بغداد:يدفع المسؤولون العراقيون باتجاه اعادة احياء زراعة اشجار النخيل التي لطالما كانت رمزا لحضارات وادي الرافدين ومصدرا رئيسيا للغذاء والبناء، قبل ان تدفع ثمن حروب متلاحقة ضربت العراق منذ عقود.وبعدما كانت صناعة التمور العراقية بانواعها التي تقارب الـ600 تحتل المركز الاول في العالم منذ خمسينات القرن الماضي، انهارت هذه الصناعة خصوصا في ظل حصار دولي على البلاد استمر لحوالى 12 عاما. ويقول مدير عام الهيئة العامة للنخيل كامل الدليمي لوكالة فرانس برس انه 'في الماضي، كان الناس يعتمدون بشكل كبير على النخيل'، ليس لاكل التمور فقط، بل من اجل الحصول على الخشب ايضا.
ويضيف ان 'النخلة تشترك في كثير من الامور مع البشر، فهي الشجرة الوحيدة التي تموت عندما يقطع رأسها (...) انها رمز العراق لاسباب عدة'.


وتعمل الحكومة العراقية حاليا على تنفيذ مشروع تبلغ قيمته حوالى 150 مليون دولار ويهدف الى مضاعفة عدد اشجار النخيل في البلاد ثلاث مرات بحلول عام 2021 ليبلغ عددها حوالى 40 مليون نخلة، بحسب ما يؤكد الدليمي. وكان عدد اشجار النخيل في العراق يبلغ حوالى 32 مليونا في منتصف القرن العشرين، قبل ان ينخفض هذا العدد الى 12 مليونا بحلول العام 2000، من دون ان تكون هناك احصائيات عن اعدادها الحالية. ويشمل هذا البرنامج الذي بدا العمل به في العام 2005 زرع اشجار النخيل في حوالى 30 مكانا متخصصا، فيما تعمل الحكومة الى جانب مستثمرين من القطاع الخاص لزارعة النخيل في الصحراء الغربية من البلاد. وتجري حاليا زراعة الطريق الذي يصل مدينة بغداد بمطارها ويمتد لعدة كيلومترات غرب العاصمة، مجددا باشجار النخيل، علما ان هذا الشارع كان من اخطر الطرق في البلاد وشهد اعمال عنف وهجمات عدة على مدى الاعوام الماضية.


وذكر الدليمي ان المسؤولين العراقيين ياملون في زيادة انواع التمور، مشيرا انه جرى حتى الآن جمع حوالى 520 نوعا من اشجار النخيل، علما انه قبل العام 1980 كان هناك اكثر من 600 نوع في العراق.
ولطالما امتازت التمور في العراق بتعدد اصنافها وانواعها، ولعل اهم الاصناف التجارية هي 'الزهدي' و'الساير' و'الحلاوي' و'الخضراوي' و'الخستاوي'، ويبدو ان صنف 'الزهدي' هو اكثرها انتاجا حيث بلغ المعدل السنوي له 321 الف طن خلال الفترة 1977-1990. وجاء الانخفاض في انواع التمور نتيجة الحروب التي بدات عام 1980. فقد تعرضت محافظة البصرة في جنوب العراق، وهي الاكثر ملاءمة لزراعة النخيل، الى اضرار كبيرة اذ تحولت البساتين التي كانت تحيط بها الى حقول جرداء تنتشر فيها الجذوع الجافة، وذلك اثر الحرب العراقية الايرانية (1980-1988).


واعقب ذلك حصار طويل امتد من عام 1991 حتى سقوط النظام السابق عام 2003، رافقه نقص في المعدات الزراعية وشح في المياه بسبب بناء تركيا وايران لسدود على مصادر المياه التي يعتمد عليها العراق.
ويقول المهتمون بزراعة النخيل ان نقص المياه زاد من نسبة ملوحة التربة في موازاة اهمال حكومي ونقص في الكهرباء. كما يشيرون الى ان اجتياح العراق بقيادة الولايات المتحدة عام 2003، ساهم بشكل كبير في انتشار الامراض والحشرات بين اشجار النخيل، بسبب توقف الطيران الزراعي عن رش المبيدات الزراعية. واختفت اعداد كبيرة من بساتين النخيل، فيما ان ما تبقى منها يعاني من نقص كبير في جميع المواد الاساسية. ويقول نور عباس هاشم وهو احد اصحاب مزارع النخيل في البصرة 'كنا ننتج اطنانا من التمور'، مضيفا بحسرة 'اما الان فلا يتجاوز انتجانا عشرات الكيلوغرامات'. وخسر مزهر عدي (45 عاما) نحو ثلث مزعته التي تضم 250 شجرة نخيل في شمال بغداد، نتيجة اشتباكات بين مسلحين والقوات الامريكية.


وقال عدي ان 'كل المشاكل جاءت مع الاحتلال (الاميركي)، هم لم يكتفوا بقتل الناس بل كانوا ايضا السبب في موت الاشجار'. واضاف وهو يشير الى جذوع النخيل الميت ان 'كل شجرة نخيل تصاب برصاص او شظايا القنابل تموت خلال ثلاث سنوات'. ولم يأسف عدي لموت احدى اشجار النخيل التي اصابها صاروخ كاتيوشا لانها انقذت حياة عائلته وحمت منزله الذي يبعد امتارا عنها. واكد المزارع انه 'بحاجة الى دعم مالي' لانه لا يملك ما يساعده على 'اعادة الحياة' الى نخيله، مشددا على ان 'الحزن يعصر قلوبنا لان هذه الاشجار غالية جدا علينا'.