يواجه القادة الأوروبيون في بروكسل اليوم الإنقسام المعهود بين فرنسا وإيطاليا من جهة وألمانيا من جهة أخرى، في إجتماع يهدف إلى دعم حزمة من المبادرات لدفع عجلة النمو.


إعداد عبد الاله مجيد: من المتوقع ان يدعم قادة الاتحاد الاوروبي المجتمعون في بروكسل الأربعاء حزمة من المبادرات التي تهدف الى دفع عجلة النمو في عموم منطقة اليورو ذات الاقتصادات الراكدة. ولكن مراقبين لاحظوا ان التوافق الذي يعتزم القادة الاوروبيون استعراضه في بروكسل، قناع يخفي وراءه انقسامات عميقة داخل منطقة اليورو بشأن اتخاذ خطوات جذرية يعتقد العديد من صانعي السياسية ان لا مفر منها إذا أُريد انقاذ اليورو.

ويتبدى الانقسام بشكله المعهود بين معسكر تقوده فرنسا وايطاليا في مواجهة المانيا ومجموعة متناقصة من بلدان شمال اوروبا التي تدعم موقف برلين. ويتمحور الخلاف حول طبيعة الاصلاحات المطلوبة في منطقة اليورو ، من اصدار سندات اليورو الى استحداث صندوق انقاذ أشد فاعلية.

وكان انتخاب الاشتراكي فرانسوا اولاند رئيسا في فرنسا قلب موازين القوى داخل منطقة اليورو رأسا على عقب ليمنح صوتا أقوى الى دعاة العمل الجريء.

وضمت مديرة صندوق النقد الدولي كريستين لاغار ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية صوتهما الى الجوقة. واعلنت لاغار خلال مؤتمر صحفي في لندن الثلاثاء ان المطلوب عمل المزيد وخاصة في تقاسم المسؤولية المالية وان هناك طرقا متعددة للقيام بذلك.

وخفضت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية توقعاتها لمعدلات النمو في منطقة اليورو محذرة من ان ثمن خروج اليونان سيكون باهظا. ونقلت صحيفة وول ستريت جورنال عن الاقتصادي في المنظمة بيير كارلو بادوان انه quot;إذا خرجت اليونان من منطقة اليورو فان عواقب خروجها ستكون وخيمة يقلل غالبية المراقبين من وطأتهاquot;.

وأكد وزير الخارجية الايطالي جوليو تيرزي المواقف الاوروبية القائلة بضرورة بقاء اليونان في منطقة اليورو.

وقاومت برلين حتى الآن الدعوات التي تطالب بخطوات جذرية أكثر. وكانت المانيا التي يعتبر اقتصادها الاقتصاد الوحيد المتعافي بين الاقتصادات الاوروبية الكبرى ، رفضت مرارا فكرة السندات الاوروبية المشتركة وافكارا مماثلة خشية ان ينتهي المآل بدافع الضرائب الالماني متحملا المسؤولية نيابة عن منطقة اليورو كلها. ولكن المخاوف من ان يتسبب خروج اليونان في موجة ذعر عالمية ويؤدي الى انهيار العملة فرضت اجراء نقاش جديد وأعادت قضية الاجراءات الجذرية الى الطاولة.

وليس من المتوقع ان تُعلَن قرارات كبيرة في مأدبة العشاء غير الرسمية التي سيحضرها قادة الاتحاد الاوروبي السبعة والعشرون. ولكن نبرة النقاش قد تكون مؤشرا الى ما إذا كانت برلين مستعدة للقبول بحلول وسط وبأي شروط.

ومن العناصر الأساسية في المعالجة الجذرية التي تدعمها فرنسا وحلفاؤها اصدار ما يُسمى سندات اليورو. وتعني هذه الخطوة من حيث الجوهر ضمانة المانية للسندات تمكِّن البلدان الأضعف مثل اسبانيا من الاقتراض بأسعار فائدة أقل.

ويخشى معارضو الفكرة في المانيا من ان ترتفع تكاليف الاقتراض على بلدهم نفسه في هذه الحالة. كما يحذرون من ان سندات اليورو ستعيد بكل بساطة الدينامية التي أدت الى الأزمة أصلا. ففي العقد الأول من اليورو انخفضت تكاليف الاقتراض في اسبانيا واليونان وغيرهما من دول الأطراف انخفاضا حادا لأن المستثمرين اعتبروا ديونها مضمونة ومأمونة كديون المانيا. وان سهولة الاقتراض هذه هي التي أوجدت فقاعة اسبانيا العقارية وشجعت الحكومة اليونانية على التمادي في الاستلاف فوق طاقتها ، كما يرى منتقدو فكرة سندات اليورو.

ويؤكد دعاة الفكرة ان الرقابة الصارمة على الموازنات الوطنية يمكن ان تمنع مثل هذه الخروقات وتقطع الطريق على حدوث أزمة اخرى. ولكن الالمان يشعرون بقلق بالغ من تحمل المسؤولية عن ديون جيرانهم.

من مواضيع البحث في بروكسل ايضا سياسة رفضتها المانيا والبنك المركزي الاوروبي سابقا ، لأنها تفتح خزائن البنك للاقتراض في اطار quot;آلية الاستقرار الاوروبيةquot;. ومن شأن هذا أن يزيد بدرجة كبيرة قدرة صندوق الانقاذ الاوروبي على تهدئة الأسواق المالية المضطربة في بلدان منطقة اليورو. وستقوم آلية الاستقرار الاوروبية بدور البنك مستخدمة أموال البنك المركزي الاوروبي لمضاعفة قدرتها التسليفية البالغة 500 مليار يورو (640 مليار دولار).

ونقلت صحيفة وول ستريت جورنال عن دانيل غروس مدير مركز الدراسات السياسية الاوروبية في بروكسل ان مثل هذه الخطوة ستغير قواعد اللعبة كلها ولكن الاوروبين لن يقدموا عليها quot;إلا إذا بدت اللعبة خاسرة تقريباquot;.

وكان البنك المركزي الاوروبي رفض هذه الخطوة لأن تفويض آلية الاستقرار الاوروبية يقتصر على إقراض دول منطقة اليورو المتضررة بالأزمة. ومن المرجح ان تعتري الضعف معارضة البنك إذا سُمح لآلية الاستقرار الاوروبية ان تعيد رسملة بنوك منطقة اليورو ، كما تقول مصادر مطلعة على المناظرة حول هذه القضية. وحينذاك لن يقدم البنك المركزي الاوروبي قروضه الى كيان لا يمنح قروضه إلا لحكومات وبذلك تبديد المخاوف من انتهاك القواعد التي تمنع البنك المركزي الاوروبي من تمويل ديون الحكومات مباشرة.

ويمكن استخدام آلية الاستقرار الاوروبية بموجب القواعد السارية حاليا لإعادة رسملة البنوك ولكن فقط بتسليف الحكومة التي ينتمي البنك المعني الى بلدها. ويشكل هذا مشكلة لبلدان مثل اسبانيا التي لديها اسباب للقلق بشأن نظامها المصرفي وارتفاع تكاليف الاقتراض ولا تريد زيادة مديونية حكومتها بأموال تُستخدم لإعادة رسملة بنوك.

وصفقت المانيا في الوقت الحاضر الباب بوجه الفكرة الداعية الى منح آلية الاستقرار الاوروبية سلطة تجيز لها إعادة رسملة بنوك منطقة اليورو مباشرة. فهي تخشى ، من بين اسباب اخرى ، ان يخفض تعامل آلية الاستقرار الاوروبي مباشرة مع البنوك قدرة منطقة اليورو للضغط على بلدان تتلقى قروض انقاذ من أجل اصلاح قطاعها المالي.

يضاف الى ذلك ان كلفة إعادة الرسملة قد تكون باهظة. وقدر معهد التمويل الدولي في واشنطن هذا الاسبوع ان الكلفة يمكن ان تبلغ 60 مليار يورو للبنوك الاسبانية وحدها.

ومن دون اتفاق على هذه الخطوات الكبيرة فان من المتوقع ان يعلن القادة الاوروبيون ثلاث مبادرات صغيرة تتعلق بالسياسة المالية. وتتمثل المبادرة الأولى بمقترح لزيادة رأس مال بنك الاستثمار الاوروبي ، المختص بالقروض طويلة الأجل في الاتحاد الاوروبي ، بمقدار 10 مليارات يورو. والمبادرة الثانية هي تخفيف الشروط التي تُفرض على الحكومات المأزومة في استخدام الأموال التي تتلقاها من موازنة الاتحاد الاوروبي.

والمبادرة الثالثة هي الاقتراض بضمانة ميزانية الاتحاد الاوروبي للاستثمار في مشاريع البنى التحتية. وستطلق المبادرة مشروعا تجريبيا يستخدم 230 مليون يورو من موازنة الاتحاد الاوروبي مع امكانية التصرف بأموال تصل الى 4.6 مليار دولار في هذا المجال. وبعد سنتين سيخضع البرنامج للمراجعة وربما زيادة تمويله.

ويقول محللون انه ما من فكرة من هذه الأفكار كافية لإحداث تأثير كبير على المدى القريب في الاقتصادات المأزومة لمنطقة اليورو. وقال مجتبى رحمن المحلل في مجموعة يوريشيا للاستشارات السياسية quot;ان هذه الأفكار لا تحسِّن ماديا آفاق النمو في منطقة اليورو وهي تنطوي على كثير من الخطابية بلا جوهر يُذكرquot;.