رغم الارتفاع الكبير في أسعار السلع، لم يخرج ملايين الفقراء السودانيين بعد إلى الشوارع للانضمام إلى الاحتجاجات المتفرقة التي تشهدها البلاد، فيما تتخذ الحكومة إجراءات تقشفية لمنع انهيار العملة المحلية.


الشباب لا يزالون هم قادة الاحتجاجات التي اندلعت بسبب الارتفاع الكبير في الأسعار

الخرطوم: بلغت نسبة التضخم في السودان 27 في المئة مقارنة مع شهر حزيران/يونيو من العام السابق، إذ ارتفعت نحو 10 نقاط في أيار/مايو. إلا أن الشباب لا يزالون هم قادة الاحتجاجات التي اندلعت بسبب الارتفاع الكبير في الأسعار.

قال أحد قدامى النشطاء quot;حتى الآن تقوم الحركة على الشباب والنشطاء المحتجينquot;، مضيفًا أن انتفاض الفقراء quot;المقهورينquot; لن يحدث إلا بعد وقت.
وقال الخبير الاقتصادي في جامعة الخرطوم الجاك احمد إن تاريخ السودان يظهر أن quot;الفقراء ينضمون عادة إلى الاحتجاجات لاحقًاquot;.

لكن وبعد شهر من بدء الاحتجاجات في جامعة الخرطوم، لم يظهر دعم كبير من المحترفين وأصحاب المهن رغم احتجاج المحامين. وقال أحمد إن الاحتجاجات quot;لا تزال محدودة حتى الآنquot;. وانتشرت التظاهرات لتشمل مختلف شرائح المجتمع، ولكن لم يزد عدد المشاركين في كل احتجاج على مئة أو مئتي شخص. وتركزت الاحتجاجات أخيرًا في أيام الجمعة في مسجد يرتبط بحزب الأمة المعارض في مدينة أم درمان.

لم تستقطب الاحتجاجات عشرات آلاف الطلاب والمهندسين والمحامين والنقابات العمالية، مثل الذين أطاحوا بالنظامين العسكريين في السودان في عام 1964 وعام 1985. ويزيد عدد السكان في السودان على ثلاثين مليون نسمة، ويبلغ معدل الفقر 46.5 في المئة، بحسب الأمم المتحدة.

وفي آخر تقاريره، قال البنك الدولي إن نسبة التضخم في نيسان/إبريل، والتي بلغت 28.6 في المئة، quot;مقلقةquot;. وقد ارتفعت الأسعار بعد ذلك التاريخ.
وقال البنك إن السبب في ارتفاع التضخم هو ارتفاع أسعار المواد الغذائية، quot;ويعود ذلك في جزء منه إلى ارتفاع كلفة استيراد السلع الأساسية نتيجة ضعف قيمة العملة المحليةquot;.

وانخفضت قيمة الجنيه السوداني في السوق السوداء من أربعة جنيهات مقابل الدولار في أيلول/سبتمبر إلى نحو ستة جنيهات للدولار الآن. ويقول البعض إن سعر الجنيه يمكن أن ينخفض إلى 10 جنيهات أو أكثر مقابل الدولار إذا لم يتم احتواء التضخم.

ويعاني الجنيه السوداني من ضغوط منذ انفصال جنوب السودان في تموز/يوليو 2011، ما أدى إلى حرمان شمال السودان من نحو 75% من إنتاج النفط السوداني، الذي تساوي قيمته مليارات الدولارات، وكان أكبر مصدر للعملة الصعبة للسودان. وقال البنك الدولي إن خسارة عائدات النفط قادت إلى quot;عجز خارجي وداخلي خطر، وإلى تضخم وإلى صعوبات اقتصاديةquot;.

وأوضح وزير المالية علي محمد الرسول أن عدم الاتفاق مع جنوب السودان على رسوم النفط كلف الاقتصاد السوداني 6.5 مليارات جنيه سوداني (1.48 مليار دولار). وتعدّ الرسوم، التي من المفترض أن تدفعها جنوب السودان مقابل تصديرها النفط عبر الأنابيب والموانئ السودانية، من القضايا المهمة التي ستناقش في المحادثات التي ستجري بقيادة الاتحاد الأفريقي في أديس أبابا.

وفي محاولة لمواجهة العجز المالي، أعلنت الخرطوم عن إجراءات في حزيران/يونيو، قال وزير المالية إنها ستوفر على الدولة مبلغ 1.5 مليار دولار. وخفضت الحكومة قيمة الجنيه من 2.70 إلى 4.40 مقابل الدولار، وسمحت بتراوح السعر حتى 5.30 جنيهات للدولار، أي ما يقترب من سعره غير الرسمي.

وذكر خبير اقتصاد دولي، طلب عدم الكشف عن هويته، أن خفض قيمة العملة quot;بشكل كبيرquot; يجب أن يقود إلى تعديل ميزان المدفوعات وتعزيز الصادرات وخفض الواردات بعد خسارة عائدات النفط. إلا أنه قال إن الاحتياطي الأجنبي المطلوب لسداد سعر الواردات quot;لا يزال منخفضًا جدًاquot;.

وصرحت الحكومة أن الضرائب على أرباح البنوك ستزداد، كما ستتم زيادة ضريبة القيمة المضافة. وألغت الحكومة خمسًا من أصل 31 وزارة حكومية، وخفضت رواتب الوزراء، وأقالت عددًا من مستشاري الرئاسة. واتخذت الحكومة خطوة أخرى، أدت إلى ارتفاع بنسبة نحو 50 في المئة في أسعار الوقود، بعدما قررت سحب الدعم المقدم إلى الوقود، والذي كانت قيمته ستصل إلى 2.2 مليار جنيه سوداني هذا العام.

ورغم خفض الدعم، إلا أن الإنفاق في شبكة الأمان الاجتماعية قد ازداد، بحسب بول جنكنز الممثل المقيم لصندوق النقد الدولي، الذي قال إن الإجراءات الحكومية الخاصة بالعائدات quot;قوية جدًاquot;. وأظهرت تجارب سابقة أن المساعدات الاجتماعية الرسمية لم تنجح في تخفيف معاناة ذوي الدخل المنخفض، بحسب أحمد، الذي أوضح أن معظم الفقراء لا يعتمدون على الحكومة، بل على آليات الدعم الاجتماعي التقليدية التي توفرها العائلات الكبيرة.

وقال إن quot;هذه الآليات التقليدية تلعب في الحقيقة الدور الرئيس في تخفيف شدة معاناة الفقراءquot;. وتحدث ربيع عبد اللاتي عبيد المسؤول البارز في حزب المؤتمر الوطني الحاكم عن آليات المساعدة التقليدية، وقال: quot;نحن نختلف عن الآخرين.. نستطيع أن نتقاسم كل شيء مع بعضنا البعضquot;.

وأضاف إن السودانيين مرّوا في أزمات اقتصادية أسوأ خلال السنوات الماضية، ومن المتوقع التغلب على المشاكل الحالية خلال ستة أشهر quot;لأننا نعرف ما نقوم به جيدًاquot;.