أحدثت الألفية الجديدة تغيراً كبيراً في السياسات النفطية السائدة بعد أن تجاوزت الصين، للمرة الأولى في تاريخ الولايات المتحدة الأميركية لتصبح أكبر مستورد نفط في العالم، والحديث عن النفط الصخري في الولايات المتحدة ودول أخرى، ما قد يقود إلى إعادة هيكلة اقتصادات دول الخليج التي تعتمد على النفط كمصدر رئيس للإيرادات.

لندن: غيرت الأزمة الاقتصادية التي عصفت بالاقتصاد العالمي كثيراً من السياسات المرتبطة بصناعة النفط في العالم على مستوى الاستهلاك والإنتاج والمستقبل الذي يحمل الكثير من التحديات للدول المنتجة والمستهلكة على حد سواء، وإن كان تأثيره المستقبلي على المدى المتوسط سيكون كبيراً على الدول المنتجة بما فيها دول الخليج، الأمر الذي يقود إلى تغيير في الاستراتيجية الاقتصادية للمنطقة.
وتحتاج دول الخليج التي لا يزال النفط المصدر الرئيس والأكبر لإيراداتها إلى إعادة النظر في تنويع هذه الإيرادات بشكل جدي خلال الفترة المقبلة، ومحاولة استثمار عائداتها والفوائض الكبيرة التي تحققها من صادرات النفط الذي تبلغ أسعاره مستويات قياسية في مشاريع ذات قيمة اقتصادية مضافة، وإعادة دراسة فرض قيمة ضريبة مضافة بعد أن توقفت دراستها نتيجة للأوضاع الاقتصادية التي عصفت بالاقتصاد العالمي، رغم وجود اتفاق على تطبيق الضريبة بعد مناقشتها بشكل موسع وأخذ تجارب الدول التي بدأت تطبيقها منذ زمن طويل.
وبدأت معالم التحول بعد أن تخلت الولايات المتحدة عن مراكزها كأكبر مستهلك للنفط في العالم لصالح الصين، بعد أن تراجعت واردات الولايات المتحدة التي تشمل النفط الخام، وكذلك منتجات التكرير وفقا لبيانات موقتة أصدرتها إدارة معلومات الطاقة الأميركية إلى 5.98 ملايين برميل يوميا في ديسمبر ليكون المستوى الأدنى لها منذ فبراير 1992، فيما بلغت الواردات الصينية من الخام ومنتجات التكرير للشهر نفسه وفقا لبيانات ادارة الجمارك 6.12 ملايين برميل يومياً.
ويعزى هذا التراجع إلى ارتفاع أن الإنتاج النفطي الأميركي بحوالى 800 ألف برميل يوميا العام الماضي، وهي أكبر زيادة سنوية منذ بدء عهد إنتاجه في البلاد قبل ما يزيد على 150 عاما، وهو ما يعني تقليص اعتمادها على نفط دول laquo;أوبكraquo; لا سيما في الشرق الأوسط الذي ربما يتضح أكثر خلال الفترة القادمة.
يضاف إلى ذلك أن الحديث عن ثورة الطاقة الصخرية الأميركية بدأ يأخذ منحى أكثر جدية منذ نوفمبر الماضي بعد صدور تقرير لوكالة الطاقة الدولية الذي تنباً بأن الولايات المتحدة ستتخطى السعودية وروسيا لتصبح أكبر منتج للنفط في العالم بحلول عام 2017، وأن صادرات أميركا الشمالية من النفط ستزيد عن وارداتها بحلول 2030 تقريبا وستحقق الولايات المتحدة الاكتفاء الذاتي من الطاقة بحلول 2035.
على الرغم من أن تقارير تشير إلى زيادة الامدادات غير التقليدية من النفط والغاز لكن دول الخليج ستحتفظ بميزة تنافسية تتعلق بانخفاض التكلفة التي تبلغ نحو 20 دولاراً، فيما تبقى التكلفة التقديرية لإنتاج النفط من المكامن الصخرية الأميركية نحو 50- 75 دولارا للبرميل، ولم تخف دول الخليج قلقها من التهديد الذي تواجهه دول منظمة الدول المصدرة للنفط quot;أوبكquot; من نمو إنتاج الولايات المتحدة من النفط والغاز الصخري.
حيث تحدث وزير النفط الإماراتي خلال اجتماع منظمة أوبك في ديسمبر بصراحة غير معهودة عن هذا التهديد الذي تواجهه المنظمة من نمو إنتاج النفط والغاز في الولايات المتحدة، مشيراً إلى أن ثورة الطاقة الصخرية الأميركية مسألة كبيرة، قد يفضي في النهاية إلى تغيير في الاستراتيجية الاقتصادية للمنطقة، وأن على أوبك أن تحمي نفسها بأن تجعل نفطها أكثر جاذبية للمستهلكين في العالم.
وسيقود نمو النفط الصخري أسعار النفط إلى الهبوط في المدى البعيد ويبطئ نمو الطلب على الإمدادات الخليجية، الأمر الذي يعني أن دول الخليج قد تكون غير قادرة في يوماً ما على مواصلة السياسات الانفاقية المرتفعة التي انتهجتها خلال السنوات الماضية على المنح الاجتماعية ومشروعات البنية التحتية، ما سيخلق ضغوطاً كبيرة على الحكومات لتوفير فرص عمل في قطاعات أخرى وتحفيز القطاعات غير النفطية في اقتصاداتها.