طلال جاسر من الكويت: يعقد وزراء نفط منظمة الدول المصدرة للنفط (اوبك) اجتماعهم الوزاري الـ168 غدا الجمعة، حيث يتوقع ان يلقي تدهور اسعار النفط باكثر من 70 بالمئة بظلاله على اعمال الاجتماع، خاصة بعدما تراجعت الاسعار بشكل ملحوظ ووصلت الى اقل من 40 دولارا للبرميل.

ومن المقرر ان يبحث وزراء نفط المنظمة على مدى يوم كامل باستفاضة الاسباب التي ادت الى تراجع الاسعار، خاصة ان عوامل العرض والطلب متوافرة في السوق حسبما تقول منظمة (اوبك). كما سينظر وزراء نفط المنظمة في التقرير الذي سترفعه لجنة مراقبة السوق الوزارية الى هذا الاجتماع بشأن توقعات العرض والطلب على النفط خلال النصف الاول من العام المقبل وطبيعة الافاق الاقتصادية لسوق النفط العالمية.

وذكرت مصادر مطلعة داخل المنظمة ان موضوع الامين العام سيكون من ضمن الموضوعات التي سيبحثها الاجتماع الوزاري، الا انه لم يتضح بعد ما اذا كان الوزراء سيتوصلون خلال اجتماعهم الى مرشح يحظى بالتوافق بين جميع الدول الـ12 الاعضاء ام سيتم التمديد للامين العام الحالي الليبي عبدالله البدري، حتى التوصل الى التوافق المنتظر.

وحول امكانية خروج اجتماع (اوبك) بقرارات تختلف عن قراراتها السابقة، استبعد الخبير في سوق الطاقة في النمسا هربرت غارتنير في تصريح صحافي هذه الامكانية، وبرر ذلك بانعقاد الاجتماع في ظروف صعبة، لا تبعث على الكثير من التفاؤل بالنسبة الى أسعار النفط، خاصة بعد الاتفاق الذي تم بين مجموعة (5+1) وايران حول البرنامج النووي الايراني وامكانية ضخ طهران مزيدا من النفط في الاسواق وتعريض الاسعار لانخفاض اكبر.

وقال غارتنير ان اجتماع (اوبك) يأتي بعد يومين من صدور تقرير المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية يوكيا امانو، الذي كشف للمرة الأولى عن عدم وجود مؤشرات بشأن أنشطة نووية مشبوهة قامت بها إيران منذ عام 2009 بعد تقويم دام ما يقرب من عشر سنوات للتحقق من التقارير التي تحدثت عن محاولات إيرانية لتطوير أسلحة نووية، الامر الذي يمهد الطريق لرفع العقوبات عن ايران.

وأضاف انه اذا ما استمر الانفراج في الملف النووي الايراني ورفع الحظر عن صادرات النفط فان (اوبك) ستجد نفسها في وضع لا تحسد عليه في ظل المعروض الكبير من الخام في الاسواق، وربما تضطر الى النظر في اعادة توزيع الحصص الانتاجية من جديد، مع الحرص على المحافظة على التوازن بين العرض والطلب.

ورأى انه في حال لم يتم التوصل الى اتفاق بشأن التوزيع الجديد للحصص الانتاجية، خاصة مع عودة ايران، الى السوق النفطية العالمية، فإن ذلك من شأنه ان يزيد من مستوى العرض من قبل (اوبك)، ما يؤدي الى المزيد من تراجع الاسعار.

وأعاد الخبير النمساوي الى الاذهان وجود تباين في السياسة النفطية داخل المنظمة، حيث تميل بعض الدول الاعضاء، ولاسيما المنتجون الكبار كالسعودية، الى الحفاظ على مستويات الانتاج، خوفا من خسارتها لصالح منتجين اخرين، لقناعتها بأن عوامل السوق الاساسية من العرض والطلب، هي التي تحدد السعر الأمثل، ولذلك يجب ترك هذه المهمة للسوق.

وقال ان دولا اخرى كايران وفنزويلا والجزائر ونيجيريا ترى ضرورة كبح الانتاج لدعم الاسعار في السوق. ولفت الى انه نظرا إلى عدم وجود متغيرات جديدة داخل (اوبك) فليس من المنتظر ان يتغير موقف المنظمة من موضوع الانتاج والكميات المعروضة الا في حدود ضئيلة جدا قد تفرضها بعض التغيرات الطفيفة في الطلب على النفط.

وذكر ان دراسة السوق العالمية في الوقت الحالي تشير الى ان الطلب على النفط سواء من داخل (اوبك) أو خارجها لن يتغير بشكل ملحوظ، وبالتالي فان انتاج (اوبك) سيظل يدور حول المستوى نفسه من العرض تقريبا، بحيث لن يؤثر ذلك على مستوى الاسعار بالشكل المأمول، ما يعني ان اسعار الخام ستظل تدور في فلك ال50 دولارا للبرميل او اكثر منها بقليل في احسن الحالات.

وردا على سؤال حول مدى تأثير تراجع العائدات النفطية على اقتصاديات الدول المنتجة الاعضاء في (اوبك) ومن يستفيد من تراجع اسعار الخامات قال الخبير الاقتصادي والنفطي الدكتور بشير علية في تصريح صحافي مماثل ان تراجع سعر الخام، لاسيما اذا كان قويا، يؤثر بطبيعة الحال على اقتصاديات الدول المنتجة، وبشكل متفاوت من دولة الى اخرى، حسب قوة او ضعف نسيجها الاقتصادي والمالي.

واشار الى ان تراجع العائدات النفطية في دول الخليج مثلا من شأنه ان يؤدي الى زيادة عجز ميزانيتها، وبالتالي الى تآكل احتياطيها المالي، رغم انه كبير، إلا ان التأثير لا بد ان يحدث على المدى البعيد، ان لم يكن على المدى المتوسط، اذا استمر تراجع احتياطيها وانحدار عائداتها النفطية بسبب التراجع القوي في سعر الخام.

وأعرب عن اعتقاده القوي بأن دول الخليج لن تتضرر كثيرًا على المدى المنظور بسبب انهيار الاسعار نظرا إلى حجم احتياطاتها الكبيرة من العملة الصعبة، الا ان بلدانا اخرى اعضاء في المنظمة ستتضرر اكثر وبشكل ملحوظ وسريع، مثل الجزائر وفنزويلا ونيجيريا واندونيسيا، ما جعلها تطالب بخفض الانتاج للدفع بالأسعار الى الارتفاع. اضاف انه لو عدنا الى ما قبل ثلاث سنوات، سندرك حجم التراجع الكبير، الذي يمكن ان نصفه بالانهيار الذي حصل في اسعار الخامات، التي تراجعت من 112 دولارا للبرميل في عام 2012 الى 45 دولارا او ما دون ذلك للبرميل في العام الجاري.

كما تطرق الدكتور علية في حديثه الى الدول المستهلكة التي استفادت من تراجع الاسعار، لاسيما الدول السائرة في طريق النمو، وبالتالي فان تراجع الاسعار كان بالنسبة إليها مساعدة مهمة أتت في وقت هي في امسّ الحاجة الى الاموال لتخفف شح الاستثمارات الداخلية والخارجية.

وقال ان الدول المنتجة بدأت تتعود تدريجيًا على هذه الاسعار الجديدة المخفضة، وتضع ميزانياتها ومختلف حساباتها الاستثمارية بالقياس على هذه الاسعار التي ظلت تدور حول مستوى يقارب 30 في المئة ما كان عليه قبل ثلاث سنوات، ورغم ذلك فان (اوبك) لم تخفض من مستوى انتاجها الذي تجاوز أخيرا 30 مليون برميل يوميا.

يذكر ان اسعار خامات سلة (اوبك) المتدنية اصلا ارتفعت خلال شهر تشرين الثاني/نوفمبر 2015 بشكل طفيف بواقع 19 سنتًا بالنسبة إلى العقود الآجلة، ليصل سعر البرميل الى نحو 45 دولارا، وارتفعت خامات غربي تكساس الاميركي بواقع 82 سنتا، ليبلغ السعر 46.29 دولار للبرميل. اما سعر خامات برنت الذي هو دائما اعلى نسبيا، فقد ارتفع بواقع 75 سنتا ليصل الى 49.29 دولار للبرميل.