مع استمرار حالة الكرّ والفرّ الحاصلة على عدة أصعدة بين الولايات المتحدة وإيران على خلفية برنامج طهران النووي، بدا، وفقاً لتحليلات صحافية، أن مواجهة العقوبات الحالية بين الدولتين تشبه مباراة بين طرفين يفتقدان إلى المهارة. وهو ما أكدته مجلة فورين بوليسي الأميركية بقولها إن طهران تقوم عادةً بخطوات سيئة، فيما تقدم واشنطن أداءً أفضل، وإن كانت بلا مسار يتيح لها توجيه الضربة القاضية.


القاهرة:بدا على مدار الأيام الماضية أن تشديد العقوبات النفطية من جانب الغرب بشكل مطرد على برنامج التسلح النووي الإيراني كان فعالاً. وتعكف بريطانيا وفرنسا الآن على فرض حظر على صعيد الاتحاد الأوروبي في ما يتعلق باستيراد النفط من إيران، بينما سيسعى تعديل ينتظر إدراجه على مشروع قانون تفويض الدفاع الخاص بالولايات المتحدة لعام 2012 لأن يضع حداً للصفقات المبرمة مع مصرف إيران المركزي.

ولم يقتصر الأمر عند هذا الحد فحسب، بل قامت شركة quot;سينوبكquot; الصينية العملاقة لتكرير النفط بتخفيض عمليات شرائها لشهر كانون الثاني/ يناير من الخام الإيراني بسبب خلاف حول شروط الائتمان، بينما ارتفعت الإمدادات السعودية بمقدار الثلث.

وقالت المجلة إن ذلك تحديداً هو الهدف من وراء التعديل، بحيث يقتصر عملاء إيران على الصين ودول أخرى قليلة، وتمكينهم من الحصول على خصومات ومن ثم حرمان إيران من العائدات. وقد حدث ذلك في أعقاب العقوبات التي طالت سوريا، حيث انخفضت صادرات النفط للاشيء تقريباً، في الوقت الذي انسحبت فيه quot;توتالquot; و quot;شيلquot; وشركات غربية أخرى. ومع هذا، نوهت المجلة بأن مثل هذه العقوبات لم تباغت الجانب الإيراني، خاصة وأنه يعد لها منذ عدة أشهر، وسبق للجمهورية الإيرانية أن عايشت مثل هذه النوعية من العقوبات على مدار الـ 30 عاماً الماضية.

غير أن الذعر بدا واضحاً في ردة فعل إيران، وكانت إحدى العلامات الدالة على ذلك تلك المتعلقة بخطابها التصعيدي بشأن احتياطات الطاقة التي تشترك فيها مع جيرانها. وبالاتساق مع ذلك، أعلن مؤخراً أحد مسؤولي الحرس الثوري الإيراني عن وجود لعبة حرب في مضيق هرمز، الذي يشهد حوالى 40% من حركة تجارة النفط الدولية.

وأوضحت المجلة أن إغلاق هذا المضيق ينظر إليه باعتباره ردة فعل إيرانية محتملة إذا تعرضت البلاد لمزيد من العقوبات أو لهجمات عسكرية، وإن كان بمقدور الولايات المتحدة من الناحية العملية أن تعيد فتح الممر المائي بشكل سريع، بدعم من أوروبا والهند والصين وجميع مستوردي النفط الآخرين البارزين. وفي العشرين من الشهر الجاري، ذكرت وكالة مهر الإخبارية شبه الرسمية أن إيران منعت الواردات القادمة من الإمارات العربية المتحدة، التي بلغت قيمة التعاملات التجارية معها 15 مليار دولار عام 2011، عقاباً لها على دعمها العقوبات الأميركية.

وهو ما أسفر عن وقوع أضرار، رغم المحاولات التي قامت بها إيران لمنع حدوثها، حيث انخفضت قيمة الريال الإيراني بنسبة قدرها 10 % أمام الدولار، في الوقت الذي سارع فيه التجار لإفراغ العملة، حتى فقدت نصف قيمتها خلال الأشهر القليلة الماضية.

بيد أن فورين بوليسي رأت أن تراجع قيمة الريال الإيراني يشكل أيضاً جزءًا من سياسة الرئيس محمود أحمدي نجاد التي ترمي إلى المساعدة في سد العجز بالميزانية الحكومية قبيل الانتخابات البرلمانية المقررة في 2012. وهو ما يأتي على حساب تفاقم التضخم، بالتزامن مع إلغاء إعانات الوقود والكهرباء في أواخر العام 2010.

وأعقبت المجلة بقولها إن سوء إدارة إيران لاقتصادها وقطاعها النفطي ألحق بها كثيرا من الأضرار عن العقوبات. فقد فشلت في استغلال موارد الطاقة الكبرى التي تمتلكها بصورة استراتيجية ndash; عن طريق تصدير الغاز لدول الجوار في الخليج أو عرض بديل حقيقي للغاز الروسي على أوروبا أو بحث شركات صينية على تطوير حقولها النفطية.

ورغم الوضعية السيئة التي يعيشها الاقتصاد الإيراني، وتراجع حالة العزلة السياسية التي عاشتها البلاد، أكدت المجلة أن واشنطن لا يجب أن تهنئ نفسها على ذلك. وتابعت المجلة حديثها بالقول إن العقوبات النفطية فكرة سيئة سواء حققت نتائج إيجابية أو أخفقت. وإن رأت المجلة أن الاحتمال الأكبر هو أن تفشل العقوبات النفطية في تحقيق النتائج المرجوة منها، وهو ما بدا واضحاً من خلال عدم اكتراث دول كاليابان وكوريا الجنوبية وتركيا بتلك العقوبات لتواصل تعاملاتها مع إيران.

وختمت المجلة بتأكيدها أن مواجهة الولايات المتحدة المتواصلة مع إيران تقدم هدايا لمنافسين حقيقيين هما الصين وروسيا. ورأت أن السؤال الأكثر أهمية، الذي لم يُجَب عليه إلى الآن، هو المتعلق بالكيفية التي تخطط من خلالها واشنطن لتحويل أي مكاسب تكتيكية من العقوبات إلى نجاح استراتيجي، أو بالفعل، تحديد شكل النجاح الحقيقي.