وسيم باسم من بغداد: يؤجّل محمد عصام (27 سنة) مشروع زواجه إلى حين تمكنه من استئجار شقة وُعِد بها بعد أربعة اشهر، ورغم أن دخله الشهري يبلع نحو أربعمائة دولار، إلا أنه يضطر الى دفع ثمن قسط الإيجار الشهري البالغ ثلاثمائة دولار.

وفي ظل تفاقم أزمة السكن العراق، حيث تشير تخمينات الى ان نحو مليوني وحدة سكنية سيحتاجها العراق لتقليل الزحام السكاني والحد من عدد الأسر التي لا تملك سكنًا، فان وعود المشاريع التي تطلقها الحكومة تمثل بارقة أمل لكثيرين.

وبحسب كريم لفتة المدرس في مدرسة إعدادية فإن الكثير من الوعود لم تتحقق، مما يضعف من مصداقيتها لدى كثيرين. ويصرح مسؤولون في مناسبات عدة بأن هناك مشاريع إسكان عملاقة سيتم انجازها، لكن الروتين والفساد والإجراءات الروتينية يعطل الكثير من المشاريع ويمدد من فترة الانجاز الزمنية المخطط لها.

25 % من العراقيين من دون سقف
وتشير تخمينات الى ان حوالى خمس وعشرين بالمائة من العراقيين يعيشون من دون سقف، وفي الوقت نفسه فإن هناك خطة خمسية
أعدتها وزارة الإعمار والإسكان لبناء مجمعات سكنية في مختلف أنحاء العراق، تتضمن حلولاً متكاملة لمعالجة أزمة السكن كما يقول المسؤولون، عبر بناء مجمعات السكنية في فترة تمتد إلى عام 2015.

ويعزي الكثير من المواطنين العراقيين تعثر مشاريع الإسكان الى الفساد، حيث يقول فارس عيدان، وهو مدرس يحلم ببيت متواضع يمتلكه، ان
ما يزرع اليأس في النفوس هو طغيان فكرة سلبية داخل المجتمع، مفادها انه لا يمكن لأي شخص الحصول على حقه من دون أي مقابل. ويتابع: الكثير من أصحاب الكراسي يعدون المناصب فرصة سانحة لتحقيق المكاسب.

الفوارق الاجتماعية الهائلة
وفي مدينة غنية بمواردها الاقتصادية، لاسيما السياحية مثل النجف، ( 160 كم جنوب بغداد)، يتخذ بعض السكان من المقابر سكنًا لهم. ورغم ان الجهات المسؤولة تمكنت من إعادة إسكان بعض سكان المقابر، الا ان أعدادًا جديدة اتخذت من مقبرة السلام مساكن لها. ومازال ابو حسين يعيش في باحة قبر هو وأطفاله الأربعة بعدما فقد القدرة على تأمين منزل في المدينة.

أما منزل كريم محسن في بابل (100 كم جنوب بغداد) وعامل بناء طاعن في السن، فهو عبارة عن سيارة زودها بمستلزمات السكن مثل السرير وأدوات الطهي. ويتأمل كريم القصور الشاهقة التي بنيت على مسافة نصف كيلومتر من مسكنه المتواضع قائلاً: في كل يوم ترتفع قصور فخمة حيث يتساءل: من أين يأتي الناس بكل هذه الأموال؟.

لا يجد كريم جوابًا لسؤاله، ويجد أنه من العبث البحث عن أسباب الفوارق الاجتماعية الهائلة بينه وبين أصحاب القصور. ويتابع: حلمت منذ طفولتي ببيت، فعائلتي لم تكن تملك بيتًا، وها أنا ذا أيضًا لا امتلك حتى قطعة أرض. ويتساءل كريم مع نفسه في ما إذا كان الفقر متوارثًا.
لكن تاجر العقار سليم الأسدي، الذي يمتلك أراضي وعقارات عدة، يقول انه بدأ عمله بقطعة ارض، وبيع وشراء العقارات، وقد خدمه الحظ مرات عدة حتى تضخمت ثروته. وينظر الأسدي الى مستقبل أزمة السكن في مدن العراق الى أنها أزمة مستديمة بسبب قلة المشاريع المنفذة على ارض الواقع.

من جانبه يشير المهندس المعماري غسان جواد الى أن سوء التخطيط، وإتباع الطرق القديمة والتقليدية في البناء يؤجل حلول مشاكل السكن.
وبحسب جواد فإن المواطن العراقي يقضي عمره في بناء قصر كبير لا يحتاجه في غالب الأحيان.

مبالغة في البناء
ومن عادة كل عراقي بناء مسكن ضخم مزود بالحديد المسلح والطابوق والأسمنت، عبر رحلة تستمد لعشرات السنين من البناء حتى اذا اكتمل ، فإما ان يعرضه للبيع، بغية التجارة او يتركه لأبنائه الذين بدورهم يبدؤون رحلتهم في بناء مساكنهم الخاصة. وغالبًا ما يكون بيت الأسرة من حصة الورثة الذين يتقاسمون الحصة.

ولا يميل الأسدي، يشاركه في ذلك بعض تجار العقار ومقاولي البناء، الى فكرة ان تجار العقارات والأراضي يتسببون في رفع قيمة الأراضي عبر بيعها لاحقا عندما ترتفع قيمتها. ويحثّ الأسدي الحكومة على بناء المجمعات السكنية الكبيرة كخطوة إستراتيجية نحو تقليل تأثيرات أزمة السكن.

تمويل أقساط المساكن
ويقول الشاب المتخرج حديثا من الجامعة سعيد كامل إن ارتفاع الأسعار يحتم على الدولة تمويل استئجار المساكن. ويطالب كامل الدولة بتحمل نصف نفقات أقساط المساكن، لاسيما للشباب. ويتابع: أزمة السكن لها افرازات اجتماعية كبيرة، منها تأخر زواج الشباب، إضافة الى سكن اسر كبيرة في المنزل نفسه، مما يخلق جوا من النزاعات.

ورغم ان العراق يحتوي على مساحة كبيرة قياًسا الى عدد سكانه، الا انه أكثر بلدان العالم معاناة من أزمة السكن، وصار واحدًا من بلدان قلائل يتخذ مواطنوها المقابر سكنًا لهم. وترتفع أسعار الشقق والمنازل في بغداد إلى الحد الذي يتعذر فيه على أصحاب الدخل المحدود دفع إقساط الايجار الشهرية، ففي شارع فلسطين تصل أسعار بعض الشقق الى نحو ما يعادل الألف دولار شهريًا. وفي منطقة الصالحية يدفع سليم مراد خمسمائة دولار شهريا كقسط إيجار لبيت متوسط الحجم قديم البناء.

مجمعات سكنية شعبية
وبحسب خبراء التخطيط فان فرصة العراق السانحة في التغلب على أزمة السكن تكمن في استثمار موارد البترول لبناء مجمعات سكنية شعبية ضخمة في أنحاء العراق المختلفة.

ويشير الخبير الاقتصادي رحيم طالب الى الفساد المالي والإداري واستغلال السلطة والنفوذ واستفحال الواسطة، وكلها عوامل تقوض فوائد المشاريع الإسكانية المقبلة اذا لم تسع الحكومة الى حسم ذلك.

ويتابع طالب: الطفرة النفطية التي يشهدها البلد، إضافة الى أرباح السياحة الدينية والآثارية، لن تجد طريقها إلى الاستثمار الحقيقي الصائب ما لم يتم القضاء على الفساد.

المقاولون والفساد
لكن المهندس المدني محمد كريم يشير الى الفشل الاكيد فيما لو أُعطيت المشاريع السكنية لمقاولين عراقيين صغار بسبب الفساد المستشري، ويقترح فتح باب الاستثمار للشركات الكبرى، لاسيما الأوروبية، لتحقيق هذه المشروع القومي الاستراتيجي، لكن العقبة في هذا المجال هي أن بعض الشركات ورجال الأعمال الأجانب ما زالوا يعدّون مسألة الاستثمار في هذا البلد ضربًا من ضروب المغامرة.

يدعو كريم الى الاستفادة من خبرات الدول المتقدمة في هذا المجال، ووضع ضوابط وقوانين تحول دون تحوّل هذه المشاريع الى سوق للمضاربين عن طريق شراء الشقق ثم بيعها لترتفع أسعارها.

وتفاوضت هيئة الاستثمار العراقية العام 2011 مع شركتين كورية وأميركية لبناء مجمعين سكنيين في البصرة والموصل بواقع 100 ألف وحدة سكنية لكل مجمع، ومن المؤمل المباشرة بالتنفيذ بحلول نهاية العام الجاري. كما شهد هذا العام تسجيل الموظفين والمتقاعدين والمواطنين على مجمع (بسماية) السكني في مدينة بغداد.

وبحسب المهندس المدني ضياء البياتي فإن الوحدات السكنية لمشروع بسماية يمكن أن تكون مثالاً يحتذى بها لبناء إستراتيجية واضحة للمجمعات السكنية، فمشروع بسماية يتضمن منازل متوسطة الحجم واطئة الكلفة مزودة بالخدمات الضرورية.

لكن الخبير القانوني حمدي فرحان يحذر من تحول هذه المجمعات الى هدف للمضاربين، ويدعو الى شروط صارمة للاستملاك حتى لا تكون تلك الشقق من حصص المضاربين والتجار بسبب صفقات الفساد. ومن المؤمل ان يشمل التسجيل جميع المواطنين، وهناك أولوية للموظفين والمتقاعدين، ويتم تسديد المبالغ على مدى 15 سنة.