الأسواق العراقية تعاني الإغراق بالسلع الرديئة

يشهد العراق إغراقاً سلعياً ببضاعة من مختلف المناشئ ودرجات الجودة، لكن الرديء هو الغالب دائماً بسبب سهولة التداول بالبضاعة الرخيصة، إذ إن كلفتها في متناول الجميع لكن أضرارها الاقتصادية والصحية والبيئية كبيرة.


بغداد: يشير الخبير الاقتصادي محمد حسن من غرفة تجارة كربلاء الى أن اغلب البضاعة المستوردة إلى العراق لم يخضع لبرنامج استيراد مسيطر عليه من قبل الدولة.

وبحسب حسن، فإن عمليات الاستيراد أضحت في الغالب جهوداً فردية محضة من قبل أفراد أصبحوا فجأة تجاراً، من دون خبرة كافية أو دراسة أكاديمية تؤهلهم للعب الدور المطلوب في تنمية الاقتصاد والمساهمة في توفير الحاجات الضرورية للفرد بأقل ما يمكن من الأضرار الصحية والاجتماعية.

ويتجه أفراد عراقيون منفردون إلى دول مثل الصين وكوريا واندونيسيا لاستيراد بضائع تكون في الغالب رديئة النوعية، ومما يسهل ذلك غياب السيطرة النوعية عبر المنافذ الحدودية وشيوع الرشوة .

انحسار الصناعات المحلية

وفي متجر ابو خالد في الديوانية (193 كلم جنوبي بغداد)، لا تجد سوى أجهزة كهربائية ذات المنشأ الصيني والسوري والكوري والإيراني، حيث يؤكد أن المنتجات اليابانية أو الأوروبية أو الأميركية نادرة بسبب غياب استيرادها. وبحسب ما يروي له التجار، فإن استيرادها مكلف جداً.

وشهد العراق منذ العام 2003 اتجاه الكثير من الفعاليات التجارية الى الاستيراد في ظل انحسار واضح للصناعات المحلية.

وتشير جولات ميدانية في الاسواق الى انحسار واضح للإنتاج المحلي ، وتضاؤل دور القطاع الخاص مقابل تنامي دور التاجر الصغير.

وفي خطوة لإغلاق منافذ الاستيراد العشوائي ، عملت وزارة التجارة العام 2011 على شمول جميع المواد المستوردة، بإجازات الاستيراد، للحد من دخول البضائع والسلع بشكل عشوائي.

واختص علاء كريم في استيراد أدوية ومستلزمات طبية طيلة خمس سنوات، حيث يؤكد أن التجار وفرواللأسواق الكثير من المستلزمات والحاجات الضرورية وبأرخص الأسعار، حيث عجزت الدولة عن توفيرها لاسيما بعد العام 2003.

رؤوس أموال كبيرة

وينفي كريم تعمد التجار استيراد بضاعة رديئة بأسعار بسيطة بغية الكسب السريع . ويقول: quot;لكل بضاعة ثمنها، والبضاعة الرخيصة لها مواصفات نوعية هي أقل من البضاعة المرتفعة السعرquot;.

وبحسب تجربة كريم، فإن الناس تقبل على البضاعة الرخيصة وإن كانت نوعيتها أقل مستوى من البضاعة المصنفة كمستوى أول.

وبحسب سعيد حسن من غرفة تجارة بابل (100 كم جنوب بغداد)، فإن الاستيراد من شركات كبرى معروفة لا يتم الا عبر دول ومؤسسات ورجال أعمال معروفين، أصحاب رؤوس أموال كبيرة، اذ إن الشركات الكبرى ذات الماركات العالمية لا تتعامل مع تجار صغار يجوبون الدول بصورة فردية.

ويتابع: quot;الطريق الوحيد المفتوح أمام الاستيراد ( الفردي ) هو الشركات الصغيرة والمعامل التي تقلد (الماركات) الاصلية والمنتشرة بكثرة في جنوب شرق آسياquot;، ويشير حسن الى أن العملة الصعبة غالباً ما تتسرب الى الجوار عبر صفقات تجارية بين التجار.

ويبلغ حجم التبادل التجاري ما بين العراق وإيران وتركيا نحو (10) مليارات دولار سنوياً، بينما مع سوريا يبلغ (5) مليارات دولار خلال العام 2011 ، مما يؤشر على حجم استنزاف العملة الصعبة، لأن التوازن التجاري يميل بكفته لصالح تلك الدول.

المواد الغذائية الفاسدة

من جانبه، يشير المواطن عصام الاسدي الى أن السوق تزخر بالكثير من المواد الغذائية الفاسدة من دون علم الجهات الرقابية التي لا يمكن لها مهما اجتهدت من السيطرة على حركة البضاعة الرديئة في السوق.

وفي سوق الباب الشرقي في بغداد، يبيع الفتى عصام حسن أجبان ( كيرى)، لم يبقَ على انتهاء صلاحيتها سوى يوم واحد، ويقول عصام إن مصدر هذه الأجبان مخازن غذائية،تقوم بتوزيعها على مختلف مناطق بغداد والمحافظات بسعر أقل بغية تصريفها بسرعة قبل انتهاء موعدها.

ويختص عصام، إضافة الى مجموعة من الشباب، ببيع المواد الغذائية التي توشك صلاحيتها في الاستعمال على النفاذ، بينها مشتقات الحليب إضافة الى اللحوم والمواد الغذائية المعلبة.

لكن عصام يبرر ما يفعله لأن التاريخ الموضوع لا يعني أن البضاعة فاسدة، فثمة مجال لأن تكون صالحة للاستعمال بعد شهرين أو ثلاثة من تاريخ الانتهاء، ويرفض عصام المزاعم التي تقول بأن بعض البائعين يروج للبضاعة عبر وضع زمن صلاحية مغاير للتاريخ الأصلي، ويضيف: quot;لم أفعل ذلك في حياتي أبداً لأنه يفقد ثقة الزبون بنا، إضافة الى أنه مخالف للدين والشرع والأخلاقquot;.

مقبرة لـquot;سكراب العالمquot;

وبحسب تقارير اقتصادية، فإن العراق أصبح في فترة قصيرة منذ العام 2003 مقبرة لـ(سكراب العالم) ، حيث استوردت آلاف السيارات المنتهية الأعمار الى العراق، إضافة الى قطع غيار مصدرها السيارات ( الميتة ) في أوروبا والدول المجاورة.

لكن امين المعتصم، صاحب متجر في كربلاء، يؤكد أنه اكتشف الكثير من البضائع المنتهية الصلاحية ، لكن تجارها غيروا تاريخ الصنع وبلد المنشأ.

ويشير الخبير الاقتصادي امين حسن الى أن استمرار الاستيراد غير المنضبط سيحول العراق الى quot;مزبلةquot; للبضائع الفاسدة، ويؤكد حسن على أن السوق العراقية quot; مخترقة quot; من قبل الاجندة الاقتصادية والسياسية للدول المجاورة ، في محاولة منها لإضعاف الاقتصاد العراقي، وإبقائه إقتصاداً إستهلاكياً، وتوفير فرصة التأثير في القرار السياسي العراقي.

ويرى حسن أن العراق يخسر سنوياً أموالاً طائلة جراء الاستيراد بالعملة الصعبة، حيث يشير الى أن الحل الامثل هو في تنظيف السوق العراقية من البضاعة الفاسدة عبر فرض عقوبات على التجار الفاسدين ، وتطبيق قوانين التعرفة الجمركية، و تفعيل دور السيطرة النوعية عبر المنافذ الحدودية وتشديد الرقابة وفحوصات النوعية عبر زيارات مكوكية الى الأسواق.