رغم رفض تركيا السماح للقوات الأميركية بإستخدام أراضيها لغزو العراق عام 2003، إلا أنها وبعد عقد من الزمان أصبحت الرابح الإقتصادي الأكبر من الحرب، وتعاظم نفوذها التجاري على الأراضي العراقية.

لندن: الأميركيون ربحوا الحرب والإيرانيون ربحوا السلام والأتراك ربحوا العقود، بهذه العبارة تلخص صحيفة فايننشيال تايمز حصيلة عشر سنوات منذ حرب الولايات المتحدة في العراق.
ولاحظت الصحيفة أن تركيا التي رفضت السماح للقوات الأميركية باستخدام أراضيها لغزو العراق عام 2003 أصبحت بعد عقد من الزمن على ذلك القرار من أكبر الرابحين في الصراع التجاري على السوق العراقية.
ورغم التوتر المتزايد الذي يعتري علاقات تركيا مع حكومة رئيس الوزراء نوري المالكي فإن صادراتها إلى العراق إزدادت خلال السنوات العشر الماضية بنسبة 25 في المئة سنويا لتبلغ 10.8 مليار دولار في عام 2012، وبذلك أصبح العراق ثاني أكبر سوق لصادرات تركيا بعد ألمانيا.
ويتوقع الاقتصادي اوزغور التونغ من شركة بي جي سي بارتنرز في اسطنبول ان الطلب على البضائع التركية سيتعاظم بواقع اكثر من ملياري دولار سنويا مع تزايد العراق ثراء بفضل عائدات النفط.
كما يفوز المقاولون الاتراك بعقود مربحة في العراق حيث ينفذون مشاريع إنشائية بلغت قيمتها نحو 3.5 مليار دولار العام الماضي وحده، بحسب رجال أعمال ومسؤولين اتراك.
وتتولى شركة جاليك انيرجي التركية مثلا تنفيذ اكبر مشروعين في قطاع الطاقة العراقي ببناء محطتي توليد في الموصل وكربلاء بكلفة تزيد على 800 مليون دولار.
وفي حين تعتبر ايران أوسع الدول الأجنبية نفوذا في العراق اليوم فان حضور تركيا في شوارع بغداد اكبر من حضور أي دولة اخرى، بكل شيء من الأسواق التجارية مرورا بمحلات بيع الأثاث الى بلاطات الأرصفة التي تحمل علامة تجارية تركية.
ولكن اقليم كردستان العراق يستأثر بحصة الأسد من النشاط التجاري التركي في العراق، حيث تذهب الى المنطقة الكردية 70 في المئة من صادرات تركيا.
وعلى النقيض من ذلك فان علاقة انقرة مع بغداد تزداد احتقانا بنزاعات سياسية دفعت حكومة المالكي الى التوقف عن توقيع عقود جديدة مع الشركات التركية.
وتعمل في المنطقة الكردية شمال العراق نحو 1000 شركة تركية بينها مصارف وفنادق واسماء تجارية كبيرة.
وتزدحم الطرق البرية بين شمال العراق وتركيا بمئات الشاحنات التي تنقل البضائع الى الأسواق الكردية، وتهيمن المنتجات التركية على العاصمة الاقليمية اربيل، من الأسواق التقليدية المسقفة الى صالات العرض الحديثة في الأحياء السكنية الجديدة.
ويمثل هذا النجاح عودة تركيا الى سوقها الطبيعية التي سُدت عليها منذ الثمانينات بسبب الحروب والعقوبات وانعدام الاستقرار.
وتتمتع تركيا بأفضليات في العراق من الصعب مضاهاتها لكونها دولة مجاورة ذات قاعدة صناعية وأراض زراعية غنية ورجال اعمال لا يهابون التحدي الذي تطرحه عليهم بيئة العراق السياسية والاقتصادية المعقدة.
ونقلت صحيفة فايننشال تايمز عن رجل الأعمال التركي شريف ايغلي قوله quot;انا أبيع البضائع في انحاء العالم وأسهل سوق هي السوق العراقية، فنحن لدينا أذواق واحدة، وفي البلدان الأخرى يتعين انتاج البضائع حسب المعايير المحلية ولكن في العراق ما عليك إلا لصق يافطة بالعربية فتُباع البضاعة على الفور، ولوجستيا لا أحد ينافسناquot;.
ويتوقع مراقبون أن تنتقل العلاقة بين اقليم كردستان وتركيا الى مستوى أعلى بالارتباط مع سعي المنطقة الكردية الى تقليل اعتمادها على بغداد، ولكنه مستوى لا يخلو من المخاطر.
وتتفاوض تركيا مع حكومة اقليم كردستان على حصة في حقوله النفطية والغازية رغم احتجاجات بغداد، وتأمل انقرة بأن يسهم مثل هذا الاتفاق في اشباع جوعها المتزايد الى الطاقة وربط الاقليم وتركيا بأواصر أمتن.
ولكن العلاقات السياسية بين انقرة وبغداد شهدت ترديا متزايدا منذ انسحاب القوات الاميركية على النقيض من انتعاش العلاقات الاقتصادية، وبلغ التردي الى حد وصف المالكي معه تركيا بالدولة المعادية متهما انقرة بالتدخل في شؤون العراق الداخلية، وبالمقابل تتهم تركيا المالكي بالطائفية.
وفي هذه الأجواء تحركت حكومة المالكي لمنع الشركات التركية من الفوز بمزيد من العقود الكبيرة مع السلطات العراقية، وطُردت شركة النفط الوطنية التركية quot;تباوquot; العام الماضي من عقد استكشافي للتنقيب عن النفط في جنوب العراق، وقال رجل الأعمال التركي ايغلي quot;انه نوع من المقاطعة الخفيةquot; ولكنه نوه بأن سلطة المالكي لا تصل الى الشمال.
وتخشى بعض شركات التصدير التركية ايضا من تأثر مصالحها لا سيما وان زهاء ثلث صادرات تركيا الى المنطقة الكردية تُباع في مناطق العراق الأخرى وان شركات تركية عديدة تتطلع الى اقتطاع حصة من السوق العراقية إجمالا.
في هذه الأثناء تشتد حدة التوتر بسبب مشاريع تركيا للاستثمار في قطاع الطاقة العراقي في المنطقة الكردية، ويقول المالكي ان مثل هذه العقود غير دستورية فيما تحذر الولايات المتحدة من ان الاتفاق مع حكومة اقليم كردستان رغم اعتراضات بغداد يمكن ان يؤدي الى مزيد من تفكك العراق ويكرس ارتماء المالكي في احضان ايران ويغلق 80 في المئة من الأسواق العراقية بوجه الشركات التركية.