شبه رئيس الوزراء اليوناني الكسيس سيبراس الاتحاد الأوروبي بكنزة الصوف، فحين تبدأ خيوطها بالتفكك لن يعود بالامكان وقف تفككها، مستبعدًا خروج اليونان من منطقة اليورو.

إعداد عبد الاله مجيد: أكد رئيس الوزراء اليوناني الكسيس سيبراس أن حكومته تدرك أن الحياة مليئة بالحلول التوافقية الوسط، وأن مثل هذه الحلول ضرورية لتعاون اليونان مع الاتحاد الاوروبي، معلنًا أن اليونان لا تريد الاستمرار في الاقتراض إلى ما لا نهاية.

حل مشكلة التقشف

ورفض سيبراس رأي سياسيين في الاتحاد الاوروبي، يتهمونه بقول شيء في بروكسل، ثم قول شيء آخر يختلف تمامًا عندما يعود إلى اثينا. وقال سيبراس إنه يقول في المانيا ما يقوله في اليونان، لكن المشاكل يُنظر اليها احيانًا من زوايا مختلفة على قاعدة القدح الذي يراه البعض نصف مملوء، فيما يراه البعض نصف فارغ.

واوضح سيبراس، في مقابلة مع مجلة شبيغل الالمانية، أن دين اليونان السيادي قبل حزمة الانقاذ كان 129 بالمئة من انتاجها الاقتصادي، وهو الآن 176 بالمئة منه. وايًا تكن زاوية النظر، فإن خدمة هذا الدين ليست ممكنة، لكن هناك طرقًا مختلفة لحل هذه المشكلة، منها خفض الدين أو اعادة هيكلته أو اصدار سندات يُربط سدادها بالنمو. لكنه اضاف أن الأمر الأهم هو حل المشكلة الحقيقية، "أي التقشف الذي رفع المديونية".

ليست مسألة تسميات

تطرق سيبراس إلى موقفه مما كان يسميه "الثالوث" في اشارة إلى المفوضية الاوروبية وصندوق النقد الدولي والبنك المركزي الاوروبي، ثم اصبح يكتفي بالاشارة اليها على انها "المؤسسات". وفي هذا الشأن، قال رئيس الوزراء اليوناني إن المسألة ليست مسألة تسميات بل تتعلق بجوهر القضية، إذ يتعين على الجميع في اوروبا أن يعملوا مع هذه المؤسسات. لكن هذا يختلف عن وجود "ترويكا" لا تخضع لمحاسبة أحد. واضاف سيبراس أن مسؤولي الترويكا كانوا يأتون إلى اليونان لمراقبتنا مراقبة شديدة والآن نتحادث مباشرة مع المؤسسات وأصبحت اوروبا أكثر ديمقراطية بسبب هذا التغيير.

وعن خطط الاصلاح التي ما زال يتعين على اثينا أن تقدمها إلى المؤسسات الثلاث، قال سيبراس إن هذه المؤسسات لا تمنح موافقتها على الاصلاحات، لكن لها كلمة في العملية وتضع اطارًا يسري على الجميع في اوروبا. واشار إلى أن ترويكا المؤسسات الثلاث كانت في السابق تبعث برسالة على البريد الالكتروني إلى الحكومة اليونانية تقول لها ما يجب أن تفعله. وتابع: "ان الاصلاحات المخطَّطة ضرورية ولكننا نحن الذين نتخذ القرار بشأنها ولا يفرضها أحد علينا". وقال رئيس الوزراء اليوناني إن حكومته تريد وقف التهرب الواسع من الضرائب والاحتيال الضريبي أكثر من أي احد آخر، "لكن الذين دفعوا حتى الآن هم ذوو الدخول المتدنية وليس الأثرياء".

لا اقتراض إلى الأبد

تناول سيبراس ما تردد عن حاجة اليونان إلى حزمة إنقاذ ثالثة، رافضًا تسميتها حزمة انقاذ قائلا انها ليست انقاذا بل لدى اليونان حاجات مالية، ونحن ضغطنا ميزانيتنا بقدر هائل في السنوات الأخيرة، ولدينا الآن فوائض أولية بدلًا من العجز، لكننا ما زلنا نستطيع الاقتراض بأنفسنا في أسواق المال، وللقيام بذلك علينا أن نستعيد الثقة بنا وان نصبح تنافسيين ونعود إلى النمو ولكن إلى أن يحدث ذلك علينا أن نمول أنفسنا بطريقة أخرى.

وعما إذا كان هذا يعني أن اليونان ما زالت بحاجة إلى المال من الاوروبيين، أكد سيبراس: "انها ليست مسألة صَدَقة تُعطى لليونان بل قضية مسؤولية مشتركة وتضامن اوروبي، وإذا لم تتمكن اليونان من خدمة دينها فلهذا تأثيره على شركائنا ايضا، وبذلك تكون شبكة الأمان لليونان ضرورية، وعلينا ايضًا أن نعود إلى اسواق المال بأسرع وقت ممكن. لكن هذا لا يمكن أن يرتبط ببرنامج أدى إلى ضائقة اجتماعية بل نحتاج إلى برنامج يحقق النمو".

وعن رفض المانيا المرجَّح لمثل هذا الموقف قال سيبراس: "البعض يرى أن الاستثمار يمكن أن يُحفَّز بخفض تكاليف العمل ولكننا خفضناها فعلا بنسبة 40 بالمئة ولم يُسفر ذلك عن أي استثمار جديد عمليا، والمال الذي تدفق على اليونان كان بهدف انقاذ البنوك ولم يحل مشكلتنا مع السيولة، واليونان لا تريد الاقتراض إلى الأبد، بل تريد الخروج من هذا المأزق".

ثقب الديون

قال رئيس الوزراء اليوناني لمجلة شبيغل: "في مجتمع ينهار وبلد يمر بأزمة انسانية لا يمكن خفض الأجور أكثر ما خُفضت، لكننا نستطيع المضي قدمًا باصلاحاتنا البنيوية، ونريد في النهاية ايجاد مؤسسات تجبي الضرائب بفاعلية، ونريد تحديث القضاء كي لا يتعين الانتظار سنة لصدور حكم ما. وفي المستقبل يجب أن يكون من الممكن استحداث مكتب لتسجيل الأراضي والأملاك، وهو أمر موعود منذ عام 1930".

وسيبراس متأكد من أنه سينجح في تحقيق ما وعد به سابقوه وفشلوا، "لأننا لسنا جزءًا من النظام القديم كما كان اسلافنا، وسنقوم بتقييد النشاطات المنفلتة للاوليغارشيين الذين يسيطرون على الاعلام وما زالوا يحصلون على قروض ضخمة من البنوك على النقيض من الشركات الاعتيادية. كما سنراقب عمل مجهزي الدولة الذين اقاموا احتكارات كبيرة".

وعن الخصخصة وبيع مؤسسات قطاع الدولة قال سيبراس: "علينا أن نجعل ممتلكات الدولة قابلة للاستعمال، لكن يجب ألا نبيع كل شيء، وإلا فان العائدات ستختفي مباشرة في ثقب الديون الأسود".

أزمات إنسانية وإصلاحات

وتحدث رئيس الوزراء اليوناني عن مقترحات الاصلاح التي أعدتها حكومته لتقديمها إلى الاتحاد الاوروبي، "وتتضمن ستة اصلاحات جاهزة للتنفيذ، اولًا، مكافحة الأزمة الانسانية. ونريد استحداث بطاقة الكترونية ذكية للمواطن يمكن استخدامها من اجل الحصول على خدمات عامة، وسيتمكن المحتاجون من استخدامها لدفع سعر البقاليات واجور الكهرباء، ثانيًا، اجراء الاصلاح الاداري اللازم لرفع كفاءة الدولة، ثالثًا، تنفيذ خطة لتسديد الديون الضريبية، رابعًا، تحسين ادارة الضرائب، خامسًا، تشكيل مجلس ضريبي مستقل، سادسًا، تشكيل قوة مهام خاصة لإجراء تدقيقات ضريبية ذات أهداف محدَّدة من اجل مكافحة التهرب من الضرائب بين الطبقات الوسطى".

وعن مصادر تمويل الخدمات العامة ومساعدة المحتاجين من خلال البطاقة الالكترونية الذكية، قال سيبراس: "هذا ينسجم مع وعدنا بتحقيق العدالة الاجتماعية، فالأزمة الانسانية ناتج عرضي لبرنامج الانقاذ حيث يعيش اليوم 35 بالمئة من اليونانيين تحت خط الفقر، ويعاني 600 الف طفل نقص التغذية بحسب منظمة الأمم المتحدة للطفولة – يونسيف، وتلقينا بالفعل تمويلًا من الاتحاد الاوروبي لمكافحة الأزمة الانسانية".

سندات حكومية

رفض سيبراس الرأي القائل بأن خطة حكومته التي تسمح لليونانيين بتسديد ما عليهم من ضرائب في اقساط شهرية تصل إلى 100 قسط ستؤدي إلى نضوب الايرادات الضريبية بالكامل. وقال: "العكس هو الصحيح لأن هذه الخطة ستوفر ايرادات فورية للدولة. فالديون الضريبية على اليونانيين تزداد بواقع مليار يورو في الشهر ونحن نريد قلب اتجاه هذا التطور ومن الطبيعي اننا لن نتيح هذا للقادرين على الدفع لكنهم يريدون الغش".

وقال: "ان هناك يونانَين، يونان مؤلفة من 4 ملايين انسان يعيشون تحت خط الفقر ويونان أخرى في نادي بوزوكي الليلي على الشاطئ، مؤلفة من المتهربين من الضرائب والغشاشين".

ومن المقرر أن تسدد اليونان نحو 4 مليارات يورو إلى الدائنين قريبًا، لكنها لن تحصل على الدفعة التالية من حزمة الانقاذ إلا في نهاية نيسان (ابريل).&وحين سُئل من أين ستحصل حكومته على 4 مليارات يورو، قال: "اثينا يمكن أن تصدر سندات حكومية قصيرة الأجل وإذا أصر البنك المركزي الاوروبي على حجب موافقته فانه سيتحمل مسؤولية كبيرة وستعود ايام التشويق والاثارة التي سبقت 20 شباط (فبراير)". واعرب سيبراس عن ثقته بأن القرارات اللازمة ستُتخذ وسنردم الثغرة المالية بحلول نهاية نيسان (ابريل).

لن نخرج

استبعد سيبراس خروج اليونان من منطقة اليورو إذا رفض البنك المركزي الاوروبي منح موافقته على اصدار اثينا سندات حكومية قصيرة الأجل، قائلا انهم لن يخاطروا بتفكيك اوروبا بسبب اصدار سندات قيمتها نحو 1,6 مليار يورو فقط.

ويتوقع المراقبون اندلاع مواجهة جديدة في حزيران (يونيو) المقبل بين حكومة سيبراس التي تريد انهاء سياسة التقشف والمستشارة الالمانية انغيلا ميركل التي لا تريد السماح بحدوث ذلك. وقال سيبراس: "من الضروري لهذا السبب استثمار الأشهر الأربعة المقبلة بصورة مجدية، واوروبا تواجه مأزق القبول بمطالب الشعوب في الجنوب التي عانت كثيرا من جراء التقشف، وتصحيح المسار، أو الرد ردًا متغطرسًا وعقابيًا. وإذا حدث ذلك فإن اليونان ستختنق تدريجًا، لكن هذا لن يمثل خطرًا ماليًا فحسب بل خطرًا سياسيًا ايضًا".

وحذر سيبراس من الاحتمال الثاني قائلا إن الحركة المدنية المتنامية من أجل تغيير المسار في جنوب اوروبا، "وستصبح تيارًا معاديا للاتحاد الاوروبي".

ونفى أن تكون اليونان معزولة في اوروبا بسبب موقفها ضد سياسات التقشف قائلا إن حكومته طيلة المفاوضات مع الشركاء الاوروبيين لمست تضامنًا من اوروبا برمتها، "لم نشهد مثيلًا له منذ عهود الدكتاتورية".

كنزة الصوف

وعن التوتر الذي يعتري العلاقات بين اليونان والمانيا قال سيبراس: "هناك اجواء ظالمة تجاه اليونان في المانيا ووسائل اعلام مثل صحيفة بيلد تصور اليونانيين كافة على انهم حثالات من الجشعين والفنانين المحتالين. وهنا في اليونان يُصور الالمان على انهم متعالون يناصبوننا العداء".

واكد سيبراس أن حكومته لا تستخدم الانسحاب من اليورو ورقة وحيدة بيدها قائلا:& "استبعد خروج اليونان لأني أُحب اوروبا وأعتقد أن منطقة اليورو مثل الكنزة الصوفية، حين تبدأ خيوطها الصوفية بالتفكك لن يعود بالامكان وقف تفككها".

واعرب سيبراس عن اقتناعه بأنه إذا أُجري غدا استفتاء يسأل "هل تريد كرامتك أو الاستمرار بسياسة التقشف؟" فان الجميع سيختارون الكرامة.

وتطرق سيبراس في ختام حديثه لمجلة شبيغل إلى سبب اجتماعه مع جميع القادة الاوروبيين تقريبا باستثناء ميركل. وقال انه تلقى دعوات من كل الزعماء الأوروبيين ما خلا ميركل، "وإذا تلقيتُ دعوة منها سأقبلها على الفور، وكنتُ اجريت اتصالًا هاتفيًا معها وتحدثنا خلال مؤتمرات القمة واعتقد أن بيننا علاقة طيبة".