قد يكون في باطن بحر لبنان بعض كميات من النفط، ولا سيما الغاز، ولكن يستحيل تأكيد وجوده قبل بدء عمليات التنقيب، وهذه عمليات طويلة الأمد تستغرق سنوات قد لا تقل عن عشر، كما أنها مكلفة وتستلزم تشريعات لم توضع بعد، لكن وزير الطاقة جبران باسيل وعد قبل أيام بأن يرسل مشروع قانون في شأنها إلى مجلس النواب قريبًا.

بيروت: هذه النتيجة خلصت إليها لـ quot;إيلافquot; الكاتبة والباحثة الإقتصادية فيوليت بلعة التي أعدت في 28 من الشهر الماضي مؤتمرًا في بيروت بعنوان laquo;الطاقة من اجل المستقبلraquo; لمؤسسة laquo;فرست بروتوكولraquo; شارك فيه وزير الطاقة وخبراء ومعنيون بالشأن النفطي. وفي الأوراق التي يستند إليها الباحثون في احتمال وجود النفط في لبنان معلومات جيولوجية ndash; مورفولوجية ( مصدرها منظمة التعاون والتنمية الإقتصادية) تشير إلى أن الصخور الواقعة تحت بر لبنان وبحره تتميز بأنها تعرضت لعمليات طيّ وضغط ناتجة من عن العمليات الديناميكية على امتداد شرق المتوسط مما أعطى هذه الصخور إمكانية أن تكون موقعًا صالحًا كخزانات احتواء أو لوقف حركة السوائل النفطية وإبقائها في مكانها. كما أن الغطاء الرسوبي الذي تنكشف بعض ملامحه في الأراضي اللبنانيةضمن وعلى أطراف سلسلتي الجبال الشرقية والغربية، تبلغ سماكة طبقاته بمعظمها ما قد يتجاوز الثمانية الآف متر. لذا حتى لو ثبت أن المرحلة الأولى من الغطاء والتي تبلغ سماكتها حوالى ثلاثة الآف متر، لا تحوي أيًّا من المشتقات النفطية(وهو ليس صحيحًا بالمعنى العلمي)، فثمة توقع أن يظهر نفط في الطبقات المتبقية والتي قد تبلغ سماكتها ما يزيد على خمسة الآف متر، مما يجعل عملية اكتشاف النفط في لبنان مسألة صعبة يصعب بتها سلبًا أو إيجابًا.


وكان لبنان قد شهد تنقيبًا عن النفط في لبنان في مرحلة حمّى النفط في منطقة شبه الجزيرة العربية ، وبدأ وضع الدراسات الفعلية في أواسط الأربعينات وحفرت الآبار السبع الأولى في لبنان(والأخيرة)
ما بين أواسط الأربعينات وحتى العام 1955، إلا أن تلك الآبار وإن أعطت بعض الدلائل النفطية لم تكن منتجة. ولا يمكن اليوم ولا بأي شكل من الأشكال التكهن بمعطيات هذه الآبار. على الرغم من ذلك، لم يفقد اللبنانيون الإهتمام(والأمل) في اكتشاف النفط في بلادهم، نظرًا إلى فوائده الجزيلة اقتصاديًا وعلى مختلف الاصعدة ( مع إشارة إلى رأي قائل إن لبنان من دون نفط يثير كمًّا هائلاً من الشهوات لدى جيرانه ، فكيف إذا كان بلدًا نفطيًا؟).


إذًا، في زمن الانتداب الفرنسي، اخذت السلطة الفرنسية قرارًا بدراسة جيولوجية المنطقة التي تخضع لسلطتها، اي لبنان وسورية والقسم الجنوبي من تركيا. وبالفعل قام المهندس الجيولوجي الفرنسي لويس دوبـرتريه منتدبًا من ادارة المناجم في فرنسا ومن المتحف الوطني للتاريخ الطبـيعي، بإطلاق مشروع المسـح الجيولوجي . وعلى امـتداد خمسة وعشـرين سـنة عمل دوبـرتريه ومجموعة من المساعدين على تنظيم خريطة لبنان الجيولوجية بمقياس 200000/1 تدريجيًا وحتى بعد الاستقلال. وخلال هذه الفترة كان الباحثون ينظمون قسائم مستقلة بقياس 50000/1 للبنان بأكمله، وقد تم انجازها جمــيعها بحلول العام 1955. ومنذ ذلك التاريخ استمر الجيولوجيون بدرس لبنان من مختلف الجوانب الجيولوجية ونشر الباحثون اعمالاً جيدة في مجالات الجيولوجيا التركيبية والجيوفيزياء والتكتونيك(علم حركات الأرض)والستراتيغرافيا والليثولوجيا والتنقيب عن الماء(الهيدرولوجيا)
والتنقيب عن النفط والباليونتولوجيا(علم الأحافير)... وغير ذلك. ولقد أغنت هذه الأبحاث المكتبة الجيولوجية بالعديد من المعلومات المثيرة والتي يمكن ان تضيف الكثير في مجال البحث عن الثروات الدفينة. في اي حال فإنّ هذا البحث استطاع ان يضيء بعض جوانب عمليات الإستكشاف النفطي، وإن كان ذلك بشكل غير مباشر، كما انه ساعد في الإستنتاج والتحليل وخصوصًا في مجال البنى التركيبية. وقد تبيّن ان الارض اللبنانية بسبب نوع الطيات الموجودة فيها، تعطي املاً واضحًا في احتمال اكتشاف النفط.

في العصر الحديث وبتأكيد من المجتمع الجيولوجي ودفعًا من جميع العاملين الاكاديميين في ميدان النفط، وبتأثير مباشر من العالم زياد بيضون في بداية التسعينات قامت الدولة اللبنانية بالمحاولة الاولى للإستكشاف النفطي في البحر، وقد تم اختيار المنطقة الشمالية الممتدة من طرابلس جنوبًا حتى الحدود اللبنانية شمالاً، وهي المنطقة التي اشرنا اليها على انها قليلة الانحدار نحو البحر وتمتد على مسافة 20 كلم من الشاطئ. وبالفعل قامت وزارة النفط في حينه باستخدام شركة دراسات جيوفيزيائية قامت بالمسح السايزمي للمنطقة المذكورة. وتشير الدلائل غير المباشرة ومنها تقرير زياد بيضون نفسه، ان المسح أثبت وجود تراكيب وبنى صالحة لاحتواء النفط في حال وجوده في المنطقة. غير انه ومع تغيير الحكومة ذهبت سدى كل المحاولات لإيجاد هذه التقارير بل والمعطيات السايزمية الأولية لمحاولة مراجعتها. ولم يجد الباحثون اي امكانية لمتابعة البحث، حتى بعد الاتصال بالشركة التي انتدبت للمشروع والتي اعلنت انها لا تملك المعطيات المذكورة. وقد تشكلت لجنة لدراسة هذا الملف من الباحثين اللبنانيين، إلا اننا لم نعثر على ما يفيد في هذا الميدان في شيء.


في سنة 2000 قامت احدى الشركات بمسح الشاطئ اللبناني بالطريقة نفسها،ولكن خارج الحدود الاقليمية. ان الدارس والمتابع لهذه المعلومات والمتقصّي والمحلل للبيانات ولو بالاستدلال، يستطيع ان يرجّح ان النتائج التي توصلت اليها هذه الشركة كانت إيجابية. وبدفع مباشر من اللجنة المشار اليها، تم الاتفاق على اعادة المسح الزلزالي للمنطقة الشمالية، مع ضرورة إكمال المسح على اليابسة. وبالفعل تم الاتفاق على تشكيل لجنة اخرى لمتابعة هذا الموضوع. وقد اتخذت السلطات اللبنانية بناء على تقارير اللجنة قرارً
اقضى بإعادة دراسة الآبار المحفورة في الخمسينات والستينات لدراستها من جديد وإعادة النظر بمجمل المعارف الحديثة الناتجة عن هذه الاعمال. وكانت الاعمال العلمية الاخرى والتي كانت مثمرة بشكل مؤثر تعطي دائمًا الانطباع بأن الدلائل على وجود النفط اصبحت عديدة، منها اكتشاف آثار نفطية في أحد الآبار المحفورة من اجل مياه الشرب.


وفي 2002، تم الانتهاء من المسح الزلزالي الجديد الذي تبنته وزارة الطاقة والمياه وخرجت النتائج لتعطي انطباعًا ايجابيًّا آخر حول إمكانية وجود النفط في البنى المكتشفة(ربما للمرة الثانية تأكيدًا للمسح الذي جرى تكرارًا منذ 1994). وباختصار فإن الاستكشاف النفطي عملية طويلة ومعقدة من الناحية الحقلية والمخبرية وتحتاج الى زمن طويل وجهود انسانية مضنية وتحتاج،اضافة الى هذا كله، الى أموال طائلة تفتقد اليها الخزينة اللبنانية. من الواضح ان السبيل الى هذا كله هو اللجوء الى طريقة
B.O.T. تتلازم مع ضرورة اقتناع الشركات النفطية العالمية بالقيام بالعمليات التنقيبية الحقلية(اي الحفر والقاء نظرة مباشرة على باطن الارض)لاستصدار قرار رسمي بقبول وجود النفط وباستكمال هذا القرار بعمل حقلي آخر لا يقل كلفة. لكن هذا القول بوجود النفط بكميات تجارية يستحق عناءالجهد والمال المبذول في سبيل الحصول عليه، ولبنان اليوم في هذه المرحلة ويحمل اننا آمالاً كبيرة واحلامًا واعدة، يجب ان تثبتها الوقائع الميدانية، وهذه يلزمها وقت طويل أيضًا، مما يعني أن لبنان قد يكون بلدًا نفطيًا، ولكن مع وقف التنفيذ.