سلطت أزمة اليونان الاقتصادية الضوء على إستراتيجية الاتحاد الأوروبي في إدارة أزمات من هذا النوع، في الوقت الذي نفى فيه خبراء اقتصاديون تأثير هذه الأزمة على اقتصاد دول الخليج عمومًا والكويت خصوصًا، واستبعدوا تأثير الأزمة على الخليج بشكل خاص.غير أنّ معظم عملات دوله ترتبط بالدولار الأميركي، متوقعين امتداد الأزمة إلى دول أوروبية أخرى.

الكويت: كشفت أزمة ديون اليونان عن أوجه قصور من جانب دول الاتحاد الأوروبي وخاصة دول اليورو في تعاطيها مع أول إختبار حقيقي شكلته هذه الأزمة، وفيما تتفاعل الأخيرة داخليًّا على الصعيد اليوناني ودراسة الحكومة من خلال إتخاذ رئيس الوزراء جورج باباندريو إجراءات وتدابير تقشف من شأنها الحد من النفقات الحكومية وتقليل العجز في المديونية وتوفير الحاجات الأساسية للمواطن اليوناني، وإلغاء إجراءات الإسراف ومظاهر البذخ الحكومية على كافة الأصعدة.

نجدصمتًا مريبًا وهدوءًا مشوبًا بالحذر من جانب المفوضية والدول الأعضاء بالإتحاد الأوروبي حيث تباينت ردود الأفعال فيما بينهم فهناك فريق يحاول بحث وطرح مقترحات على الحكومة اليونانية للخروج من الأزمة الراهنة التي تكاد تعصف بالحكومة الحالية، بينما لزم فريق آخر الصمت، وفريق ثالث يراقب الموقف دون ردة فعل للوقوف على ما ستنتهي إليه الأمور من نتائج، بإستثناء ألمانيا التي طرحت على الحكومة اليوناينة بيع بعض جزرها السياحية لها لسداد مديونياتها، وكذلك فرنسا التي صدرت بعض التصريحات عن رئيسها ساركوازي.

وتطرح أزمة اليونان تساؤلات عديدة منها هل الأزمة اليونانية هي إحدى تداعيات الأزمة المالية العالمية التي وقعت قبل عام ونصف العام تقريبا؟ وهل هذه الأزمة نتيجة السياسات الإقتصادية للحكومة اليونانية الإشتراكية برئاسة جورج باباندريو أم أنها نتيجة تراكمات سابقة لحكومات يونانية متعاقبة؟ ولماذا تتخذ دول الإتحاد الأوروبي هذه المواقف من اليونان إذا كان هناك إتحاد فيما بينهم فعليًّا، وليس شكليًا. حيث من المعروف أن الإتحاد قوة ودعم للضعيف وقت الأزمات أم أنه إتحاد للأقوياء ولدول الشمال في أوروبا فقط وليس لدول جنوب المتوسط؟

وإذا كانت دول في جنوب المتوسط مثل البرتغال، وأسبانيا، وإيطاليا quot;رجل أوروبا العجوزquot; مرشحة أيضا لوقوع أزمات إقتصادية خلال الفترة القادمة كما يتوقع البعض مع إختلاف المعطيات الإقتصادية لكل دولة على حدة فهل سيتعاطى الإتحاد الأوروبي مع أزماتهم المتوقعة على قدر تعاطيه مع أزمة اليونان؟ وهل درست مفوضية الإتحاد الأوروبي إقتصاد اليونان وديونه الخارجية ومدى ملائمته لشروط الإنضمام إلى الإتحاد الأوروبي قبل الموافقة عليها أم أن جاءت الموافقة على ضم اليونان للإتحاد لأسباب سياسية من بينها تركيا؟ وماهي إنعكاسات أزمة اليونان واليورو على دول الخليج الست وخاصة الكويت؟ وقد طرحت quot;إيلافquot; هذه التساؤلات وغيرها على بعض الخبراء والمتخصصين في الأسواق الإقتصادية وعالم المال في الكويت. فماذا قالوا؟

لا إنكشاف للخليج

وفي البداية قال د.صادق البسام رئيس قسم المحاسبة في كلية العلوم الإدارية بجامعة الكويت إن إنعكاسات أزمة اليونان على دول الخليج عامة والكويت خاصة يعتمد على إنكشاف الخليج على اليونان والأزمة اليونانية، وقد تكون هناك بنوك خليجية لها حقوق أو مطالبات على بنوك يونانية وهذا سيؤثر على حقها، لكن من خلال الإحصائيات التي ظهرت في الفترة الأخيرة أن الخليج ليس لديه إنكشاف على اليونان وأزمتها.

نقطة ضعف

وتابع: quot;ولا شك أن الأوروبيين معنيون بمشكلة اليونان لأنها تمثل نقطة ضعف في الإتحاد الأوروبي في حالة عدم مساندتها وإفلاتها من الأزمة، ولكن المشكلة هي أن الإتحاد الأوروبي لديه مشاكل كثيرة وأولويات. وقد يتطلب موضوع اليونان ودعمه تضحيات من اليونان نفسه خاصة في ظل تصريح رئيس وزرائه الذي قال quot;إن مشاكل اليونان ليست سببها أوروبا وإنما مشاكل داخلية نتجت عن الإدارة الخاطئة للأزمة، وأنه في حالة دعم الإتحاد الأوروبي اليونان فهو تفضل من الأوربيين عليناquot;، وأيضًا ألمانيا تعمل عن كثب مع اليونان لحل أزمتها لتحديد حجم المشكلة ومعالجتها وهذا يتطلب ضخ مليارت الدولارات من أوروبا في الإقتصاد اليوناني، لأن المشكلة أصبحت مشكلة إجتماعية وإقتصادية وسياسية وقد تطيح بالحكومة وتسقطها وتعمل على تغييرها وأيضًا ترنح الإتحاد الأوروبي وعدم قدرته على العطاء والوفاء بتعهداته لبعضه البعض.

تراكمات لحكومات سابقة

وأضاف أن لاشك أن سياسات الحكومة اليونانية لها دور أيضًا وأدت إلى تراكمات، وكما نعلم أن السياسات والقواعد الإشتراكية تحد من قدرة السوق على القيام بدوره كما يجب، فضلا عن سياسات الحكومات السابقة لها دور أيضا في مثل هذه التراكمات، مضيفا أن اليونان ستخرج من هذه الأزمة لكنها لن تتعافي منها تماما وستبقى الجروح مستمرة لفترة أطول مقارنة بالدول الأوربية الأخرى، وستكون اليونان من الدول الأخيرة في التعافي من الأزمة المالية العالمية، وأوروبا لن تمنح اليونان وجبة مجانية بل ستكون هناك إلتزامات مستقبلية على اليونان الوفاء بها، كما قد تحصل على قروض من البنك الدولي بضمانات أوروبية وهذه السياسات الخاطئة من الحكومات تؤدي بالنهاية إلى تراكمات ومشاكل إقتصادية ومالية تستمر لفترات طويلة في المستقبل.

تعافي بطيء

وعن تصوره المستقبلي للأزمة المالية العالمية ولأزمة اليونان رأى البسام: أن التعافي من الأزمة المالية العالمية سيكون بطيئًا لكونها أزمة عميقة كبيرة جدًّا وتقريبًا العالم بدأ يستقر وضعه في نهاية العام الماضي وبداية العام الحالي، لكن لم نخرج من الأزمة تمامًا فلا تزال هناك بؤر متوهجة قد تنفجر في أي لحظة بأي وجهة من وجهات العالم وتعيق التعافي، ومتوقعًا أن العالم لن يتعافى من الأزمة المالية العالمية قبل العام 2015، وذلك لأن الأزمة أصابت الدول بمراحل متفاوتة وقدرة الدول على الخروج من الأزمة متفاوتة، ويمكن للولايات المتحدة في العام 2011 أن تخرج من الأزمة لكن تظل الدول الأخرى فيها حتى العام 2015.

عجز مالي وأزمة عالمية

ومن جانبه أكد الخبير الإقتصادي حجاج بوخضور أن أزمة اليونان المالية هي مركبة من مشكلتين الأولى هي عجز مالي في إقتصادها وهذا العجز قد تم إقصاؤه وتوريثه في المشتقات المالية بتجميل الميزانية العامة للدولة، أما المشكلة الثانية هي أن إنكشاف العجز عزز من عمق تداعيات الأزمة المالية العالمية، وأزمة اليونان إنعكاس صارخ للنظام الرأسمالي وتلاعبات البنوك الإستثمارية في إستغلال الرأسمالية المنفلتة، ولذلك يجري الآن تحقيقا من البنك الفيدرالي الأميركي مع البنوك الإستثمارية الأميركية الكبيرة مثل جولدمان ساكس، ومورجان إستانلي وغيرهما وتجارة العملات في إخفاء حقيقة هذه العجوزات أو هذا العجز في مالية اليونان، والآن الأتحاد الأوروبي إن كان يعلم او لا يعلم هو يريد معالجة هذه الأزمة بحيث ألا يدفع بتعزيز قيمة صرف اليورو ولا أن يجعل لمثل هذا العجز أن يضعف إقتصاد الأتحاد الأوروبي، ومعنى ذلك أن دعم اليونان بشكل سريع قد يرفع من سعر صرف اليورو أمام الدولار وعملات الدول الشريكة لها تجاريا مايؤدي إلى تضييق تسويق منتجات صناعات الأتحاد الأوروبي ويحد من صادراتها.

أجندة مخفية

وتابع أن ترك أمر اليونان دون معالجة أيضا سيضعف بالنتيجة إقتصاد الأتحاد الأوروبي لذلك نجد صمتًا وتهدئة والعمل بأجندة مخفية في إمتصاص تداعيات هذه الأزمة، وفي المقابل الولايات المتحدة الأميركية تجد في مثل هذه الأزمة فرصة لإضعاف إقتصاد الأتحاد الأوروبي وإرتفاع تكاليف إنتاج صناعاته ليحد من صادرات السوق إلى أميركا مما يؤدي إلى تحقيق العجز في الميزان التجاري الاميركي، والمسألة ليست بالبساطة في معالجة هذه الأزمة وإنما فيها من التعقيدات الكثيرة ولعل إجراءات التحقيقات التي يقوم بها البنك الفيدرالي الاميركي لرفع العتب عن أن مثل هذه الازمة بسبب فعل فاعل، وهو ما يفسر عدم وجود موقف سياسي معلن من مفوضية الإتحاد الأوروبي ولا إعلانها عن تدابير إقتصادية ستتبع مع أزمة اليونان.

السبب البنوك الرأسمالية

وأضاف أن ذلك النظام الرأسمالي المنفلت دون قيود وتلاعب البنوك الإستثمارية طوال هذه السنوات جعل الإتحاد الأوروبي في الإجتماعات التي عقدت على أثر إندلاع الازمة المالية العالمية ومطالبتهم بوضع قيود على الرأسمالية ووضع ضوابط ومعايير مالية جديدة لمواجهة هذه الحالات حتى لا تتكرر بها التي تسببت بها مرة أخرى البنوك الإستثمارية التي كانت وراء الازمة المالية العالمية.

دول الخليج محصنة

وحول إنعكاسات أزمة اليونان واليورو على دول الخليج والكويت خاصة بيّن بوخضور: أن الدول الخليجية التي ترتبط عملتها بالدولار كمثبت رئيسي لقيمة صرف عملتها سيكون تأثيرها كبيرا لما سيجري على الدولار، وبالتالي ستكون دول الخليج محصنة من تداعيات هذه الأزمة ولعل الكويت ستكون هي الأفضل لإعتمادها على سلة العملات مع وجود سياسة نقدية مرنة في إطفاء ذلك التذبذب لإستقرار العملات، كما لن تتأثر السعودية والإمارات وبقية دول الخليج بحجم كبير ولكن تأثيرًا طفيفًا بحجم إنخفاض أصول الإستنثمارات الخليجة في اليونان.

100 أزمة مالية في 30 عامًا

وفي ما يتعلق بتوقعاته في حدوث أزمات مالية في دول الإتحاد الأوروبي خلال الفترة القادمة توقع بوخضور: تكرار حدوث أزمات مالية لسنوات قادمة في العالم بشكل عام نتيجة النظام الرأسمالي المنفلت الذي تسبب خلال الثلاثين عام الماضية وهي بوقوع مئة أزمة مالية، لكن كان يتم ترحيل كل أزمة بتعويمها في الأزمة التي تليها، ويعلم البنك الدولي علم اليقين ومدرك لها لكن كان يتم الخروج منها بالإندماجات والإستحواذات، وذلك إلى أن إستيقظ العالم على هذه الأزمة المالية العالمية التي طالت الأخضر واليابس وهذا ما يعني أن هناك ستحدث أزمات مالية أخرى، ولعل المخرج الرئيس من هذه الأزمات هو ما تبعته اليابان أمام الضغوط التي تمارس عليها من جانب شركائها التجاريين مثل الإتحاد الأوروبي وأميركا وصمدت على الرغم من إنعدام الموارد والمواد الأولية إلا أنها تصدرت إقتصادها دول العالم نتيجة ذلك النهج الذي إتبعته بجعل الفائدة في البنوك صفرا.

غير جاذبة إستثماريًا

ومن جهته إستبعد الخبير الإقتصادى ناصر النفيسي مدير مركز الجمان للإستشارات الإقتصادية وجود إستثمارات خليجية أو كويتية باليونان لأنها غير جاذبة إستثماريًا ولكنها جاذبة سياحياً، وأكد أن الإتحاد الأوروبي ضم اليونان إليه مجاملة، كما أنها دخلت متأخرة حتى تستطيع أن تفي بالشروط التي يفرضها الإتحاد والدخول في اليورو، ومعروف أنها دخلت وكذلك البرتغال وأسبانيا لوضعهم الإقتصادي ضعيف نسبيًا وهش مقارنة بألمانيا وفرنسا، وجاءت الأزمة المالية العالمية غيرت الموازين والإقتصاد الهش أصبح ضعيفًا وإنكشف ولكل خطوة إيجابياتها وسلبياتها فالعملة الموحدة الأوروبية quot;اليوروquot; لها إيجابيات كثيرة وسلبيات أقل ومن هذه السلبيات نتجت الأزمة اليونانية، ومتوقعا مساعدة ومساندة ألمانيا لليونان في أزمتها بشكل أو بآخر بإعتبار أنها أكبر إقتصاد في الأتحاد الأوروبي وخاصة في منطقة اليورو. وقال: quot;إن سقوط اليونان إقتصاديًا سيؤثر على الجميع في دول اليورو وعندما يهتز اليورو فيهتز الإقتصاد العالميquot;.

اليورو...منطقة أزمات

وأشار النفيسي إلى أن الكويت تتعامل بسلة عملات ولكنها ترتبط بنسبة أكثر من 80% بالدولار في عملتها، وأما بقية دول الخليج فترتبط عملاتها بنسبة 100%، وبالتالي فإن إتجاه الدولار يؤثر سلبًا وإيجابًا على عملات الخليج. وبيّن أن الأزمة المالية العالمية مر عليها أكثر من عام ونصف عام وهناك مشاكل كامنة تؤجل، ولكن الأزمة المالية العالمية كشفت أمورًا كبيرة كبعض مظاهر الفساد في الكويت وسوء الإدارة مخفية لسنوات طويلة لكن الأزمة العالمية كشفته ولم تتسبب فيه، ومضيفًا أن هناك وجهات نظر مختلفة يراها بعضهم كهزات إرتدادية نتيجة لزلزال الأزمة المالية العالمية وغالبًا ستحدث أزمات ولكن الإختلاف على درجة قوتها. والمناطق الإقتصادية الكبرى عرضة للخضات أكثر من غيرها مثل منطقة اليورو، لأن نظامًا واحدًا يحكم أكثر من عشر دول وليست كلها على نسق واحد وعندما يحدث خلل بواحدة ينعكس على الجميع ومنطقة اليورو مرشحة للأزمات.