منذ العام 2003 طرأ تغيير كبير على النظام الاجتماعي العراقي مرتبط بالتغيير الاقتصادي وارتفاع مستوى القدرة الشرائية للعراقيين مقارنة بالفترة السابقة للتغيير السياسي في البلاد.


الانخفاض في البطالة بدأ ملامحه ينعكس على تصرفات الناس الشرائية

وسيم باسم من بغداد: يرى كريم الخفاجي، الذي يعمل مدرسًا ويدير مكتبًا للصيرفة، بعد انتهاء الدوام الرسمي، أن شعوره بضياع الوقت وعدم تمكنه من بذل المزيد من الانتباه إلى عائلته هو ضريبة يدفعها الكثير من العراقيين نتيجة للازدهار الاقتصادي الذي يعمّ البلاد.

ويتفق معظم العراقيين على أن هناك تحسنًا في الحالة الاقتصادية، وانخفاضًا في البطالة بدأت ملامحه ينعكس على تصرفات الناس. ويتابع الخفاجي: نعيش اليوم في بحبوحة اقتصادية، لكن يتوجب علينا التصرف الصحيح لتقوية الاقتصاد وعدم إهدار الوقت والمال.

يعترف الكثير من أصحاب المصالح أن الانتعاش الاقتصادي ينعكس بشكل واضح على أعمالهم، فمعدل تصريف السلع يزداد، وهناك قدرة شرائية كبيرة، ومقابل ذلك، فإن المواطن العراقي لابد أن يخط لنفسه سياسة تبعده عن التعود على نمط استهلاكي سلبي.

انقلاب اجتماعي
الباحث الاجتماعي قاسم محمد يعتبر المرحلة بعد العام 2003، ليست مرحلة تغيير سياسي فحسب، بل إن هناك انقلابًا اجتماعيًا واقتصاديًا يحدث في العراق. ويتابع: فتح التغيير آفاقًا اقتصادية وإعلامية واجتماعية جديدة، وأحد ثمار التغيير الرواتب الجيدة التي يحظى بها الموظفون في الدولة.

وتشير بيانات للبنك المركزي العراقي نشرت هذا الأسبوع، أن معدل دخل الفرد سيرتفع في السنوات الخمس المقبلة من 4 آلاف دولار سنوياً إلى 8 آلاف. ويأمل الباحث الاقتصادي والأكاديمي في جامعة بابل نادر عبد، أن يشمل التحسن الفئات الاجتماعية الضعيفة اقتصاديًا.

ورغم أن مظاهر الترف بدأت تظهر أيضًا على حياة الفقراء، إلا أنها واضحة بشكل أكثر بين الموظفين والتجار. وتشير صابرين كاظم (معلمة) إلى أن راتبها زاد أضعافًا مضاعفة عما هي الحال قبل 2003. وتتابع: كنت أتقاضى شهريًا ما يعادل العشرين دولارًا. أما اليوم فإن راتبي يصل إلى الألف دولار شهريًا.

تبين صابرين كيف أن تحسن المستوى الاقتصادي غيّر الكثير من المظاهر الاجتماعية السائدة. فإلى وقت قريب، كان البعض ينظر إلى الموظف، نظرة عطف ndash; بحسب صابرين - بسبب سوء وضعه الاقتصادي. أما اليوم فإن الرواتب الجيدة أعادت إلى الموظف هيبته.

تتذكر صابرين كيف أن الظروف الاقتصادية التي مرت بها المعلمات على سبيل المثال قبل عام 2003 دفعتهن إلى الزواج حتى بأشخاص أميين لكنهم أصحاب مصالح، بغية تأمين لقمة العيش.

قطاع التعليم يسترد عافيته
تؤيد المدرسة هيفاء أحمد، ذلك، حيث تقول إن قطاع التعليم يسترد عافيته مثلما تستعيد المدرسات هيبتهن، إذ أصبحت للشهادة الأكاديمية قيمة في المجتمع بعدما كانت سياسات النظام السابق تقوم على إذلال أصحاب الشهادات، وكان الموظف يتقاضى راتبًا شهريًا يكفي لشراء كيلو من اللحم فقط.

وتروي هيفاء أن هذا تسبب بهجرة الكثير من زملائها وزميلاتها إلى خارج العراق للتدريس في دول الخليج واليمن وليبيا. أما اليوم فإن العكس يحدث تمامًا، فمعظم هؤلاء عادوا إلى العراق، ويرغبون في العودة إلى وظائفهم بأسرع وقت.

يتوقع الباحث الاقتصادي أحمد كامل أن يستعيد العراق عافيته، وأن تبلغ مستويات دخل الفرد أعلى المعدلات في المنطقة، إذا ما استمر التوسع في تصدير النفط، وتحسن الزراعة وتأهيل المعامل الصناعية.

ومن الظواهر الجديدة التي يلمسها المواطن العراقي عودة المغتربين، الذين يعيشون في الدول المجاورة والدول الأخرى، بعدما أتاحت لهم البحبوحة الاقتصادية الحصول على فرصة عمل والاستثمار في القطاعات المختلفة.

اقتصاد الحرب
منذ نحو جيلين أو ثلاثة، رضخ العراقي لضيق الحال بسبب اقتصاد الحرب، الذي انتهجه النظام السابق، ورفع له شعار (كل شيء من أجل المعركة). ولجأ الكثير من العاملين في القطاع الحكومي إلى ترك وظائفهم، متجهين إلى الأعمال الحرة الشاقة بغية تأمين لقمة العيش.

يقول أحمد عبيد طالب الماجستير في جامعة كربلاء (108 كم جنوب غرب بغداد) إن ثروة العراق النفطية تغيّر اليوم نمط الحياة، كما إن تركيز السياسات الحكومية على تنمية المجتمع بدلاً من التسليح، أتاح استحداث وظائف جديدة، إضافة إلى تأسيس اتجاهات جديدة في العمل، لم تكن موجودة مسبقا، مثل حقول الإعلان وتقنيات الاتصال ومحلات الصيرفة والبنوك الأهلية، إضافة الى الجامعات الكثيرة، ما أتاح وظائف مناسبة في مؤسسات حكومية أو قطاع خاص.

ويقول المهندس المدني موسى محمد ان قطاع المقاولات يشهد انتعاشا كبيرا بسبب كثرة المشاريع في غالبية مدن العراق، ما ساهم في تشجيع المقاولين والمهندسين على الاستثمار.

يشير الباحث الاجتماعي توفيق الجبوري إلى أن تحسن المستوى الاقتصادي أدى إلى توطيد السلم الاجتماعي، الذي شهد اضطرابًا واسعًا طيلة سنوات بعد عام 2003.

مقابل الايجابيات الكثيرة التي يحفل بها العراق، فان ارتفاع معدل الدخل وانشغال الناس بالوظائف والمصالح اضعف العلاقات الاجتماعية، وفي الوقت نفسه نشر ثقافة وجبات الأكل السريعة. ويعترف أمين الزبيدي (صاحب مطعم) انه اضطر الى توسيع نطاق عمله وزيادة عدد العمال بعدما ازدادت الوجبات الغذائية التي تطلبها الأسر.

يتابع: تميل الأسرة العراقية يوما بعد يوم الى عدم الطبخ في البيت، وتفضل اللجوء الى المطاعم لتأمين وجبات الطعام، لاسيما بين الموظفين. وتنتشر مطاعم الوجبات السريعة في غالبية مدن العراق لاسيما بغداد، لتصبح جزءًا من الثقافة الاجتماعية للعراقيين. ومن مظاهر تحسن مستوى دخل الفرد في العراق انتشار (المولات) التسويقية كظاهرة، والتي تعكس تحسن المستوى الاقتصادي.

غابت المجمعات التسويقية الكبرى عن مدن العراق طيلة عقود، لاسيما منذ نهاية السبعينات حين نشبت الحرب العراقية الإيرانية (1980 - 1988) لينحسر تمامًا دور الأسواق المركزية التي شهدها العراق. ومن اهم مظاهر الترف الاقتصادي، بحسب الباحثة الاجتماعية كوثر سالم، انتشار الخدامات في البيوت، وفتور العلاقات الأسرية بسبب تسارع وتيرة الحياة.