أثارت قطر حفيظة الأوروبيين ثانية بعد الإعلان عن شراء شركة قطر القابضة 40 بالمئة من حصص مشروع بورتا نويفا في ميلانو الإيطالية، لكن الخبراء يشيدون بحكمة القطريين في اقتناص الفرص الاستثمارية في وقتها.


ميلانو: في بيان مشترك صادر عن شركة قطر القابضة وشركة هاينز ايطاليا أمس الخميس، أعلن الجانبان عن موافقة الشركة القطرية على شراء 40 بالمئة من مشروع بورتا نويفا العقاري، الذي تطوره هاينز في ميلانو، من دون الكشف عن المبلغ الذي تم دفعه في هذه الصفقة، علمًا أن قيمة هذا المشروع تصل إلى ملياري يورو.

وأضاف البيان أن شركة قطر القابضة ستكتتب في أسهم جديدة يصدرها المشروع، لكن 60 بالمئة من الأسهم ستبقى في عهدة الرعاة الحاليين للمشروع.

وسط ميلانو

مشروع بورتا نويفا هذا أحد أكبر مشاريع اعادة التأهيل العقاري في أوروبا، يضم مكاتب ومحلات تجارية ومساكن فاخرة، مبينة على مساحة إجمالية تزيد عن 290 ألف متر مربع، بحسب ما جاء في البيان، ويشمل ثلاثة احياء في وسط ميلانو، على بعد كيلومتر واحد من قبة ميلانو الشهيرة وقد تم انجاز القسم الكبير من المشروع، فبنيت ناطحة سحاب صممها المهندس الارجنتيني سيزر بيلي، ليكون فيها المقر المركزي لبنك يوني كريدي، أكبر البنوك الايطالية. كما يضم المشروع 160 الف متر مربع من مسارات الدراجين ومناطق مخصصة للراجلين، ومساحات خضراء وحديقة مساحتها 90 الف متر مربع.

وشركة هاينز ايطاليا التي تدير هذا المشروع متفرعة من مجموعة هاينز العقارية، التي تأسست في تكساس في الولايات المتحدة. وقد صرح جيف هاينز، رئيس المجموعة، قائلًا إن بورتا نويفا هو أحد أهم مشاريع التطوير العقاري لمجموعته وللمستثمرين فيها. أما مانفريد كاتيلا، رئيس هاينز إيطاليا، فقال: quot;هذه المنطقة هي المورد الطبيعي الاهم في إيطاليا، ونحن على قناعة بأنه يمكن أن يشكل محركًا استراتيجيًا للتنمية والنمو الاقتصادي في البلدquot;.

شائعات إيطالية

بعد شيوع خبر الاستثمار القطري في بورتا نويفا، تداولت وسائل الاعلام الأوروبية تحليلات خرجت عن السياق العقاري للمسألة، لتتناول السياق السياسي، إذ ينظر الأوروبيون بعين الريبة إلى التغلغل القطري في أوروبا، من وراء ستار الاستثمارات العقارية الكبيرة وشراء الأندية الرياضية الكبيرة.

وقال محللون أوروبيون إن قطر استغلت الوضع الاقتصادي المتردي في إيطاليا، والذي كان يضغط بقوة على شركة هاينز الأميركية التي نفذت المشروع، من أجل تحقيق صفقتها.

ويأتي الدخول القطري إلى السوق الايطالية متجاهلًا التساؤلات التي ثارت في فرنسا وبريطانيا وألمانيا حول صفقات عقارية قطرية ضخمة فيها، علمًا أن مجمل الاستثمارات القطرية في الخارج يقدر بزهاء 215 مليار دولار.

وكانت صحيفة لوموند الفرنسية اتهمت قطر بأن لديها طموحات قيادية خيالية، quot;وتمتلك أيضاً شراهة في تملك الاستثمارات في جميع أنحاء العالم، إذ تسعى لتفرض نفسها في الوطن العربي بشكل يذهل البعض، ولكنه يضايق أو يقلق البعض الآخرquot;.

ناقوس فرنسي

وفي تقرير اقتصادي موسع نشرته في أوائل أيار (مايو) الجاري، قالت لوموند إن لقطر دبلوماسية جبارة وقوة اقتصادية لا يستهان بها، من خلال امتلاكها احتياطي غاز كبيرا جدًا، بالإضافة لصناعة في هذا المجال تعتبر الأفضل في العالم.

واضافت أن أصول هيئة الاستثمارات القطرية منتشرة حول العالم، يصل حجمها إلى 60 مليار يورو، موجودة في أكثر من 39 بلدًا. ففي الولايات المتحدة، تملك قطر حصصًا في صناديق استثمارات وشركات إنتاج سيارات كجنرل موتورز وشركة إنتاج سنيمائية. وفي بريطانيا، تملك حصصًا في مشاريع عقارية، و7.1 بالمئة من مصرف باركليز، و20 بالمئة من بورصة لندن. وتمتلك في إسبانيا مصرف سبانيش بنك وشركات في قطاع الطاقة ونوادٍ لكرة القدم.

أما في فرنسا فتملك قطر فندقين وملهيين وعقارات متعددة، ولها حصص في شركات سوياز وفانسي ولا غردير، وتملك ناديًا لكرة القدم في باريس. ودقت لوموند ناقوس الخطر، محذرة من أن تكون هذه الاستثمارات حصان طروادة، يريد القطريون من خلاله التمدد في أوروبا وكسب النفوذ السياسي فيها.

تقتنص الفرص

من جانبهم، أشاد خبراء واقتصاديون قطريون بمسيرة قطر الاستثمارية الخارجية الناجحة، وقالوا إنها تقتنص الفرص الاستثمارية الفريدة، التي ترفد اقتصادها الوطني، وتختارها استثمارات متنوعة المحافظ في قطاعات متعددة من عقارات وسياحة وزراعة، ما اعتبروه مؤشرًا اقتصاديًا لإنجاح الاقتصادات الأخرى.

وقالوا إن قطر ابتعدت عن الصفقات والاستثمارات النمطية والتقليدية، واقتنصت مشروعات وفرصًا استثمارية جديدة غير نمطية، من خلال تصيد الفرص الاستثمارية المواتية وإبرامها من دون تأخير، لأن الأسعار مرتبطة بالعامل الزمني.

ورأى الخبراء أن استثمارات قطر الخارجية رافد رئيس وداعم حقيقي للاقتصاد الوطني، وأن الفرص الاستثمارية اتسمت بحسن الاختيار والتوسع والانتشار، لافتين إلى أن ذلك من شأنه تنويع مصادر الدخل وتحقيق الأهداف والخطط الإنمائية، بعيدًا عن الاعتماد على إيرادات النفط والغاز.

وتأتي استحواذات قطر في الخارج في وقت يمر فيه الاقتصاد العالمي بأزمات كبيرة، وخصوصًا أزمة الديون السيادية في أوروبا، وهو ما جعل قطر تستحوذ على أصول ذات قيمة مرتفعة بأسعار مناسبة، وهذا برأي الخبراء دليل على أن قطر تشبع استثماراتها دراسات مستفيضة، وتختار المكان والوقت المناسبين لضخ أموالها، بعيدًا عن الكلام الأوروبي والذرائع السياسية الضيقة.