الكويت: شدد صندوق النقد الدولي على أهمية المباشرة الفورية في صياغة استراتيجية شاملة طويلة الأجل لتصحيح أوضاع المالية العامة لدولة الكويت مؤكدا ان توفر مساحة الاقتراض سيمكن البلاد من تعزيز الثقة في الاقتصاد المحلي.

جاء ذلك في تقرير نشر اليوم على موقع الصندوق الالكتروني اثر اختتام بعثة صندوق النقد الدولي زيارة دورية لدولة الكويت في اطار اتفاقية (مشاورات المادة الرابعة) لتجديد التوصيات السنوية الخاصة بالمالية العامة للدولة.

وتوقع الصندوق ان يستمر عجز الموازنة العامة (وفقا للبيانات الرسمية) في الأجل المتوسط حيث سيبقى العجز عند نسبة 10 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي بعد احتساب مخصصات صندوق احتياطي الأجيال القادمة ما يعني عجزا تراكميا تصل قيمته إلى 23 مليار دينار كويتي خلال الفترة من 2015 الى 2020.

وافاد بان (المصدات المالية) الكبيرة التي تمتلكها الحكومة الكويتية والمساحة الوفيرة للاقتراض من تمويل العجز "بيسر" سيمكنها من تعزيز الثقة في الاقتصاد المحلي على أن تتم "بشكلٍ سريع صياغة وإعلان خطط لتصحيح أوضاع المالية العامة والمباشرة في تنفيذها".

وقدر الصندوق ان التصحيح في المالية العامة للكويت يجب ان تعادل 12 بالمئة من الناتج المحلي الاجمالي على المدى الطويل وذلك لتحقيق التوازن حتى يكون "كافيا لتغطية الفجوة المقدرة في الحساب الجاري".

كما شدد الصندوق على وجوب الاختيار بين سبل تمويل عجز الموازنة العامة بأن يتم من خلال تقييم منافع وتكاليف كافة البدائل فالسحب من صندوق الاحتياطي العام كما حدث في السنة المالية 14/2015 يعتبر متماشيا مع دوره باعتباره صندوق خزانة للمالية العامة وضامن استقرارها.

وتطرق ايضا الى جدوى اصدار أدوات دين تساعد في تنمية السيولة بالعملة المحلية مستدركا بالقول ان اي عملية إصدار لتلك الادوات ينبغي أن تأخذ في اعتبارها أثر ذلك على احتياطيات العملة الأجنبية لدى بنك الكويت المركزي وطاقة الجهاز المصرفي على استيعاب ديون الحكومة دون حدوث أثر سلبي على الائتمان الموجه للقطاع الخاص.

واستنادا الى درجة التصنيف وشروط الاقتراض اعتبر إصدار أدوات دين بالعملة الأجنبية في الخارج يمكن ايضا ان تكون أحد الخيارات الإضافية المتاحة والتي لا تؤثر على حجم احتياطيات العملة الأجنبية لدى البنك المركزي.

وأوضح ان الحكومة يجب ان تأخذ في الاعتبار الاجراءات التي تقلل من الاعتماد على النفط ومن اهمها التركيز على اصلاح سوق العمل وتهيئة القطاع الخاص لقيادة النمو الاقتصادي في الدولة.

واشار الصندوق الى ان بنك الكويت المركزي واصل مساعيه في تعزيز الاطر التنظيمية والرقابية على النظام المصرفي بما يسهم في الحفاظ على الاستقرار المالي كما ان البنوك الكويتية تتمتع باوضاع مالية قوية تمكنها من مواجهة اية تحديات ناجمة عن تراجع اسعار النفط.

واوضح ان النمو الاقتصادي في دولة الكويت استمر خلال العام الماضي بمعدل اقل من المتوقع ليعكس بعض التباطؤ في النشاط الاستثماري في حين اشارت تقديراته الى انخفاض معدل النمو في القطاعات غير النفطية الى نحو 2ر3 بالمئة مقابل 2ر4 بالمئة في عام 2013 ما يترجم النشاط المعتدل في بعض القطاعات مثل الصناعة والتجارة والكهرباء والماء والمواصلات.

ورصد الصندوق تراجعا في حجم الانتاج النفطي بنسبة 4ر1 بالمئة خلال العام الماضي مرجعا ذلك الى وقف الانتاج في احد حقول المنطقة المحايدة منذ منتصف 2014 الامر الذي سجل تلاشي النمو الحقيقي في الناتج المحلي الاجمالي.

وذكر ان متوسط معدل التضخم في الكويت ارتفع بشكل طفيف في عام 2014 ليصل الى نحو 3 بالمئة ليرتفع في شهر يوليو 2015 الى نحو 3ر3 بالمئة مدفوعا بارتفاع اسعار خدمات القطاع السكني بشكل اساسي.

ومن مقترحات صندوق النقد الدولي ترشيد هيكل الضرائب واعتماد الضريبة على القيمة المضافة وتوحيد المعاملة الضريبية لقطاع الاعمال من شركات اجنبية ومحلية والغاء الرسوم على الشركات في ظل عزم دول مجلس التعاون الخليجي على تطبيقها بشكل مشترك وتفادي فروقات الاسعار بين دول المنطقة.

وقال الصندوق في تقريره ان تراجع اسعار النفط في الاسواق العالمية قد اثر سلبا على الميزانية العامة للكويت موضحا ان الدولة بحاجة الى تطبيق اجراءات تدريجية مستدامة لتصحيح الانفاق الجاري.

وأكد الحاجة الى اصلاح نظم الاجور والدعم وتحسين كفاءة الانفاق المالي لدولة الكويت بما يعزز النمو في القطاعات غير النفطية مع الاخذ في الحسبان استمرار المخاطر من انخفاضات اضافية لاسعار النفط.

وأوضح ان انخفاض اسعار النفط ادى الى "تدهور حاد" في وضع الموازنة العامة للسنة المالية 2014/2015 مضيفا ان البيانات الحكومية تشير الى عجز في الموازنة العامة تصل نسبته الى 4ر4 بالمئة من الناتج المحلي الاجمالي لنفس السنة المالية (بعد تحويل ما نسبته 25 بالمئة من إجمالي الإيرادات إلى صندوق احتياطي الأجيال القادمة وباستبعاد دخل الاستثمار).

واشار الصندوق الى اجراءات قامت بها الحكومة مثل رفعت اسعار الديزل والكيروسين وتخفيض الدعم على أسعار وقود الطائرات وهو ما يمكن من توفير ما نسبته 3ر0 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي سنويا.

وعن اوضاع الاسواق المالية افاد الصندوق ان هناك "فتورا" في اداء سوق الكويت للاوراق المالية (البورصة) مع تراجع اسعار الاسهم بنسبة 16 بالمئة على اساس سنوي حتى نهاية شهر اغسطس 2015 عاكسة بذلك تقلبات أداء الأسواق المالية العالمية خلال تلك الفترة وتداعيات الاضطرابات الجيوسياسية في المنطقة وحالة عدم اليقين بشأن أداء الاقتصاد المحلي.

وأكد ان ذلك ينسحب ايضا على القطاع العقاري في البلاد حيث سجل متوسط قيمة الصفقات العقارية تذبذبات ملحوظة "ويبدو ان الاتجاه التصحيحي لهذا القطاع ليس واضحا في المرحلة الحالية".

وقال ان ربحية قطاع الشركات اظهرت استقرارا خلال النصف الاول من العام الحالي في حين انخفضت معدلات النمو لكل من الودائع والائتمان الموجة للقطاع الخاص لدى البنوك الكويتية بنسبة 4ر5 بالمئة و 7ر4 بالمئة على التوالي.

واكد الصندوق ان القطاع المصرفي في الكويت يخضع لرقابة محكمة واظهر قدرة على تحمل صدمة انخفاض اسعار النفط قائلا ان معدل كفاية رأس المال للقطاع المصرفي بلغ 9ر16 بالمئة وفقا لتعريف (بازل 3) وبلغت نسبة القروض غير المنتظمة 8ر2 بالمئة من إجمالي محفظة القروض في حين بلغت نسبة تغطية المخصصات للقروض غير المنتظمة في البنوك المحلية نسبة 172 بالمئة حتى نهاية يونيو الماضي.

وذكر ان معدلات العائد على الاصول وحقوق المساهمين للبنوك ارتفعت الى نحو 1ر1 بالمئة و 9ر8 بالمئة على التوالي بنهاية عام 2014 مقارنة بنحو 1 بالمئة و 4ر7 بالمئة في عام 2013 لتعكس انخفاضا ملحوظا في المخصصات ونموا في ارباح الشركات التابعة لها وفروعها العاملة في الخارج.

كما توقع صندوق النقد الدولي ان يدعم الانفاق في مشروعات البنى التحتية النمو في القطاعات غير النفطية في الاجل المتوسط موضحا أن امتلاك الحكومة ل"مصدات مالية كبيرة" الى جانب "قوة أوضاع وسيولة" القطاع المصرفي سوف توفر البيئة المساعدة للنمو في ظل انخفاض اسعار النفط.

واشار الى ابرام العديد من العقود في القطاع النفطي منذ عام 2014 لزيادة الطاقة التكريرية والتي سيكون لها اثر ايجابي على الاقتصاد المحلي ونشاطه المالي.

وقدر الصندوق بان يبقى معدل النمو في القطاعات غير النفطية عند مستوى اقل بقليل خلال العامين الحالي والمقبل مقارنة بعام 2014 ثم يتجه بعد ذلك الى الارتفاع ليصل الى 4 بالمئة في الاجل المتوسط بفعل الاثر الناجم عن الاستثمارات الكبيرة التي تقوم بها البلاد حاليا.

وفي حال زيادة الانتاج النفطي على المدى المتوسط توقع ان يرتفع المعدل الحقيقي للنمو في الناتج المحلي الاجمالي من 3ر0 بالمئة في عام 2015 الى نحو 8ر2 بالمئة في الاعوام التي تليه.

كما سجل توقعاته بارتفاع متوسط معدل التضخم إلى نحو 4ر3 بالمئة بنهاية عام 2015 ليستمر عند هذا المستوى في المدى المتوسط مرجعا ذلك الى الاثر المحدود في معدلات التضخم العالمية.

وشدد الصندوق على ضرورة قيام الحكومة بالاستفادة من اسعار الطاقة العالمية المنخفضة حاليا لتعزيز الجهود الرامية إلى إصلاح أسعار الطاقة المحلية مشيرا الى ان التقليص التدريجي لدعم الطاقة الذي يقدر بنحو 2ر7 بالمئة من اجمالي الناتج المحلي من شأنه أن يولد وفرة مالية كبيرة للدولة.

واشاد في هذا السياق بجهود الحكومة التي بذلتها مؤخرا في جلب المستثمرين الاجانب الى السوق المحلي من خلال تبسيط اجراءات التسجيل والترخيص للمستثمرين مؤكدا ان انشاء هيئة تشجيع الاستثمار المباشر في دولة الكويت ساهم في جذب استثمارات أجنبية مباشرة إضافية.

واعدت بعثة صندوق النقد الدولي تقريرا متكاملا بعد زيارتها الاخيرة للكويت يتضمن استنتاجات فنية تشمل التطورات الاقتصادية والمالية الراهنة للدولة وتوقعات بشأن اداء الاقتصاد الكويتي والمخاطر التي تواجهه خلال الفترة الراهنة.