نهى أحمد من سان خوسيه: يمكن القول إن كوبا أكثر بلدان أميركا الجنوبية، التي تضررت من الأزمة الاقتصادية العالمية. فإضافة إلى معاناتها، كما كل البلدان، فإن تبعات العقوبات الاقتصادية الأميركية المفروضة عليها منذ أكثر من نصف قرن زاد وضعها سوءاً.

لذا كان لا بد من إظهار راوول كاسترو، الذي تسلم سدة الحكم من شقيقه قائد الثورة الكوبية فيدل كاسترو، بعض الليونة في ما يتعلق بعلاقته مع الولايات المتحدة، على أمل إلغائها العقوبات الاقتصادية عليها، رافق ذلك وعود من واشنطن بتخفيف القيود الاقتصادية.

لكن ذلك ليس كافياً، حسب رأي مارينو فوليدو الخبير الاقتصادي الكوبي المعروف. ففي آخر مقال له كتب قائلاً quot;توجد كوبا حاليًا في وضعية اقتصادية هي الأسوأ منذ أزمة التسعينيات، بعد سقوط المعسكر الاشتراكي. ولقد قامت الحكومة مثلاً بإصلاح ما يسمى بنظام الأراضي، وفقاً لمبدأ حق الانتفاع بالأراضي المهجورة للمزارعين، أي من يزرع الأرض يحصدها، لكنها فرضت مجموعة من القيود وحوافز قليلة، منها أن العقد مع المزارع لمدة عشر سنوات قابل للتجديد، إذا ما استوفى كل التزاماته. مع ذلك فإن القانون ليس واضحاً بخصوص ما إذا كان بإمكان المزارع الذي يستثمر الأرض الاحتفاظ بها أو يمكن للحكومة استرجاعها.

من وجهة نظر المحلل الكوبي، فإن الفكرة من وراء تحرير السوق بعض الشيء هو حثّ الكوبيين على إحداث أعمال صغيرة وتوظيفهم لعمال ومستخدمين، فهذا سوف يقلل من الضغط على الحكومة، التي عليها صرف تعويض عمل لهم، ويسمح لها بتخفيض عدد الموظفين في الدوائر الحكومية، لكن ذلك لا يعني بالضرورة تحرير سوق العمل بالكامل.

ويركز فوليدو على مشكلة الغذاء، ويصفها بأنها الأكثر صعوبة وخطورة، وأنه يتعين على الحكومة مواجهتها، وقد تتمكن من تسجيل نجاح في غضون سنوات قليلة، خاصة بعد السماح لقطاعات عمل معينة أن تتحول إلى اقتصاد السوق الحر، التي سيظل تحت مراقبتها.

ومن بين هذا القطاعات محال الحلاقة والورش الصغيرة، منها ورش التصليح، ليضاف ذلك إلى القانون الذي أصدرته قبل أكثر من عام، ويسمح باستيراد أجهزة التلفزيون والكمبيوتر وهواتف نقالة، إلا أن شراء المواطن الكوبي إياها فيتم بالنقد الصعب، كالدولار، الذي بدأ يظهر بكثرة في سوق صرف المال، بعد تخفيف الولايات المتحدة القيود على الكوبيين لديهم من أجل إرسال أموال إلى ذويهم في كوبا.

الجدير بالذكر أن الرئيس كاسترو عند إقراره هذا الإجراءات، أكد أنها تحول في الهيكلية الكوبية من أجل الوصول إلى تطوير النظام الاجتماعي بشكل يمكن من الاحتفاظ به في المستقبل. وأوضح أن مجلس الوزراء سوف يتعاون مع الحكومة من أجل تنفيذ إجراءات صالحة، تساعد على إسحداث المزيد من فرص العمل، منها إزالة العوائق والسماح لمزاولة التجارة الحرة في بعض أنواع السلع. وتضع القيادة الكوبية حالياً الأولوية لزيادة الإنتاج في الكثير من القطاعات لتحريك السوق الذي أصيب بشبه شلل منذ سنوات.

ومن الإجراءات، التي ينتظر البدء بتنفيذها تدريجياً قبل نهاية هذا العام، تقليص عدد الموظفين في قطاعات حكومية كثيرة، إذ يوجد هناك أكثر من مليون موظف. إلا أن ذلك لا يعني مطلقاً أن كوبا تخلّت عن الشيوعية.

ويتفق الخبير الاقتصادي فوليدو مع رأي مع خبراء آخرين بأن هذا الإصلاحات لها ثلاثة أهداف، رفع الإنتاجية وتخفيض الاستهلاك ومصاريف الحكومة، وهذا يستدعي خطوات تقشفية كتلك التي بدأتها أخيراً عبر التقليل من استهلاك الكهرباء ومصادر الطاقة الأخرى، ومحاولة الالتفاف على الحظر الأميركي، سواء عبر تعزيز العلاقات مع حلفاء كوبا في أميركا اللاتينية، وخصوصاً فنزويلا، وتطبيعها مع دول الاتحاد الأوروبي، وهذا يفسر قرار إفراج راوول كاسترو عن عشرات المعتقلين السياسيين في بلاده.