة فيه، اكتسب المنتدى تدريجياً شهرة اصبحت كافية لاستقطاب شخصيات بارزة من عام إلى آخر. ومما لا شك فيه أن اختيار منتجع دافوس الشتوي في مرتفعات جبال الألب السويسرية كان أيضا أحد عوامل استقطاب تلك النخبة للمشاركة فيه. كما ليس هناك أدنى شك في أن شخصية شواب كان لها تأثير على إنجاح المنتدى من خلال شبكة الاتصالات الهائلة التي يتمتع بها كأكاديمي يعمل في مدينة ذات بعد دولي واقتصادي مهم مثل جنيف، ما سهل عليه التواصل مع أقطاب العاملين في مجالات اقتصادية مختلفة، إلى جانب علاقاته الأكاديمية مع كبار المتخصصين في الاقتصاد والسياسة على حد سواء.

بيد أن حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973 بين العرب وإسرائيل وما أدت إليه من أزمة نفط في أوروبا واتفاقية quot;بريتون وودزquot; لتطوير صندوق النقد الدولي في العام نفسه كانتا من أهم أسباب تحول المنتدى من التعاطي مع قضايا الاقتصاد فقط إلى التعامل مع الملفات السياسة الدولية أيضاً، فكانت أولى محطاته التي جمع فيها رجال السياسة والاقتصاد معاً في دورة عام 1974.
وما إن لاحظ شواب نجاح فعاليته والإقبال المتزايد عليها حتى استغل الفرصة ليحوله في عام 1987 من quot;الندوة الأوروبية للإدارةquot; إلى quot;المنتدى الاقتصادي العالميquot;، ويفتح مجالاً جديداً للملفات السياسية الدولية للحضور في فعالياته، مستفيداً من حياد سويسرا السياسي وتمتعها بعلاقات طيبة مع كل دول العالم.

إلا أن منظمات المجتمع المدني والمناهضة للعولمة بدأت منذ تسعينات القرن الماضي بتوجيه انتقادات حادة للمنتدى، متهمة إياه بأنه ذراع الرأسمالية الخفي للتأثير على الساسة من أنحاء العالم كافة، والتغاضي عن مشكلات العالم المتفاقمة، مثل غياب العدالة الاجتماعية واستغلال الشمال الغني للجنوب الفقير، وتقديم أروقة المنتدى لكبار الاقتصاديين والرأسماليين لاستغلال الساسة من مختلف دول العالم. وبدأت التظاهرات تصاحب فعاليات المنتدى من عام إلى آخر، تارة في دافوس أو حولها أو في إحدى المدن السويسرية الكبرى تندد بالرأسمالية وتوجهات العولمة.

لكن المنتدى تفاعل مع انتقادات منظمات المجتمع المدني وغير الحكومية المناهضة للعولمة، فدعا بيل غيتس في مطلع الألفية إلى إلقاء محاضرة حول الرأسمالية الفعالة التي تجمع بين الاقتصاد الحر ومحاولة محاربة الفقر في العالم، ثم قدم بعض المبادرات في مجالات الصحة في عام 2002 بالتعاون مع السكرتير العام السابق للأمم المتحدة كوفي أنان، أعقبها بعام واحد مبادرة عن التعليم ثم دعم مبادرة القادة الشبان، وبدأ ينتشر إقليمياً في الشرق الأوسط وأفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية، في محاولة قال أصحاب المنتدى إنها تهدف إلى الاقتراب من هموم العالم حيثما تكون. لكن تلك المبادرات لم تسلم أيضاً من انتقادات واضحة، حيث طالب مناهضو العولمة بالكشف عما قدمته منذ انطلاقها وحتى الآن.

ويتساءل مناهضو العولمة ومنتقدو المنتدى عن الدور الحقيقي للمنتدى ولماذا لا يكشف عن موارده المالية بشفافية، بل لماذا لا ينتقد كبريات الشركات والمؤسسات التي تسببت في الأزمة المالية العالية، ولماذا لا يعترف بأخطائه وعلاقته بالشركات والمؤسسات المالية والإعلامية الكبرى. كذلك يتهمون المنتدى بأنه قلعة لحماية الرأسمالية لاعتماده على عضوية ألف شركة كبرى اشترط المنتدى لقبول عضويتها ألا يقل حجم تعاملاتها السنوية عن خمسة مليارات دولار، ويجب أن تكون من الشركات المشهورة في مجال عملها، ولها حضور إقليمي ودولي.