أثرت أزمة سوريا والعقوبات على إيران سلبًا في القطاع المصرفي العراقي، المنهك أصلًا، كما شلّت الاحتجاجات الداخلية عملياته اليومية. وذلك يضاف إلى عجز القطاع المصرفي عن جذب رؤوس الأموال لعدم ثقة المصارف العالمية به.


بغداد: يعاني القطاع المصرفي العراقي بشكل متزايد من تأثيرات الازمات السياسية المتلاحقة في البلاد والمنطقة المجاورة، فيما فرضت الاحتجاجات الحالية في المدن الغربية عوائق أمام قدرة القطاع على تطوير نفسه وتلبية حاجات المواطنين المصرفية والمالية. ففي هذه المدن، بدا القطاع المصرفي مشلولًا إلى حد انحسر معه الكثير من التعاملات المالية اليومية.

ويؤكد مصرفيون عراقيون تأثر القطاع بالعقوبات الدولية على ايران، كما تركت الاحداث في سوريا آثارها على الأعمال المصرفية الاستهلاكية.

عجز أمام المنافسة

يشير الخبير المصرفي سعدون الطائي إلى أن مصارف العراق في الاصل تعاني عجزًا كبيرًا في القدرة على جذب رؤوس الاموال بشكل واسع من مختلف أنحاء العالم، مؤكدًا أن الكثير من البنوك والشركات، اضافة إلى دول متعددة، تتردد في عقد صفقات مع البنوك العراقية.

وبسبب الازمات السياسية الداخلية مثلما الخارجية، فإن أرباح قطاع المال والمصارف في العراق تسجّل نسبًا متفاوتة، لكن النمو في هذا القطاع أفضل، مقارنة بالسنوات التي تلت العام 2003.

ويثير الطائي الانتباه إلى أن القطاع المصرفي العراقي جزء من المنظومة الاقتصادية العالمية، فإنه يستطيع الاحتفاظ بكتلة نقدية كبيرة بسبب صادرات النفط، quot;لكنه للأسف يتركز في اغلب فعالياته المالية على الداخل في القطاعين العام والخاص، اما تعاملاته مع البنوك الخارجية فما زالت دون مستوى الطموح، ولهذه الأسباب مجتمعة ترى أن الودائع في البنوك العراقية متواضعة الارقام مقارنة بدول المنطقةquot;.

يضيف: quot;ما زالت المصارف العراقية تعاني منافسة المصارف الاقليمية، على الرغم من وجود أزمات في تلك البلدان، وأحد الأمثلة على عدم كفاءة القطاع المصرفي في العراق عجزه عن جذب رؤوس الاموال من مناطق الاضطرابات في العالم العربي، إذ كان من المفترض أن يتمكن من كسب الكثير، لكن يبدو أن رؤوس الاموال ترى طريقًا افضل لها إلى مصارف دول الخليج العربي على وجه التحديدquot;.

دكاكين للصرافة

لكن الخبير المالي طارق الحسني يشير إلى أن السبب الرئيسي في عدم قدرة القطاع المصرفي العراقي على تبوّء مراكز متقدمة بين القطاعات المصرفية في المنطقة يعود إلى التخلف في التقنيات وإلى سوء الادارة والبيروقراطية.

ويصف الحسني البنوك العراقية بأنها مجرد دكاكين للصرافة، لا يمكنها التعامل بصور متكافئة مع البنوك العالمية.

ويُعتبر مصرفا الرافدين والرشيد الحكوميان العمود الفقري للقطاع المصرفي العراقي، اضافة إلى عدد من المصارف الحكومية المتخصصة منها المصرف العقاري والإشتراكي والزراعي والصناعي والتجاري، ومصارف القطاع الخاص، وعدد قليل من المصارف العربية والأجنبية.

يشكل القطاع الحكومي نحو 90 في المئة من الفعاليات المصرفية. ولتأسيس مصرف في العراق فإن الشرط هو توافر رأس مال بحدود 85 مليون دولار أميركي، كشرط لمزاولة العمل.

وما زال الاقتصاد العراقي بعد سنوات من سقوط نظام الرئيس العراقي الراحل صدام حسين في العام 2003 يعاني من هروب الاموال إلى الخارج، على الرغم من اتخاذ الجهات المختصة إجراءات تعزز دور القطاع المصرفي، عبر تحرير أسعار الفائدة، ومنح المصارف حرية تحديد ذلك، إضافة إلى تشجيع تأسيس المصارف الخاصة.

عدم ثقة

من جهته، يشير الدكتور نافع سعيد، الاستاذ في الاقتصاد، إلى أن إجمالي موجودات القطاع المصرفي في العراق يقترب من ملياري دولار بحسب تقديرات البنك الدولي، وهو رقم متواضع يدل على هامشية دور هذا القطاع في الاقتصاد العراقي.

ويعتقد سعيد أن بلدًا مثل العراق يبدو بعيدًا في المستقبل عن تحقيق أي طفرة في الخدمات المصرفية، إذا ما اخذنا في الاعتبار أن نحو 80 في المئة من العراقيين لا يملكون حسابات مصرفية. فالتاجر عمار جبار لا يثق بالبنوك، ويفضل التعامل إلى الآن برزم النقد الكبيرة، حاله حال كثيرين يسيرون فعالياتهم التجارية والمالية بهذه الطريقة غير الآمنة.

حيدر علي، صاحب مكتب صيرفة في مدينة كربلاء، يؤكد تأثر الاعمال المصرفية في القطاعين الخاص والحكومي بالعقوبات المالية الدولية المفروضة على إيران. يتابع: quot;في الفترة الأخيرة، لمسنا تأثرًا كبيرًا بالأحداث في سوريا، حيث كان يزور المناطق الدينية في العراق الكثير من اللبنانيين والسوريين ايضًاquot;.

وبسبب حالة عدم الثقة التي تسود القطاع المصرفي، خسر التجّار العراقيون في تعاملاتهم المالية مع الشركات والمصارف الايرانية. احد هؤلاء سعيد حسين، الذي خسر 80 الف دولار بعد افلاس بنك إيراني، بسبب تذبذب قيمة العملة الايرانية. وبحسب سعيد، فإن أغلب الأثرياء في العراق ما زالوا يفضلون إيداع أموالهم في المصارف الاجنبية.