تتبنّى إسرائيل في الوقت الحاضر "استراتيجية جديدة" في الضفة الغربية كما وصفها مسؤول عسكري إسرائيلي رفيع لبي بي سي، تقوم على استهداف قدرات المسلحين الفلسطينيين الموجودين هناك، قبل أن تتشكّل لديهم نية لتنفيذ هجمات، بحسب تعبير المسؤول.
يأتي ذلك في ظل ارتفاع ملحوظ في وتيرة التحركات الأمنية والعسكرية الإسرائيلية في الضفة خلال الأسابيع والأشهر الماضية، والتي يُرجّح أن تستمر، ولا سيما مع الإعلان عن اكتشاف الجيش أسلحة في مناطق مختلفة هناك بشكل شبه يومي، على حد قوله.
المسؤول العسكري قال إن مناطق مثل طوباس وطولكرم وجنين تُشكل، وفق تقييمه، "بؤراً مركزية" للنشاط المسلح "تبرر العمل بشكل استباقي"، مشيراً إلى اعتقال أعداد كبيرة ممن وصفهم بالمطلوبين، إلى جانب فرار آخرين باتجاه ما سمّاها المناطق المفتوحة "بعد انهيار مراكز نفوذهم داخل المخيمات".

وتابع المسؤول الإسرائيلي الذي رفض الكشف عن اسمه في إحاطة مع بي بي سي نيوز عربي بالقول إن الجيش "غير مستعد لإنهاء العمليات قريباً، واعتبر أن "الهدوء النسبي الحالي ناتج عن النشاط المكثف للجيش وليس عن تراجع نوايا الهجوم"، بحسب تعبيره.
ويُقصد هنا بالهدوء النسبي قلة عدد العمليات التي ينفذها الفلسطينيون ضد إسرائيليين في الفترة الأخيرة في الضفة الغربية مقارنة بعامي 2023 و2024.
- رئيس أركان الجيش الإسرائيلي: "الخط الأصفر" في غزة يمثل "حدوداً جديدة"
- الجيش الإسرائيلي يواصل عمليته العسكرية في طوباس شمال الضفة الغربية لليوم الرابع على التوالي
تقول مصادر عسكرية إسرائيلية لـ "بي بي سي" إن الضفة الغربية شهدت في عام 2023 مستوى مرتفعاً من العمليات، شمل إطلاق نار وعمليات طعن ودهس، حيث سُجّل نحو 870 هجوماً خلال العام، وهو من أعلى المعدلات في السنوات الأخيرة.
لكن عام 2024 شهد تراجعاً ملحوظاً في هذا النوع من الهجمات، بحسب المصادر، إذ انخفض العدد إلى نحو 260 عملية فقط، أي بتراجع يزيد على 70% مقارنة بالعام السابق.
بحسب المعطيات المُحدثة حتى نهاية نوفمبر/تشرين الثاني 2025، استمر هذا الانخفاض بصورة أوضح، حيث سُجّل نحو 50 هجوماً فقط منذ بداية العام، وهو ما وُصِفَ بأنه "التراجع الأبرز في وتيرة الهجمات منذ أكثر من عقد".

لماذا أطلق الجيش الإسرائيلي عملية عسكرية في طوباس وطمون؟
عن سبب العملية العسكرية التي أطلقها الجيش الإسرائيلي أخيراً في كلّ من طوباس وطمون، قال المسؤول العسكري الإسرائيلي إن المسلحين الذين خرجوا من المخيمات الموجودة في جنين وطولكرم، تمركزوا في مناطق كهذه خصوصاً بعد بدء العملية العسكرية الواسعة في هذه المخيمات مطلع العام الجاري.
أما عن سبب اختيار التوقيت الحالي لتنفيذ هذه العملية، رغم قوله إن سببها يعود إلى تحركات شرع فيها المسلحون منذ بداية العام الجاري، فأجاب المسؤول الإسرائيلي بأن هذا النوع من العمل العسكري يحتاج وقتاً طويلاً للتخطيط وجمع المعلومات.
كان الجيش الإسرائيلي قد أعلن نهاية الشهر الماضي، تنفيذ عملية عسكرية في مناطق بشمال الضفة الغربية هي الأكبر منذ سنوات تحديداً في طوباس وطمون.
وقال الجيش إنه بعد أيام من القتال، قُتل عدد من المسلحين واعتُقل العشرات من الفلسطينيين، معتبراً أن أهداف العملية قد تحققت وانتهت.
رغم الإعلان عن انتهاء العملية العسكرية في طوباس وطمون، إلا أن الجيش لا يزال ينفذ عمليات في مناطق أخرى، ويقول إنه يواصل محاولاته للعثور على أسلحة في مدينتيْ جنين وطولكرم، حيث بدأت إسرائيل عملية عسكرية واسعة مطلع عام 2025 إلى جانب مناطق أخرى في الضفة الغربية.
المسؤول العسكري الإسرائيلي تابع قائلاً إن إمكانية التصعيد الواسع لا تزال قائمة، خصوصاً مع ارتفاع مستوى ما وصفه بـ "الاحتكاك والاشتباك اليومي"، موضحاً أن الجيش "غير مستعد للسماح بظهور بؤر تسلح جديدة"، ما يعني أن العمليات التي توصف في بعض التقارير بـ "الاستباقية" لن تتوقف قريباً.
- "هيومن رايتس ووتش" تتهم إسرائيل بارتكاب "جرائم حرب" في الضفة الغربية، والجيش الإسرائيلي يتعهد بمواصلة العمل "وفق القانون الدولي"
- ما تفاصيل خطة السلام الأمريكية في غزة التي اعتمدها مجلس الأمن؟
وفي تعليقه على ما ورد في تصريحات المسؤول العسكري الإسرائيلي، قال المحلل العسكري ورئيس معهد القدس للاستراتيجية والأمن يوسي كوبرفاسر، إن العمليات داخل المخيمات تمثل جزءاً مما يسميه الجيش "جزّ العشب"، وهي عمليات متكررة تهدف إلى إبقاء مستوى ما وصفه بـ "الإرهاب" منخفضاً وليس القضاء عليه نهائياً، على حد وصفه.
عنف المستوطنين يفاقم التوتر
عند سؤال المسؤول العسكري الإسرائيلي عن أعمال العنف التي يقوم بها المستوطنون في الضفة الغربية، قال إن "الجيش لا يميّز بين الخارجين عن القانون، سواء كانوا يهوداً أم فلسطينيين".
لكنه أقرّ بأن حجم الاعتداءات التي ينفذها المستوطنون أصبح أكبر من أي وقت مضى، موضحاً أن وجود "نحو 500 ألف مستوطن مقابل 2.5 مليون فلسطيني" يخلق بيئة "قد تؤدي إلى انفجار كبير إذا لم يتم ضبط الوضع"، من دون توضيح الأساليب التي يمكن أن تُعتمد لذلك.

شهدت الضفة الغربية خلال العامين الماضيين ارتفاعاً غير مسبوق في هجمات المستوطنين ضد الفلسطينيين، وفق بيانات الأمم المتحدة ومنظمات حقوقية. ففي عام 2023 سُجّل أكثر من 1190 اعتداءً، قبل أن يقفز العدد في عام 2024 إلى نحو 1420 هجوماً استهدف أشخاصاً وممتلكات فلسطينية.
ترافق هذا التصعيد مع توسّع النشاط الاستيطاني في مناطق مختلفة من شمال الضفة الغربية وجنوبها، إضافة إلى زيادة عدد حالات تحويل التلال والأراضي الزراعية الفلسطينية إلى نقاط استيطانية جديدة.
وفق بيانات مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA)، أدى عنف المستوطنين خلال العامين الأخيرين إلى مقتل ما لا يقل عن 28 فلسطينياً وإصابة أكثر من 1450 آخرين، بينهم مزارعون وناشطون وصحفيون. كما تسبب في تهجير ما لا يقل عن 2800 فلسطيني من عشرات التجمعات الريفية، نتيجة الاعتداءات المباشرة أو الضغط المستمر على السكان.
تقول منظمات حقوقية إسرائيلية ودولية إن وتيرة هذه الهجمات، إلى جانب "محدودية المحاسبة القانونية" للمتورطين فيها، تجعلها جزءاً من نمط متصاعد من "العنف المنهجي" المرتبط بالتوسع الاستيطاني في الضفة الغربية.
ويعتبر المجتمع الدولي، جميع المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية غير شرعية بموجب القانون الدولي، وبالأخص المادة 49 من اتفاقية جنيف الرابعة، التي تحظر نقل سكان القوة المحتلة إلى الأراضي المحتلة. وقد أعلنت الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي ومعظم الدول الأعضاء في مجلس الأمن الدولي، أن التوسع الاستيطاني يشكل "عقبة أساسية" أمام حل الدولتين، وتقويضاً لأي عملية سياسية مستقبلية.
تزايدت في الآونة الأخيرة البيانات الدولية المُطالِبة بوقف التوسع الاستيطاني فوراً ومحاسبة المسؤولين عن اعتداءات المستوطنين، إضافة إلى الدعوات لاتخاذ خطوات عملية لردع العنف وضمان حماية الفلسطينيين في المناطق المُصَنَّفة بالـ"ساخنة".
أضاف المسؤول العسكري الإسرائيلي أن تزايد اعتداءات المستوطنين في الأشهر الماضية "يشكل مصدر قلق حقيقي داخل المؤسسة العسكرية"، وأن الجيش يتعامل مع هذه الاعتداءات "بصورة صارمة"، على حد قوله.
"نقص المعلومات الاستخباراتية عن عنف المستوطنين"
في إطار المقارنة بين التعامل مع "العنف الفلسطيني" و"العنف من قبل المستوطنين"، أشار كوبرفاسر إلى أن الجيش يفشل في منع وقوع الاعتداءات التي ينفذها المستوطنون للأسباب نفسها، التي تؤدي إلى ضعف تطبيق القانون بحقهم.
قال كوبرفاسر: "المشكلة الأساسية هي نقص المعلومات الاستخباراتية حول هوية منفذي هذه الاعتداءات. الجيش يمتلك معلومات أفضل بكثير عن المجموعات الفلسطينية مقارنة بالمجموعات اليهودية، فالمعلومات ببساطة غير كافية".
وتعتقل قوات الأمن الإسرائيلية بعض المستوطنين الذين نفذوا هجمات ضد فلسطينيين، لكن غالبية المعتقلين يُفرج عنهم لاحقًا.
كوبرفاسر أوضح أن تركيز المؤسسة الأمنية في إسرائيل تاريخياً، كان موجهاً نحو "العمليات الفلسطينية"، ما خلق فجوة في القدرة على مواجهة مجموعات المستوطنين العنيفة.
وكان الجيش الإسرائيلي قد أعلن في الأشهر الماضية عن القضاء على "الكتائب المسلحة" في الضفة الغربية. وعند سؤاله عن ذلك، قال المصدر العسكري الذي تحدث لبي بي سي إن الحديث عن "القضاء على الميليشيات في شمال الضفة لا يعني انتهاء الظاهرة".
اتفق المصدر العسكري الإسرائيلي والمحلل كوبرفاسر على أن مغادرة الجيش لبعض مناطق الضفة الغربية "غير مطروحة في الوقت الحالي"، فيما شدد كوبرفاسر على أنه "يمكن الحديث عن انسحاب الجيش، فقط إذا تم التوصل إلى اتفاق يضمن عدم عودة المسلحين إلى تلك المناطق".
- وفاة رضيعة بسبب الأمطار في غزة، وأكثر من 2500 نداء استغاثة في القطاع
- ما هي صعوبات الانتقال إلى المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار في غزة؟
- العائدون إلى سوريا: "نبدأ من الصفر، لكننا لم نعد لاجئين"

























التعليقات