يخضع أكبر مصرف في بريطانيا لتحقيقات واسعة تجريها مصلحة الضرائب والجمارك البريطانية بعد ان فتح المصرف حسابات في جزيرة جيرسي بأسماء مجرمين خطرين يعيشون في بريطانيا.


إعداد عبدالإله مجيد: حصلت السلطات الضريبية على تفاصيل كل زبون بريطاني يتعامل مع مصرف اتش أس بي سي في جيرسي بعد ان قدم مصدر قائمة مفصلة بالأسماء والعناوين والأرصدة قبل ايام.

وقالت صحيفة الديلي تلغراف ان بين الأشخاص المدرجة اسماؤهم على القائمة دانيل بايس وهو تاجر مخدرات يقيم الآن في فنزويلا ، ومايكل لي الذي أُدين بحيازة أكثر من 300 قطعة سلاح في منزله جنوب غرب انكلترا وثلاثة مصرفيين يواجهون اتهامات خطير بالاحتيال ورجل كان يُطلق عليه لقب quot;لص الكومبيوترات رقم 2quot; في لندن.

كما تتضمن القائمة حسابات أخرى مسجلة باسماء ذات عناوين متواضعة في مناطق فقيرة من بريطانيا. ويثير ما كشفه المصدر من اسماء سيئة الصيت والسمعة تساؤلات عن الاجراءات التي يتبعها مصرف اتش اس بي سي في جزيرة جيرسي في وقت يستعد هذا المصرف العملاق لدفع غرامة تصل الى 1.5 مليار دولار في الولايات المتحدةة لخرقه الضوابط المعتمدة في مكافحة تبييض الأموال. والمعروف ان المصرف ملزم بابلاغ السلطات إذا كانت لديه أي شكوك عن مصدر الأموال التي تودع لديه.

وتدقق مصلحة الضرائب والجمارك البريطانية الآن في قائمة تضم اسماء وعناوين أكثر من 400 شخص مقيمين في بريطانيا ولديهم حسابات مصرفية في فرع اتش اس بي سي في جيرسي. ومن المتوقع ان يقود التحقيق الى هويات مئات الأشخاص الذين يتهربون من الضرائب نظرا لعدم الكشف عن هذه الأرصدة في السابق. وقال متحدث باسم مصلحة الضرائب والجمارك الملكية quot;نستطيع ان نؤكد تلقينا المعلومات ونحن الآن نتدارسهاquot;. واضاف ان مصلحة الضرائب والجمارك quot;تتلقى معلومات من دائرة واسعة من المصادر التي نستخدمها لضمان احترام الأنظمة الضريبيةquot;.

وتابع المتحدث ان ملاحقة اولئك الذين يحاولون الغش على النظام بالتهرب من الضرائب اولوية عليا لدى مصلحة الضرائب التي تثمن ما تتلقاه من معلومات يقدمها المواطنون وأوساط المال والأعمال. وقالت صحيفة الديلي تلغراف ان السجلات العامة تبين ان مصرف اتش اس بي سي فتح حسابات في جزيرة جيرسي لعدة اشخاص مطلوبين من الشرطة أو مدانين بارتكاب جرائم خطيرة.

ويُعتقد ان المعلومات التي نُقلت الى مصلحة الضرائب والجمارك تعتبر اكبر عملية تسريب الى السلطات الضريبية البريطانية تكشف عن هويات اشخاص لديهم ارصدة في اماكن معفاة من الضرائب مثل جزيرة جيرسي. وتضم القائمة اسماء 4388 شخصا تبلغ ارصدتهم 699 مليون جنيه استرليني مودعة في حسابات جارية في الجزيرة ويُرجح ان لديهم مشاريع استثمارية اخرى بمليارات الجنيهات الاسترلينية. ومن بين الأسماء المدرجة على القائمة مشاهير وشخصيات معروفة.

وتخوض السلطات الضريبية في انحاء العالم سباقا حامي الوطيس للحصول على معلومات عن مواطنين من بلدانها لديهم ارصدة في مناطق معفاة من الضرائب ، ويُشتبه بأن العديد منهم ضالعون في التهرب من الضرائب أو غير ذلك من الأنشطة الاجرامية.

وكان مصدر من داخل مصرف اتش اس بي سي في سويسرا باع تفاصيل زبائن فرع المصرف في جنيف الى السلطات الضريبية عام 2008. وأدى هذا الى إعداد ما اصبح معروفا باسم quot;قائمة لاغاردquot; كناية بوزيرة المالية الفرنسية وقتذاك قبل ان تصبح مديرة صندوق النقد الدولي. وتضمنت القائمة نحو 2000 بريطاني كُشفت هوايتهم.

وفي الاسبوع الماضي قُدِّم صحفي يوناني الى المحاكمة بعد كشفه تفاصيل ارصدة باسماء اثرياء يونانيين مدرجين على قائمة لاغارد. ومن المتوقع ان تكون لكشف قائمة جيرسي التي حصلت عليها مصلحة الضرائب البريطانية بلا مقابل ، تداعيات عالمية لأن القائمة تكشف هويات أكثر من 4000 شخص من المقيمين في بلدان اخرى رغم ان المقيمين في بريطانيا يشكلون أكثر من نصف اصحاب الأرصدة المدرجين على القائمة.

وتضم قائمة زبائن اتش اس بي سي في جيرسي اسماء غالبيتها شخصيات مرموقة في مركز المال والأعمال في لندن ، quot;الستيquot;. وان عشرات المصرفيين اودعوا مبالغ لا تقل عن 100 الف جنيه استرليني في ملاذات ضريبية مثل جيرسي وان لدى بعض المؤسسات quot;عناقيدquot; من مسؤوليها الذين يستثمرون هذه الأرصدة. ويشكل الأطباء ومدراء شركات استخراجية ونفطية وعمال نفط نسبة كبيرة من الأسماء المدرجة على القائمة.

ومن المفاجآت التي كشفت عنها القائمة انها تضم صاحب بقالية من الحي الشرقي المتواضع من لندن لديه أكثر من 80 الف جنيه استرليني بحسابه الجاري في مصرف اتش اس بي سي في جيرسي.

ولدى مدير صندوق استثماري أكثر من 6 ملايين جنيه استرليني في حسابه في حين ان متوسط الأرصدة يبلغ 337 الف جنيه استرليني. وبموجب الأنظمة البريطانية فان ذوي الاصول الاجنبية لا يدفعون ضرائب إلا على الأموال التي تدخل بريطانيا شريطة ان يكون صاحبها كسبها في الخارج. ولكن ما يشكل مصدر متاعب خطيرة لمصرف اتش اس بي سي ان عشرات الأشخاص الذين ليس لديهم مصدر قانوني واضح للدخل يملكون مبالغ كبيرة من المال في جيرسي.

وكانت السلطان نددت بالبريطاني دانيل بايس لرفضه العودة من فنزويلا بعد العثور على ما قيمته 500 الف جنيه استرليني من حشيش الكيف في مزرعته عام 2006. وسُجن والده غيابيا لمدة 3 سنوات. واودع بايس 250 الف جنيه استرليني في ملاذ ضريبي وقالت الشرطة انها تريد استجوابه.

وأودع رجل وامرأة يعيشان في بيت صغير في مقاطعة ديفون جنو غربي انكلترا 85 الف جنيه استرليني في جيرسي. وكانت الشرطة عثرت في منزلهما على اكثر من 300 قطعة سلاح بينها رشاشات عوز الاسرائيلية وبنادق خلال عملة دهم عام 2001. وحُكم على مايكل لي بالسجن عامين.

وكان مصرف اتش اس بي سي واجه اتهامات متكررة لفروعه في انحاء العالم بالتهاون في ممارسة الرقابة على مصادر الأموال التي تودع في حساباته. وتشترط انظمة مكافحة تبييض الأموال ان يراقب المصرف مصدر المال ويبلغ السلطات المختصة إذا ساورته أي شكوك بمصدرها. وتلتزم غالبية المصارف التزاما صارما بهذه الأنظمة.

وفي تموز/يوليو الماضي توصل تحقيق اجراه مجلس الشيوخ الاميركي الى غياب مثل هذه الضوابط على تبييض الأموال في عمليات مصرف انس اس بي سي في المكسيك. كما تعرض المصرف لانتقادات لاذعة بسبب تستره على صفقات مع ايران. وقال محلل ان ممارسات مصرف اتش اس بي سي تشكل نموذجا quot;للعمل المصرفي بالغمز وهز الرأسquot; في اشارة الى غض الطرف وغياب الالتزام بالضوابط.

واعترف رئيس المصرف التنفيذي ستيوارت غاليفر بأن اتش اس بي سي تقاعس عن رصد quot;السلوكيات غير المقبولة والتعامل معهاquot;. وقال متحدث باسم المصرف ان من واجب اتش اس بي سي ان يحافظ على مبادئ السرية ولا يمكنه التعليق على زبائنه حتى لتأكيد أو نفي كونهم من زبائنه. واضاف ان للمصرف علاقة طيبة مع الأجهزة الرقابية ويتعاون مع التحقيقات حين يُطلب منه ذلك.

وتخوض السلطات الضريبية في انحاء العالم سباقا سريا في احيان كثيرة للحصول على معلومات عن هويات اشخاص لديهم ارصدة في ملاذات ضريبية. ودفعت مصلحة الضرائب والجمارك البريطانية مئات آلاف الجنيهات الاسترلينية الى اشخاص مستعدين للكشف عن أي ممارسات مريبة مقابل مدهم بمعلومات عن اصحاب مثل هذه الأرصدة. وافادت تقارير ان السلطات الالمانية دفعت 2.5 مليون يورو الى شخص لم تُكشف هويته مقابل قرص مدمج يحوي معلومات عن زبائن لديهم ارصدة في مصرف اتش اس بي سي في سويسرا عام 2010.

وقادت هذه المعلومات المحقيين الى الاعتقاد بأن هناك دخولا غير معلنه تزيد على مليار جنيه استرليني أودعها 1100 الماني ثري. وفي الاسبوع الماضي نشرت مجلة يونانية قائمة باسماء زبائن لديهم ارصدة في مصرف اتش اس بي سي في سويسرا.

واصبحث القائمة معروفة باسم قائمة لاغارد لأن كريستين لاغارد وزير المالية الفرنسية وقتذاك قدمتها الى السلطات اليونانية عام 2010. وحققت مصلحة الضرائب البريطانية مع 500 من الأشخاص المدرجة اسماؤهم على القائمة بعد الحصول على معلومات عن مقيمين بريطانيين بين اصحاب الأرصدة.

وقالت صحيفة الديلي تلغراف ان المصدر الذي كشف قائمة جيرسي لديه قوائم أخرى عن زبائن يتعاملون مع مصرف اتش اس بي سي خارج بريطانيا بينهم 602 في اسرائيل و527 في فرنسا و333 في اسبانيا و117 في الولايات المتحدة.

واجمالا يُعتقد ان قائمة زبائن اتش اس بي سي في جيرسي تتضمن اسماء وعناوين 8474 شخصا اكثر من نصفهم مقيمون في بريطانيا. ويجيز القانون البريطاني للمقيمين والمواطنين استخدام ملاذات ضريبية لتقليل الضرائب ولكن بموجب قواعد وانظمة معقدة. ومن واجب دافعي الضرائب البريطانيين ابلاغ مصلحة الضرائب عن تفاصيل ارصدتهم الخاضعة للضريبة في هذه الملاذات.