أكد تقرير صادر عن المفتش العام لإعادة الاعمار في العراق أن الأميركيين لم يبنوا مشروعًا واحدًا من المشاريع التي تعهدوا ببناءها قبل عشرة سنوات، بالرغم من إنفاقهم 60 مليار دولار في هذا البلد، إنتهت في مستنقع الفساد العراقي.
إعداد عبد الاله مجيد: كتب المفتش العام لاعادة اعمار العراق تقريرا وداعيا عن مواطن الخلل في حملة اعادة البناء التي بدأتها الولايات المتحدة قبل عشر سنوات هذا الشهر وسط آمال عريضة ولكن بعد انفاق 60 مليار دولار انتهى بها المآل في مستنقع من الفساد وسوء الادارة.
ولعل أبرز ما يلفت النظر في التقرير الذي يعتبر تقييما لهذا المجهود هو آراء مسؤولين عراقيين الذين وجهوا انتقادات لاذعة لما ضاع من فرص. واعترف مسؤولون اميركيون كبار ببعض شكاوى العراقيين في التقرير الذي يُنشر الأربعاء ولكن بعضهم قال ان الولايات المتحدة تبدو وكأنها لم تفعل الكثير لأن حجم الطموحات كان مبالغا فيه.
وقال وكيل وزارة الداخلية العراقي عدنان الأسدي للمفتش العام الاميركي ستيوارت باون quot;بعد كل ما انفقته الولايات المتحدة من أموال تستطيع ان تذهب الى أي مدينة في العراق ولن ترى بناية واحدة أو مشروعا واحداquot; أنجزه الاميركيون. واضاف quot;تستطيع ان تحلق بمروحية حول بغداد ومدن أخرى ولكنك لا تستطيع ان تشير بالاصبع الى مشروع واحد بنته وأنجزته الولايات المتحدةquot;.
ويمثل رأي المسؤول العراقي نقدا اساسيا لتركة الاميركيين التي تبدت بشكل ساطع بعد انسحاب قواتهم القتالية في نهاية عام 2011.
وحتى قبل ان يخرج التقرير بخلاصاته كان الرأي السائد ان المسؤولين الاميركيين اضطلعوا بمهمات أكبر من طاقتهم وكانوا يتطلعون الى مساهمة عراقية غير متوفرة بالقدر الكافي ويحسبون حساب وجود عسكري اميركي مديد. وتقدم دروس العراق عبرة للاتعاظ بها في افغانستان حيث بدأ المسؤولون يخفضون مشاريع اعادة الاعمار غير العملية.
وكان رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي اعرب في لقاء مع المفتش العام الاميركي عن امتنانه لما استثمرته الولايات المتحدة في العراق ولكنه ابدى اسفه لهدر مليارات quot;كان من الممكن ان تحدث تغييرا كبيراquot; لو أُحسنت ادارتها. وقال المالكي ان الاميركيين كانوا احيانا متحمسين بافراط لإنفاق المال مشيرا الى اصرار الحكومة الاميركية ذات مرة على صرف 70 الف دولار لتنفيذ مشروع مدرسي رغم ان مدير المدرسة كان لا يريد إلا 10 آلاف دولار.
وقال رافع العيساوي وزير المالية المستقيل الذي عمل بصورة وثيقة مع المسؤولين الاميركيين ان الولايات المتحدة لم تنفذ مشاريع اعمارية متميزة وفي مدينته الفلوجة ما زال جسرها على نهر الفرات رمزا للسيطرة البريطانية في اوائل القرن العشرين. وبعد تدمير المدينة في معارك طاحنة مع مسلحي المقاومة ترك الاميركيون وراءهم منشأة لمعالجة مياه الصرف كلفت أكثر مما رُصد لها ولا تسد إلا نسبة ضئيلة من حاجة سكان المدينة.
وقال وزير العدل حسن الشمري ان الاميركيين قاموا بتمويل مشاريع صغيرة قرب قواعدهم ولكن قلة منها كانت قادرة على البقاء والاستمرار. ونقلت صحيفة واشنطن بوست عن الشمري قوله quot;لو كنتُ وزيرا في عام 2004 لأعطيتُ الاميركيين رؤية، فالرؤية كانت مفقودة، ونظراً لعدم وجود رسالة، لم تكن هناك اولوياتquot;.
واعترف اميركيون قابلهم معدو تقرير المفتش العام الاميركي بغياب التنسيق. وقالت عضو مجلس الشيوخ الاميركي عن الحزب الديمقراطي كلير ماكاسكل ان التنسيق بين الوكالات الاميركية المختلفة quot;كان فشلا ذريعا مطلقاquot; وان الأقسام الحكومية كانت تؤدي مهمات متعارضة.
وذهب وزير الدفاع الاميركي السابق ليون بانيتا الى ان الجيش الاميركي أُقحِم في دور اعماري لم يكن مهيئا له. واضاف quot;ان الجيش الاميركي كان في العراق لخوض حربquot;.
وقال مسؤولون اميركيون ان المخططين لم يأخذوا في الاعتبار ان العراق قد لا يسمح ببقاء قوات اميركية بعد عام 2010. واشار السفير السابق كريستوفر هيل الذي عمل في بغداد عامي 2009 و2010 الى ان المسؤولين الاميركيين كانوا مهووسين بمعدلات الانفاق كمعيار للانجاز اثناء رحيل القوات.
وقال سلفه راين كروكر ان احد الأخطاء الأساسية كان عدم تأمين دعم العراقيين للمشاريع باهظة الكلفة. واضاف ان العراقيين كانوا احيانا يبدون وكأنهم يعبرون عن دعمهم quot;بهزة من الرأسquot; اثناء الاجتماعات في حين انهم في الحقيقة لم يكونوا مهمتمين بهذه المشاريع.
وأكد المفتش العام باون ان الولايات المتحدة لم تستثمر ما يكفي في برامج بناء القدرات التي كان من الممكن ان تعزز مؤسسات الحكم الوليدة في العراق. ويكدس العراق الآن ثروة نفطية طائلة ولكن بناءه السياسي والمؤسسي أبعد من ان يكون بناء متينا. ونقلت صحيفة واشنطن بوست عن باون قوله ان العراق quot;ليس قريبا من التحول الى دولة فاشلة ولكنه بلد محفوف بتحديات كبيرة في هذا الوقت تتطلب مصالحة وتوافقا وإشراك مجموعة واسعة من الشرائح التي جرى استبعادها خلال العامين الماضيينquot;.








التعليقات