&القاهرة: بعد أسبوعين من بدء الحرب على السوق السوداء استخدم البنك المركزي المصري أمس الخميس سلاحا جديدا، إذ سمح للبنوك بتوسيع هامش بيع وشراء الدولار إلى عشرة قروش، بينما واصل دفع الجنيه للهبوط إلى مستويات جديدة في عطاءات الدولار.وأدى التحرك المفاجئ إلى هبوط الجنيه المصري أمام الدولار في البنوك إلى 7.59 جنيه، مسجلا أدنى سعر رسمي على الاطلاق.وأبلغ مصرفيون رويترز أن المركزي سمح للبنوك بتوسيع هامش بيع وشراء الدولار ليصل إلى عشرة قروش، مقارنة مع الهامش السابق وهو ثلاثة قروش - بحسب رويترز-.


وجاء توسيع الهامش بعد سلسلة تخفيضات متتالية في السعر الرسمي للجنيه، كان أحدثها أمس الأول عندما خفض المركزي الجنيه ثلاثة قروش أخرى، ليصل إلى 7.49 جنيه للدولار بانخفاض 4.7 في المئة عن مستواه منذ اسبوعين.وقال المصرفيون الذين تحدثوا مع رويترز بشرط عدم نشر أسمائهم ان البنوك تلقت تعليمات شفهية من البنك المركزي بتوسيع هامش التداول إلى عشرة قروش، وهو ما أدى إلى النزول الحاد للجنيه مقابل الدولار.وكان البنك المركزي قد بدأ الاسبوع الماضي السماح للجنيه بالانخفاض عن 7.14 جنيه للدولار للمرة الأولى في ستة أشهر، فيما قال مصرفيون ومحللون إنه مسعى لتشجيع الاستثمار والتصدي للسوق السوداء في العملة.وبدا أن البنك المركزي خرج منتصرا من أحدث مواجهة مع السوق السوداء إذ أدت سلسلة التخفيضات المتلاحقة للجنيه إلى انخفاضه تدريحيا في السوق السوداء وتقلص الفجوة مع السعر الرسمي.


ويأتي سماح البنك المركزي المصري بالتخفيض التدريجي لعملة البلاد قبل نحو شهرين من استضافة مصر لمؤتمر اقتصادي كبير في منتصف مارس/آذار المقبل.
ولم يصدر البنك المركزي أي تعليق على نزول السعر الرسمي للجنيه.لكن هشام رامز محافظ البنك المركزي لوح هذا الاسبوع بأنه لا يزال في جعبته الكثير في مسعاه للقضاء على السوق السوداء.وقال رامز قال لقناة تلفزيون (سي.بي.سي) الخاصة «هذه بداية خطة البنك المركزي ونحن جادون في ما نفعل بمعنى أن (كل شيء) سيصبح داخل السوق الرسمي قريبا جدا.»


وأضاف قائلا «السوق غير الرسمي سيختفي… وهناك قرارات كثيرة ستأتي الفترة الجاية سنضبط بها السوق والاقتصاد سيتحرك في الاتجاه السليم.»وكانت التوقعات بأن المركزي سيخفض قيمة العملة قد تزايدت منذ أعلن المركزي خفضا مفاجئا بواقع 50 نقطة أساس (نصف نقطة مئوية) في سعر الفائدة الرئيسي في وقت سابق من هذا الشهر. وقال المركزي إن انخفاض أسعار النفط العالمية يحد من احتمالات تفاقم التضخم.وأمس علق متعامل في السوق السوداء بمرارة على حال السوق، بعد أسبوعين من بدء البنك المركزي المصري ضرباته الموجعة التي تركت تلك السوق مترنحة، بالقول «لم تعد هناك سوق سوداء تقريبا… لا أحد يشتري منا وكله بيروح للبنوك.»


وقال محمد الأبيض، رئيس شعبة شركات الصرافة المرخص لها «الوضع في مكاتب الصرافة عادي جدا. احنا بنعمل داخل منظومة ومعندناش مشكلة.» لكنه أوضح أن الوضع مختلف في السوق السوداء، وقال «الأمور تكاد تكون متوقفة في السوق الموازية. الدنيا هادية وكله في حالة ترقب.»وأفاد متعاملون في السوق الموازية بأن حركة البيع والشراء شبه متوقفة مع تقلص الفجوة بشدة بين أسعار البنوك والسوق السوداء.وذكر متعامل أن سعر الدولار في السوق السوداء بلغ 7.85 جنيه، في حين قال آخر إن السعر هو تقريبا نفس السعر في البنوك.وعلق الأبيض قائلا «أعتقد نقدر نقول ان العوامل مؤدية إلى نجاح ولكن الناس تترقب وهناك إحجام عن بيع الدولار.»
وقال السيد القصير، رئيس مجلس إدارة بنك التنمية الصناعية والعمال المصري، في اتصال هاتفي أمس ان الاجراءات التي أخذها البنك المركزي «من شأنها أن تعمل على زيادة التدفقات النقدية من العملات الأجنبية للاقتصاد المصري من خلال الاستثمار الأجنبي المباشر والصادرات والسياحة.»وأشار القصير إلى أنه لا تزال هناك آليات بوسع البنك المركزي استخدامها لتقليص الفارق بين سعر السوق الرسمية والسوق الموازية، ومنها الطرح الاستثنائي للعطاءات الدولارية.


ولجأ المركزي من قبل إلى العطاءات الاستثنائية لتوفير دولارات إضافية لتلبية حجم كبير من الطلبات التي لا تغطيها العطاءات الأربعة التي يطرحها أسبوعيا باجمالي 160 مليون دولار.وقال أسامة المنيلاوي، مساعد المدير العام لقطاع الخزانة في أحد البنوك الخاصة، ان خفض الجنيه بنحو عشروة قروش أمس يعمل على تقريب كبير للفجوة بين سعر الدولار في السوقين الرسمية والسوداء.ورحب اقتصاديون ورجال أعمال الخطوة التي يرى كثيرون أنه طال انتظارها ومن شأنها تعزيز تنافسية الصادرات المصرية ودعم ثقة المستثمرين قبيل القمة الاقتصادية في مارس.


وقال حسين شكري، رئيس مجلس إدارة شركة «إتش.سي» للأوراق المالية والاستثمار المصرية «الوقت مناسب الان لتخفيض العملة. التخفيض سيجعلك دولة تنافسية أكثر وسيدعم المصدرين بشكل كبير ويقلل من الاستهلاك.» وتابع قائلا إن قرار خفض الجنيه «سيشجع على جذب استثمارات أكثر. نعم القرار في صالح المستثمر والاستثمار.»
ويرى اقتصاديون أن انحسار احتمالات تفاقم التضخم بفضل انخفاض أسعار النفط عالميا وارتفاع الدولار ساعد البنك المركزي في تحركه. وقال أحمد خير الدين المحلل بأحد البنوك في مصر «تخفيض الجنيه يساعد في الحفاظ على تنافسية الصادرات المحلية والعملة المحلية، خاصة مع انخفاض الريال البرازيلي والروبل الروسي واليورو وقوة الدولار أمام معظم العملات الأخرى.»


وأضاف أن ما يترتب على انخفاض سعر صرف الجنيه من ارتفاع تكلفة الواردات «خطوة تصب في صالح المنتج المصري لأنها ستعزز تنافسية المنتج المصري في السوق المحلي.» لكنه تابع «أسعار السلع تتراجع عالميا لذا ستكون هناك حركة تعويضية في تكلفة الواردات.»وفي أحدث تقرير لها تكهنت مؤسسة «كابيتال إيكونوميكس» للأبحاث أن يواصل الجنيه النزول خلال عام 2015 ليصل إلى نحو 8.25 جنيه للدولار في نهاية العام ولكن على مراحل وليس دفعة واحدة.ويرى جيسون توفي، الاقتصادي في «كابيتال إيكونوميكس» أن على المركزي المصري بذل المزيد لمنع تنامي الضغوط على الجنيه مجددا.وقال ردا على سؤال لرويترز «خطوة (المركزي) ستساعد في تخفيف بعض الضغوط عن الجنيه في السوق السوداء، لكن ينبغي أن يصاحبها مزيد من الجهود لزيادة كميات العملة الصعبة التي يتم ضخها في الاقتصاد عبر القنوات الرسمية.»غير أن مصرفيا في بنك حكومي اعتبر أن معركة البنك المركزي مع السوق السوداء كادت تنتهي قائلا «واضح ان المركزي بيخلص (يقضي) على السوق السوداء. العملية قربت تخلص».&