بعد سلسلة من الاستثمارات في دول أوروبا، تستثمر قطر في اليونان التي تعاني من ركود اقتصادي، ما أثار تساؤلات حول دوافعها وراء الاستثمار في دولة مهددة بالافلاس.

قررت قطر شن غزوة استثمارية غريبة في اليونان الغارقة في ركود اقتصادي منذ ست سنوات، الأمر الذي طرح تساؤلات عدة حول جدوى هذا الاستثمار والنوايا الكامنة خلفه.
وتسعى قطر أو (الإمارة) كما يحلو للإعلام الفرنسي تسميتها، لقطف ثمارها في موسم الحصاد الأوروبي، فبعد إنشاء صناديق استثمارية في فرنسا وإيطاليا، وقعت الدوحة اتفاقية مماثلة مع اليونان للاستثمار في الشركات الصغيرة والمتوسطة المحلية بمبلغ قيمته مليار يورو، وتعد هذه الاتفاقية بمثابة ثراء فاحش غير متوقع لدولة تعيش في كساد اقتصادي شرس منذ أعوام، كما أن هذه الاتفاقية تضع الحجر الأخير في سلسلة التعاونات بين الدوحة وأثينا، حيث استثمرت قطر قبل ذلك بأكثر من 750 مليون دولار في مناجم الذهب تلاها 500 مليون يورو في القطاع المصرفي.
تأتي الاتفاقية اليونانية بعد مضي شهرين من توقيع اتفاقيات مع إيطاليا التي تنص على إنشاء مشاريع مشتركة للاستثمار في الشركات العاملة في قطاع (صنع في إيطاليا)، بمبلغ يقدر بـ 300 مليون يورو، ومن المتوقع أن يصل إلى 2 مليار يورو خلال 4 سنوات، وتم دفع المبلغ مناصفة بين قطر وصندوق الودائع الإيطالية.
وتتساءل صحيفة أووفانجتون بوست الفرنسية: ما الذي تبحث عنه الدوحة عبر نهجها المستمر وشغفها للظهور بصورة الدولة السخية واليد المعطاء؟ اليونان، على سبيل المثال، تدخل عامها السادس وهي في مرحلة ركود اقتصادي حيث تغلق الشركات أبوابها الواحدة تلو الأخرى، فضلاً عن فرار الشركات الأجنبية لاسيما الأميركية من أثينا. ما الذي يجب فهمه من رغبة قطر المفاجئة في مساعدة دول أوروبا خاصة تلك التي تواجه صعوبات اقتصادية كاليونان؟ إن قطر ليست مغرمة بالظهور الإعلامي فقط، فالمنطق يخبرنا بأن تطلعاتها تتجاوز مجرد الظهور بصورة الرجل الصالحquot;.
قطر ليست فاعل خير
على عكس القوة العالمية الأولى، تتمتع قطر بميزة لا يمكن التهاون بها، إنها تملك المال حيث يقدر الفائض السنوي 60 مليار دولار، لكنها أيضًا تمتلك الوقت وفقًا لما يقوله نبيل الناصري، المحلل السياسي المختص بالشأن القطري ومؤلف كتاب (لغز قطر) الذي سيصدر في 6 آذار/ مارس القادم، لصحيفة أووفنجاتون بوست الفرنسية. ويضيف:quot; بالنسبة إلى اليونان، تستثمر قطر أموالها على المديين المتوسط والبعيد حيث تراهن على عودة أثينا وانتعاش اقتصادها يومًا ماquot;، ويضيف: quot;إن الشراء بالحد الأدنى لجني الفوائد لاحقاً هو سلوك رأسمالي بامتياز، إن القطريين ليسوا فاعلي خير، كما قد يتوهم البعضquot;.
ويشير الناصري إلى أن قطر تريد ربط المصالح الاقتصادية بدول أخرى لربط الدوحة بنسيج صلب يوفر لها أمنًا اقتصاديًا مشتركًا. وتابع:quot; هذا النهج لا يبدو واضحًا حاليًا مع اليونان لكنه أكثر وضوحًا مع ألمانيا (قطر تملك 7% من شركة فولكس واجن)، ويبدو جليًا في فرنسا، حيث تم الاتفاق في شهر ديسمبر الماضي على إنشاء صندوق فرانكو-قطري لدعم الشركات الفرنسية الصغيرة و المتوسطة بقيمة مالية بلغت 300 مليون يورو، وقبل ذلك أعلنت قطر دعمها للضواحي الفرنسية ذات الأغلبية المسلمة بمبلغ 50 مليوناً، لكنها تراجعت بعد أن أثار هذا الإعلان جدلاً حادًا في الإعلام الفرنسي أثناء الحملة الانتخابية، إلا أن الحكومة الاشتراكية الجديدة أعطتها الضوء الأخضر للاستثمار في هذه الضواحي شريطة أن تكون شريكًا لها في صندوق الدعم، ومن ثم يعود نصف هذا الصندوق إلى هيئة الاستثمار القطرية (الذراع المالية للإمارة الصغيرة)، بقيمة مالية تقدر 100-150 مليون يورو، والنصف الآخر يعود إلى صندوق الودائع الفرنسية وربما إلى شركاء لا ينتمون إلى الحكومة.
الهدف: الموازنة بين إيرادات الطاقة وعائدات الاستثمار
وتحضر دولة الغاز (قطر) في فرنسا بقوة حيث تقدر استثماراتها في الشركات الكبرى بمبلغ لايقل عن ستة مليارات يورو، وتم تقدير هذا المبلغ بناء على المساهمات في الشركات التالية: توتال 3%، فينسي 7%، لاغاردير 12%، فيوليا للبيئة 5%، فيفندي 3%، إل في إم إتش 1%، سويز للبيئة 1%، وحاليًا يجري النظر في استثمارات فرنسية جديدة قد تصل إلى 10 مليارات يورو إضافية.
لكن هل يجب فصل الاستثمارات لصالح الشركات الصغيرة والمتوسطة عن استثمارات الشركات الكبرى؟
يجيب نبيل الناصري محذرًا: (بالطبع لا)، ويتابع : quot;هذه السياسة تهدف بشكل خاص إلى عدم وضع بيضها في سلة واحدة، دون استشراف المستقبل والتطلع إليه، ولذا تم استهداف الضواحي الفرنسية في وقت ما، لأن هذه الشريحة من السكان قد تكون منطقة نفوذ مؤثرة لصالح قطر مستقبلاًquot;.
خدع ودعاية
يقول الفيلسوف الفرنسي برنارد هنري ليفي في مجلة لوبوان: quot;إن المبلغ الذي تم الإعلان عنه للاستثمار في الضواحي الفرنسية ليس إلا خدعة أو دعايةquot; ، ويضيف :quot;هذا المال له لون بلد يحرم مواطنيه من الحرية العامة، ويعامل المهاجرين من هنود وباكستانيين وفليبينيين على أنهم أقل من المواطنين، بل حتى أقل من البشر، أو كأنهم عبيدquot;.
حاليًا، تخصص قطر 130 مليار دولار للاستثمار الأجنبي الذي يزود الدولة بأرباح لاتقل عن 30 ملياراً سنويًا، دون نسيان الهدف الرئيسي الذي تسعى قطر إلى تحقيقه بحلول عام 2030، وهو: زيادة أرباح الاستثمارات الأجنبية حتى تصبح مساوية لعائدات الطاقة، بالإضافة إلى 60 مليار دولار كفوائد عائدة للاستثمار في الأسهم.