ابرز مظاهر الاحتيال في العراق هي الجمعيات والشركات الوهمية التي تمارس فعالياتها المالية امام الجميع لانها تغطي اعمالها برداء شرعية غير حقيقي، حتى اذا تم اكتشاف امرها ، يشرع القائمون على امرها الى الهرب وبحوزتهم الاموال.


بغداد: لم تزل الكثير من الشركات الوهمية تعمل في العراق وتحتال على المواطنين رغم التحذيرات عبر الصحافة والإعلام ونصائح منظمات المجتمع المدني للمواطن من نتائج استجابته للمغريات التي تقدمها اصحاب تلك الشركات . قيس مجيد (معلم) هو احدى ضحايا العقود الوهمية ، اذ استثمر ما جناه طيلة سنين عبر توظيف الاموال في شركة تتاجر بالعقارات .

ويقول احمد: quot;اوحى لي القائمون على اعمال الشركة انهم سجلوا باسمي قطعتي ارض وسلموني المستندات التي تؤكد ذلك ، لكن تبين بعد فوات الاوان ، ان المستندات مزورة ، فقد اختفى متعهدو الشركة بشكل نهائي ، ليخسر مجيد بذلك كل اموالهquot;.

الشعور بالصدمة

وبحسب احمد، فإن الشركة التي جمعت آلاف الدولارات ، لم يعثر على اثر لمالكيها من أربع سنوات رغم ان اغلب الوسطاء الذين يتعاملون معها موجودون الان لكنهم لا يقدمون تفسيرا لما حدث سوى الشعور بالصدمة من احتيال كبير لم يكتشفه احد الا بعد فوات الاوان. لكن تحقيقات الشرطة اثبتت بحسب العقيد سامي رضا ان الفاعلين فروا الى خارج العراق وبحوزتهم اموال الناس .

ويشير رضا الى الكثير من ضحايا الشركات الوهمية الذين لم يخسروا اموالهم فحسب بل خسروا صحتهم وراحتهم وسبب لهم ذلك امراضا عقلية وذهنية ، بل ان بعضهم توفي من جراء صدمة الخسارة .

شركات السيارات

وابرز عمليات الاحتيال في العراق اليوم هي الشركات التي تبيع السيارات بالأقساط ، والتي انتشرت بعد عام 2003 عبر دفع نصف سعر السيارة على ان يسدد بقية المبلغ بالتقسيط المريح وعلى شكل دفعات كل شهر . ويؤكد احمد حسن ان مشتري السيارة بالإقساط يدفع حوالى 4 ملايين دينار ، مقابل ما يحصل عليه من أوراق ووثائق مزورة . وفي اغلب عمليات الاحتيال التي تحدث يستوي الناصب والمنصوب عليه في الطمع بالربح السريع، فيأخذ الأول بذكائه مال الثاني الراضي بجهله.

الهرب في الوقت المناسب

ويؤكد الباحث الاجتماعي قيصر الجنابي ان أبرز مظاهر الاحتيال في العراق هي الجمعيات والشركات الوهمية التي تمارس فعالياتها المالية امام الجميع لانها تغطي اعمالها برداء شرعية غير حقيقي ، حتى اذا تم اكتشاف امرها ، يشرع القائمون على امرها الى الهرب وبحوزتهم الاموال . ويتابع : quot;هؤلاء يكونون دائما على اهبة الفرار لانهم يعرفون ان امرهم سيفتضح في وقت ماquot; .

وغالبا ما تنتشر تلك الشركات تحت اسم الشركة الأم المعروفة ، بحسب المحامي موسى محمد ، وتثبت ذلك عبر وثائق وكتب رسمية مزورة ، ما يتيح لها العمل لوقت معين .

ورغم الحذر المتزايد من المواطنين ، الا ان هناك المزيد من الضحايا يوميا ، تضج بهم المحاكم ومراكز الشرطة . تتحدث ام ايمن عن مشاركتها جمعية اسستها شخصية نسائية تجمع اموال النساء ، وبعدما نجحت الجمعيةفي جمع آلاف الدولارت التي هي في اغلبها مدخرات ورواتب لمحدودي الدخل ، هربت المرأة الى الاردن .

ويرجع مصرّف العملة سعدون حسن استمرار المواطن في المشاركة في مثل هذه النشاطات رغم الفضائح المالية التي تسببت بها الى الرغبة في تحقيق ارباح سريعة وطائلة، ستغير من حياته . ويضيف سعد: quot;اغلب الشركات الوهمية تعتمد اسلوب الاستثمارات غير محددة المعالم عبر التجارة . ليس كل اصحاب هذه الشركات هدفهم النصب بقدر الربح السريع ، لكن قلة خبرتهم تجعلهم يحشرون الاموال في مشاريع فاشلة ، ما يضطرهم الى الهرب والاختفاء وبحوزتهم ما تبقى من اموال الناسquot; .

ويعتقد الاكاديمي في الاقتصاد كاظم السنيد ان سياسات الدولة في الاقتصاد المفتوح والسوق الحرة اتاح للقطاع الخاص حرية التعاملات التجارية حيث استغل البعض ذلك عبر تأسيس الشركات الوهمية التي اسست للجريمة الاقتصادية التي يعاني منها اليوم المواطن العراقي والاقتصاد على حد سواء .

وهم الربح السريع

وفي مدينة النجف ( 160 كم جنوبي بغداد) ، يتذكر البعض الحاج ابو حيدر الذي فرّ الى جهة مجهولة خارج العراق مع رؤوس الأموال التي جمعها. واوهم ابو حيدر الناس باستثمارات في العقارات ومشاريع الاعمار ، ونجح عبر اشهر في منح المستثمرين معه ارباحا جيدة ، حتى ذاع صيته ما شجع الناس على الاستثمار في مشاريعه ، ولاسيما انه أوحى للناس بعلاقاته الواسعة مع المسؤولين وأصحاب القرار ، و نجح في جمع مئات الآلاف من الدولارات ، ليختفي بعد ذلك .

ومن ضحايا الوهم بالربح السريع، ابو علي من كربلاء (108 كم جنوب غربي بغداد) الذي باع بيته ليستثمر أمواله في شركة وهمية في بغداد بناء على نصيحة قريب له يعمل في تلك الشركة ، اذا تبين فيما بعد انه وقريبه كان ضحية عملية احتمال ، فرغم ان قريبه يعمل وسيطا لتلك الشركة الا انه لم يدرك ان الامر كله كان احتيالا كبيرا وان الشركة استغلت رغبته في تنمية ثروته بغية شراء بيت أفضل.

المحامي كاظم شاطر يؤكد ان عشرات دعاوى الاحتيال تنتظر القول الفصل من القضاء ، مؤكدا ان بعض هذه الشركات عابرة للحدود وبحسب ما صرحت به مصادر اردنية لوسائل الاعلام مطلع العام الجاري، ان عشرات الشركات الوهمية مسجلة على الورق في المؤسسات والوزارات الاردنية ، تتبع لشخصيات عراقية بالدرجة الاولى ، وان لتلك الشركات ملفات وسجلات في العراق تحت ذات المسمى، وبوظيفة واحده هي فن النصب والاحتيال والسرقة والنهب والسلب والتحايل . ويتابع شاطر: quot;المشكلة ان اغلب المتهمين غير موجودين داخل العراق بل ان بعضهم لم تتمكن الجهات المختصة من تحديد هويتهquot;.

ويضيف: quot;يستعين المحتالون بشعارات انسانية وحتى دينية لتمرير اهدافهم ، لكي يقنعوا الناس بالمشاركة في فعالياتهم. ووظف ابو رحمن ( أعمال حرة ) مبلغ ثلاثين الف دولار في مشاريع اعمار تقوم بها شرطة في جنوب العراق ، لكن اصحاب الشركة ما لبثتوا ان هربوا بالأموال الى خارج العراقquot;.

شركات توظيف الأموال

الجدير بالذكر ان شركات توظيف الأموال انتشرت في معظم البلدان العربية منذ منتصف السبعينات ، عندما تضاعفت أسعار النفط، وازدادت دخول الافراد ، لكنها ازدهرت في العراق بصورة خاصة بعد عام 2003 بحسب الباحث الاقتصادي زاهر الزبيدي الموظف في بنك الرافدين . وفي السنوات الاخيرة وقع عراقيون فريسة التحايل الالكتروني عبر التعاملات التجارية الوهمية في (الانترنت) .

ولا يستبعد رسول الطائي (تاجر ومدرس متقاعد ) ان يقف وراء عمليات الاحتيال موظفون حكوميون يسهلون لتلك الشركات تمرير اوراقها المزورة بطريقة ( شرعية ) حيث يوفرون غطاء لها لكي تنجح في التوصل الى أهدافها في جمع اكبر قدر ممكن من أموال الضحايا لتختفي عن الأنظار في رمشة عين ، من دون ان تترك أثرا يدل عليها .

يرى المحامي والخبير القانوني سعد الشريفي ان من الضروري تفعيل دور منظمات المجتمع المدني والمؤسسات الاجتماعية والصحية لمعالجة ضحايا التزوير والفساد ، وإعادة تأهيلهم في المجتمع ، والخطوة الاهم في محاربة الاحتيال ، تعزيز وتفعيل قوانين وأنظمة حماية المستثمرين. لكن الشريفي يحمل المواطن المسؤولية أيضا ، في الانجرار وراء الرغبة في الاثراء السريع ، حيث يجد ضالته في هذه الشركات التي تغريه بتحقيق هدفه بأرباح سريعة عالية .