الحديث عن الصيرفة الإسلامية في تونس بدأ محتشما منذ سنوات فقط مع تجربة بنك الزيتونة الذي لم يستطع أن يكسب ثقة المتعاملين مع المصارف التقليدية. لكن بعد ثورة 14 ينابر 2011 تغيرت المعطيات وباتت المالية الإسلامية مطلبا ينتظره متعاملون ومستثمرون هربا من المعاملات الربوية . فما المقصود بالصيرفة الإسلامية ؟ ، وهل انطلقت في العمل الفعلي و انخرطت في الشأن الإقتصادي ؟ وما هي الصعوبات التي تعيق انتشارها ؟ وما الفائدة التي يمكن أن يجنيها الإقتصاد التونسي منها ؟


تونس: أوضح الخبير الإقتصادي في الصيرفة الإسلامية د.رضا سعد الله في تصريح لـquot;إيلافquot; أنّ :quot; الصيرفة الإسلامية وما يميزها عن غيرها ليكون تطبيقها سليما في تونس ،وهو أنّ منطلقها أساسا هو تحريم التعامل بالربا والفائدة المصرفية على رأي جمهور العلماء وينطبق عليها تعريف الربا وبالتالي فهي قائمة على إيجاد بدائل للمعاملات القائمة على الفائدة أخذا و عطاء فالأساس في المعاملات البديلة للمعاملات القائمة على الفائدة لا ينفصل الجانب المالي عن الجانب السلعي الحقيقي بمعنى أنّ المصارف الإسلامية لا تتعامل بالنقود بل بالسلع مقابل النقودquot; .

وتحدث الخبير الإقتصادي عن نوعين أساسيين من المعاملات البديلة للقرض الربوي ، والمعاملات القائمة على المشاركات بأنواعها بمعنى أن المصرف الإسلامي يشترك مع العميل في نتيجة استثمار المال ، أي في الربح و في الخسارة ، ويتحمل معه مخاطر الإستثمار ، هذه مجموعة من الصيغ التمويلية وفيها صيغ المشاركة و المشاركة المتناقصة و المضاربة .

ويوضح النوع الثاني قائلا :quot; يقوم على بيع السلع أو تأجيرها ، بمعنى أنه من يرغب في التمويل لأنه يريد من ذلك التمويل أن يحصل على سلعة فالبنك الإسلامي بدل أن يعطيه المال ليشتري السلع يقوم هو أي البنك بشراء السلع ثم يبيعها للمستفيد بمقابل أي ثمن البيع الذي يزيد عن ثمن الشراء مع ربح البنك.quot;.

أما بالنسبة للإجارة يضيف :quot; المستفيد يمكن أن يؤجر لمدة قد تطول و قد تقصر كطائرة أو باخرة أو غيرهما والبنك الإسلامي يقوم بشراء و تملك السلعة الأصل ثم يقوم بتأجيرها للمدة المتفق عليها مع المستفيد بأجرة تضمن له استرداد رأس ماله مع الربح الذي يوظفه . quot; .

الصيرفة الإسلامية في تونس

يوضح الخبير في المالية الإسلامية رضا سعد الله أهم ما ينتج عن هذه المعاملات :quot; في التمويل الإسلامي لا يمكن أن تتضاعف الدورة المالية أضعافا مضاعفة للدورة الحقيقية في الإقتصاد ، أي دورة السلع و الخدمات ، وهذا يمنع قيام المضاربات و المجازفات في الأسواق ويعطي نوعا من الإستقرار للإقتصاد سواء في الجانب المالي أو الجانب الحقيقي وهذا ما يميز المصرفية الإسلامية .quot; .

ويوضح الخبير سعدالله وضع المالية الإسلامية في تونس :quot; لقد بدأت الصيرفة الإسلامية في بداية الثمانينات مع بنك البركة وهو بنك غير مقيم وبدأ النشاط على احتشام لوجود تضييقات ثم أضيف بنك الزيتونة وهو بنك إسلامي مقيم وارتبط قيامه بأسماء من عائلة الرئيس المخلوع فشابه نوع من الشكوك حول حقيقة أعماله ، وقد تغيرت الأوضاع الآن بعد الثورة وبدأ بنك الزيتونة يقف على قدميه من جديد ليخطو خطوات سليمة و المعاملات في الأصل هي خاضعة لرقابة من خبراء في المالية الإسلامية والشريعة من خلال هيئة للرقابة الشرعية هي التي تجيز العقود من جهة وتراقب الأعمال لمطابقتها للعقود المجازة بعد ذلك ، كما أن بنك البركة يمكن أن يصبح الآن وبعيدا عن التضييقات ، بنكا مقيما ، وقد قدم طلب إلى الجهات المسؤولة للموافقة على ذلك .quot; .

من ناحيته يقول الحبيب غربال أمين مال الجمعية التونسية للإقتصاد الإسلامي في إفادة لـquot;إيلافquot; أنّ quot; على مستوى التشريعات هناك قوانين ستصدر قريبا بعد الموافقة عليها من طرف المجلس التأسيسي وهي عبارة عن خمسة مشاريع تخصّ الأوقاف و الزكاة من خلال منظومة قوانين تنظم الزكاة وغيرها .quot; .

ويشير الخبير الإقتصادي غربال أنّ :quot;هناك رؤية لإدخال المالية الإسلامية في صلب الجمعيات التنموية ، كما أن قانونا لصناديق الإستثمار سيصدر قريبا .quot; مضيفا أنّ هناك مشروعا للتمويل الصغير من طرف الجمعية التي ستقوم بتفعيل المالية الإسلامية .quot; .

في حاجة إلى نظام تشريعي متكامل

أكد الدكتور رضا سعد الله أنّ الجمعية التونسية للإقتصاد الإسلامي عقدت في شهر فبراير الماضي quot; منتدى تونس الأول للإقتصاد الإسلامي quot; بحضور رئيس البنك الإسلامي للتنمية أحمد محمد علي وأحد كبار المستثمرين السعوديين في الإقتصاد الإسلامي الشيخ صالح كامل وعدد من الخبراء وتمت الإشارة إلى ضرورة إيجاد تشريعات متكاملة و متجانسة تضمن للمصرفية الإسلامية أن تعمل على قدم المساواة مع المصرفية التقليدية بمعنى أنه لم يكن متاحا و مرغوبا تغيير النظام المصرفي بالكامل جملة واحدة و المطروح هو أن يتاح للمصرفية الإسلامية أن تعمل وتنافس وتترك الحرية للمتعاملين للإختيار بين هذه المصارف أو تلك .

وأشار الخبير سعد الله إلى أنّ في وزارة المالية تم إحداث لجنة عليا للنظر في التعديلات التشريعية اللازمة وقد اشتغلت ، وما انتهى إلى علمي أنّ :quot; اللجنة أنهت عملها وقد حدثت تغييرات مقترحة في مجلة العقود و الإلتزامات ولم تتم المصادقة عليها بعد إلى جانب إحداث تغييرات على مستوى الجباية حتى تنزع بعض المواد التي تجعل الجباية على المالية الإسلامية أعلى منها على المالية التقليدية .quot; .

ورأس سعد الله أنّ هذا العمل الذي أنجز هو خطوة على الطريق ولكنه ليس بالعمل المتكامل فهناك عديد الأمور التي تنتظر فقانون المصارف يجب أن يتغير بما يضمن إنشاء المصارف الإسلامية بنفس الأسلوب الذي تنشأ به المصارف التقليدية ويمكن أن نصل في مرحلة ما إلى نظام تشريعي متكامل يجعل الأرضية مستوية لتكون ملعبا لكل اللاعبين من مصارف إسلامية أو مصارف تقليدية .

وأوضح غربال أنّ بعض الصعوبات تعترض الصيرفة الإسلامية لآنطلاقة حقيقية في تونس :quot; كانت هناك مشاكل حقيقية تمنع الإنطلاق في تطبيق المالية الإسلامية في تونس و الأردن على عكس ما تجده في بلدان الخليج من ازدهار ، والآن في تونس بصفة خاصة وبعد الثورة تغيرت الأوضاع والأمور تسير وفق ما هو مسطر لها في انتظار استكمال الموافقة على سنّ قوانين تنظم عمل المصارف التونسية سواء الإسلامية منها أو التقليدية لأننا نجد الآن عوائق قانونية أساسا وخاصة الجباية التي توظف على المعاملات في البنوك الإسلامية أكبر من التي توظف في معاملات البنوك التقليدية .

فوائد واضحة وجلية

أفاد الدكتور رضا سعد الله بوجود عديد الفوائد التي يمكن أن تلعبها الصيرفة الإسلامية ويستفيد منها الإقتصاد التونسي :quot; المصرفية الإسلامية لها ميزة الإستقرار الإقتصادي و المالي وكلما زادت جرعة تطبيق الإسلامية الإسلامية كلما أضفنا قوة و متانة وعوامل استقرار للإقتصاد التونسي .quot; مؤكدا على وجود جانب ثان :quot; إذا عدنا إلى الأساس وهو تحريم الربا بالتأكيد هناك شرائح في المجتمع التونسي تتفق مع هذا الرأي وتعتقد أن التعامل بالفوائد مع المصارف التقليدية هو تعامل محرم وبالتالي فإن كثيرا من المتعاملين سواء كانوا مدخرين أو مستثمرين يمتنعون عن الإنخراط في العمل الإقتصادي إذا لم توجد أمامهم إمكانية للتعامل بطريقة تتسق مع معتقداتهم ، وإيجاد المصرفية الإسلامية سوف يفتح الباب أمام الشرائح التي لم تكن منخرطة في الفعل الإقتصادي لتكون فاعلة في العمل الإقتصادي وهذا من شأنه أن يسرّع وتيرة التنمية ويفتح باب الإستثمار ومن ورائه التشغيل ، وهذا من الطبيعي أن تكون له فائدة واضحة وجلية للإقتصاد التونسي من وراء استخدام المصرفية الإسلاميةquot;.