يطالب الصيادلة في الجزائر، بتبني سياسة محلية شفافة تسمح بإنعاش إنتاج الأدوية هناك، بعدما ظلت سوق الأدوية تتخبط في مشكلات عديدة رغم الخطاب الرسمي الداعم للإنتاج المحلي، quot;إيلافquot; استعرضت القضية مع المختصين.
الجزائر: دفع بلوغ فاتورة واردات الأدوية في الجزائر، ما يقارب الـ1.6 مليار يورو خلال العام الأخير، وما أعقبها من ندرة وحرمان بعض المناطق من أدوية أساسية، رغم ضخامة النفقات، بممثلي مختلف نقابات الصيادلة المحلية للتحرك بقصد تصحيح quot;وضع غير سويquot; على حد وصف كثير منهم.
بهذا الصدد، يشدّد quot;عبد القادر شبيلةquot; ممثل النقابة الجزائرية للصناعة الصيدلانية، على إنشاء ميثاق يؤطر الصناعة الصيدلانية في البلاد ويحل المشاكل التي تعاني منها بدل الاستمرار في استنزاف مليارات الدولارات، حيث تضاعفت واردات الجزائر من الأدوية بواقع ست مرات خلال الخمس سنوات الأخيرة، في معطى خيّب آمال جمهور المنتجين.
بينما يربط quot;مسعود بلعمبريquot; رئيس النقابة الوطنية للوكالات الصيدلانية، إعادة تنظيم سوق الأدوية وموزعيها، بمراجعة الوضع الاقتصادي الذي يشكو منه عموم الصيادلة مثل انعدام تشجيع الأدوية الجنسية وثقل الأعباء الضريبية، وذاك يمر بحسب quot;محمد باشطارزيquot; ممثل نقابة ناشطي الصناعة الطبية الجراحية، بإعادة النظر في قانون المناقصات العامة.
ورغم التحفيزات التي وضعتها الدولة لتشجيع الإنتاج المحلي، يكشف متعاملون عن عراقيل تواجههم، بهذا الشأن، يشير quot;عمار زيادquot; رئيس الاتحاد الجزائري إلى مهنيي الصيدلة، إلى ما تسببت به الصيغة المصرفية المستحدثة quot;القرض المستنديquot; من ندرة المادة الأولية التي يُعتمد عليها في تصنيع الأدوية وما ترتب عن ذلك من إنقطاعات.
كما ينتقد quot;نبيل ملاحquot; الأمين العام للصيدلانيين مشاكل بيروقراطية تعيق الاستثمار، داعيا إلى إزالتها من أجل مساعدة المنتجين المحليين، أما quot;وحيد كرارquot; فيركّز على حتمية رصد إمكانات أكبر لدفع قاطرة الاستثمار الصيدلاني، في حين ينادي quot;رفيق مرسليquot; رئيس الجمعية الجزائرية للمنتجين الصيدلانيين بتعجيل تسجيل الأدوية المنتجة داخل الوطن لتسهيل بيعها في الوقت المناسب.
ويتفق متعاملون وخبراء في حتمية الانتصار لـquot;حل اقتصاديquot;، ويقدّرون أنّ السيناريو الحالي ناجم عن التخلي غير المفهوم للسلطات عن 248 وكالة صيدلانية مملوكة للحكومة قبل سنتين، واستعداد السلطات للتنازل أيضا عن أكثر من مائتي وكالة أخرى.
ومن مجموع 50 وحدة لصناعة الأدوية في الجزائر، تتواجد 6 وحدات كبرى قاب قوسين أو أدنى من إيقاف أنشطتها نهائيا، بسبب quot;تراكم مشاكلquot;، وهو ما دفع quot;بركاني بقاطquot; إلى مطالبة الحكومة بتخصيص جلسات لتدارس الوضع الصحي الراهن في البلاد، لوضع خطة بعيدة المدى تضع حدا لما يقول عاملون إنّها quot;تجاوزات كثيرة في سوق الأدويةquot;.
في الجانب المقابل، يطمئن quot;جمال ولد عباسquot; وزير الصحة الجزائري بشروع بلاده في تنظيم سوق الأدوية قريبا، وإذ تعهّد إنهاء معضلة الأدوية قريبا، حرص الوزير على التأكيد أنّ سوق الأدوية في الجزائر لا تعاني ندرة بالمفهوم الحقيقي، من منطلق أنّ عدد الأدوية غير المتوفرة لا يتجاوز الأربعين دواء فقط من مجموع 5400 دواء متداول محليا، لكن جهات غير سمية تشكك في هذا الرقم، وتشدّد على أنّ حجم التغطية المحلية للاحتياجات الدوائية لا يتعدّى حدود الـ23 في المئة.
وفي هذا الإطار، وجه الوزير خطابا شديد اللهجة للمتعاملين للامتثال إلى القوانين المسيرة لسوق الدواء في الجزائر، مؤكدا أنّ تسجيل الأدوية وعقد الصفقات سيتم في ظل الصرامة والشفافية التامة.
ويشدد المسؤول الأول عن قطاع الصحة في الجزائر، أنّه لن يُسمح لبعض المورّدين القيام بتوزيع الأدوية، حتى يتم القضاء على الاحتكار، قائلا إنّ اتخاذ تدابير جديدة عمّا قريب، سيساعد في إخراج صناعة الأدوية في الجزائر من عنق الزجاجة، والتقليص من فاتورة الواردات، مع تشجيع الإنتاج المحلي سواء عن طريق الشراكة مع الخارج أو من خلال تجارب استثمارية جزائرية.
وتعتزم الحكومة الجزائرية إطلاق خطة لإعادة تنظيم سوقها للأدوية، ويقوم التصورّ الذي ستسعى وزارة الصحة إلى تجسيده، على تشجيع إنتاج سائر الأدوية محليا، وتقليص هيمنة المتعاملين الخارجيين، وبات مفروضا على كافة المستوردين، إقامة مشاريع استثمارية في الجزائر في أجل لا يتعدى السنة، وكل من لا يستجيب لهذا التوجه سيحرم من رخصة النشاط في البلاد.
ونشرت السلطات لائحة بنحو 342 دواء ممنوعة من الاستيراد بينها مضادات حيوية ومهدئات الآلام ومراهم جلدية، وأدوية الجهاز الهضمي وأخرى خاصة بالأطفال، وسيكون المستثمرون مطالبين بإنتاجها محليا، بشكل من شأنه تغيير خارطة سوق الدواء التي ظلت خاضعة لنفوذ شركات فرنسية وبريطانية وأميركية.
وتتطلع السلطات عبر القوانين المستحدثة، إلى الارتفاع بالإنتاج المحلي المقدّر بـ36.86 في المئة من حجم الطلب العام، كما تبدي السلطات اهتماما بترقية منظومة الأدوية الجنسية التي صار استهلاكها واسعا بين السكان المحليين، علما أنّ نسبة إنتاج هذه الأدوية تجاوزت 41.79 في المئة العام الماضي، وتبلغ نسبة توفرها حاليا بـ36.86 في المئة بزيادة سنوية بحدود 1.8 في المئة.
ويكمن حل معضلة الأدوية في الجزائر، بالمنظور الرسمي، في تشجيع الاستثمار في مجال إنتاج المواد الصيدلانية ومستلزماتها، من خلال تحكيم المعطى الاقتصادي بدل اللجوء إلى الإجراءات الإدارية كما كان عليه الأمر في السابق، ولوضع حدّ للشح الذي يعرقل حركة الأدوية في الجزائر، تعتزم السلطات الإعلان قريبا عن إنشاء وكالة مركزية للمواد الصيدلانية ستُعنى بإعادة تنظيم سوق الدواء محليا ومراقبة نوعية الأدوية، لا سيما بعد فضيحة صرف 12 مليون دولار على اقتناء quot;أدوية منتهية صلاحيةquot;.
وتوصف الصناعةالصيدلانيةفي الجزائر بكونها صناعة فقيرة ومحدودة الإمكانات،فيما تطرح استفهامات بالجملة عن مليارات قيل إنّه جرى توجيهها للاستثمار في الإنتاج المحلي للدواء، الذي لا تزيد قيمة منتجاته عن الأربعمائة مليون دولار، وهو ما جعل خبراء يذهبون إلى أنّ الصناعة الصيدلانية في الجزائر، صارت مهددة بخطر انفتاح السوق على المنافسة الأجنبية، وكون الجزائر اليوم كسوق مفتوحة على الاستيراد دون أي إجراء تحفيزي للصناعة المحلية، هذه الأخيرة لم تستفد بحسب ناشطيها من أي دعم منذ سنة 2004، بسبب مساعي الجزائر لإتمام دخولها حظيرة المنظمةالعالمية للتجارة.
التعليقات