توصلت دراسة اقتصادية جديدة إلى أن منطقة اليورو محكوم عليها بالزوال ولا تستطيع أن تستمر في شكلها الحالي سواء بقيت اليونان أو خرجت منها.

إعداد عبد الإله مجيد: تبين دراسة جديدة أن تفاوت مستويات التطور الاقتصادي يزيد دول منطقة اليورو تباعدًا عن بعضها البعض، وبالتالي اعتماد سعر فائدة واحد لا يصلح للكتلة الاقتصادية بأكملها.

كما أن الاختلافات السياسية والاجتماعية والثقافية تجعل من الأصعب على دول اليورو الاشتراك في عملة واحدة، وفي النهاية يتعين على منطقة اليورو أن تندمج اندماجًا حقيقيًا أو ينفرط عقدها.

وتأتي الدراسة التي اجرتها شركة إي سي يو غروب للأبحاث والاستشارات والاستثمار البريطانية في اطار مشروع بحثي أوسع يتناول عضوية بريطانيا في الاتحاد الاوروبي وآفاقها المستقبلية.

وخلصت الدراسة التي نُشرت نتائجها في صحيفة ديلي تلغراف إلى انه سواء أُجبرت اليونان على الخروج من منطقة اليورو أو بقيت، فإن المنطقة تواجه مشاكل عميقة الجذور يتعين حلها بتفكيك نفسها أو تحقيق اندماج سياسي كامل.

أكثر تباعدا

وكان انصار العملة الاوروبية الموحدة أكدوا حين اعتُمد اليورو في 1999 أن تطبيق قواعد اقتصادية مشتركة من شأنه أن يساعد الدول الأعضاء على التقارب في مستوياتها الاقتصادية، بحيث يكون سعر الفائدة مناسبًا لها جميعًا.

لكن دراسة إي سي يو غروب تبين العكس، حيث تباعدت دول اليورو اقتصاديًا وشهدت تغيرات في العرض والطلب خلال فترات متباينة من بلد إلى آخر، وفي ظروف مختلفة من بلد إلى آخر، بل أن اقتصادات منطقة اليورو هي الآن أكثر تباعدًا، ببعض المعايير، مما كانت في أي وقت مضى منذ عام 1982، بحسب الدراسة.

ويثير هذا التفاوت شكوكًا في قدرة منطقة اليورو على البقاء بشكلها الحالي. فإن سعر الفائدة الموحد سيكون غير مناسب بصورة متزايدة لبعض الدول الأعضاء متسببًا في تفاقم حالات الركود في البلدان الأضعف اقتصاديًا وانتعاش الطلب انتعاشًا مفرطًا في الاقتصادات الأقوى.

وتخلص الدراسة إلى أن مواطن الخلل الأساسية في التوازن بين بلدان منطقة اليورو ستكون أهم في تقرير مصيرها مما يحدث لليونان. وقالت الدراسة إن الأزمة السياسية الحقيقية ستقع عندما يُجبر قادة منطقة اليورو على مواجهة المأزق الناجم عن عدم مرونة العملة الموحدة، وهو التكامل أو التفكك. وما حدث في اليونان مثال واحد يبين كيف ينحدر الوضع في اوروبا.

فوارق بنيوية

وحذرت الدراسة: "يجب ألا يعتقد أحد بأن اليونان ستكون البلد العضو الوحيد الذي يواجه صعوبة في البقاء عضوًا في منطقة اليورو"، مسلطة الضوء على الفوارق البنيوية بين دول منطقة اليورو، ومشيرة إلى وجود اختلافات كبيرة ليس في السلوك الاقتصادي فحسب بل في العادات الاجتماعية والممارسات السياسية ايضًا.

وتذكر الدراسة انخفاض معدلات الادخار في البرتغال واليونان بالمقارنة مع فنلندا وهولندا، كما تبين مؤشرات التعليم والبحث والتكنولوجيا وجود تباين كبير بين بلدان منطقة اليورو الأحد عشر التي تناولتها الدراسة. ففنلندا والنمسا والمانيا تحقق مستويات أعلى بكثير من الانجازات في التعليم والانفاق على البحث والتطوير كنسبة من اجمالي الناتج المحلي بالمقارنة مع بلدان مثل ايطاليا واسبانيا والبرتغال واليونان.

مستقبل الاتحاد الاوروبي

وما يزيد الفجوة اتساعًا بين دول منطقة اليورو، بحسب الدراسة، الاختلافات السياسية، بما في ذلك درجة التزام الحكومات المختلفة بقواعدها هي. في مجال حكم القانون ومستويات الفساد ونوعية التنظيم الداخلي، تتفوق بلدان شمال اوروبا مثل المانيا وفنلندا وهولندا تفوقًا واضحًا على بلدان جنوب اوروبا. ومثل هذه الفوارق ستجعل صعبًا على منطقة اليورو إجراء التغييرات المطلوبة لاستدامة اليورو، بحسب المحللين الذي اجروا الدراسة.

واشارت الدراسة إلى أن المشاكل التي تواجه العملة الموحدة تثير شكوكًا في مستقبل الاتحاد الاوروبي بصفة عامة. وقالت الدراسة: "إذا كانت بلدان منطقة اليورو تتباعد ويسودها عدم الاستقرار، فهذا يضع موضع تساؤل ليس امكانية توسيع منطقة اليورو فحسب بل واستمرارية الاتحاد الاوروبي نفسه. وحين تصل منطقة اليورو إلى نقطة حيث يتعين عليها أن تندمج أو تتفكك، فإن ايًا من النتيجتين سيكون لها تداعيات بالغة الأثر في تقويض استقرار الاتحاد الاوروبي".