الأسواق النفطية العالمية تترقب بحذر وخوف تأثير قطع السعودية للعلاقات الدبلوماسية مع إيران، الأمر الذي أدى إلى ارتفاعات ضئيلة في أسعار مزيج برنت وغرب تكساس المتوسط بأقل من نصف دولار للبرميل.

لندن: رغم الارتفاعات الضئيلة في أسعار النفط في بداية الاسبوع كرد فعل لقطع المملكة العربية السعودية علاقتها الدبلوماسية مع إيران الا أن الأسعار هوت اليوم الخميس، حيث هبط سعر مزيج برنت أكثر من 4%، ليصل إلى مستويات لم نشهدها منذ نيسان (أبريل) 2004، مع اضطراب الأسواق الآسيوية جراء هبوط اليوان الصيني، ووقف التداول في سوق الأسهم الصينية بشكل طارئ للمرة الثانية هذا الأسبوع.

كما استمر التأثير السلبي للتخمة الهائلة في المعروض ومستويات الإنتاج شبه القياسية على أسعار النفط، التي فقدت حتى الآن 70% من قيمتها منذ بدء المسار النزولي لها في حزيران (يونيو) 2014، مما أضر بالشركات والحكومات التي تعتمد بشدة على إيرادات النفط.

ومن جهة أخرى، أسدل انهيار العلاقات بين السعودية وإيران بعد تنفيذ الرياض حكم الإعدام في رجل الدين الشيعي، الشيخ نمر باقر النمر، الستار على التكهن بأن "أوبك" قد تتفق بشكل ما على خفض الإنتاج لدعم أسعار النفط في وقت قريب.

وأشارت وسائل الاعلام لما قاله بيغن زنغنه، وزير النفط الإيراني، في عطلة الاسبوع الماضي، الى "أن إيران لن تسعى للتسبب في تشوه الأسواق، لكنها ستعمل على ضمان استعادة حصتها في السوق.

ومن المعروف أن صادرات النفط الخام الإيرانية انخفضت إلى نحو مليون برميل يوميًا من الذروة التي بلغتها عام 2011 عند نحو ثلاثة ملايين برميل يومياً قبل بدء سريان العقوبات الغربية على طهران.

وكانت إيران قد قالت في السابق إنها تعتزم زيادة إنتاجها النفطي بمقدار 500 ألف برميل يوميًا في ما بعد العقوبات، وبمقدار 500 ألف برميل أخرى يوميًا بعد ذلك بفترة قصيرة.

وحتى الزيادة التدريجية في الصادرات ستأتي في وقت تشهد فيه الأسواق العالمية تخمة في المعروض، إذ يضخ المنتجون أكثر من مليوني برميل كل يوم فوق احتياجات الطلب. وأصبحت أسعار النفط قرب أدنى مستوياتها منذ 11 عاماً دون 37 دولارًا للبرميل، ويقول بعض المحللين مثل بنك "غولدمان ساكس" إن الأسعار قد تنخفض إلى 20 دولارًا للبرميل إذا ظلت الامدادات تتزايد.
&
لتوضيح الصورة أكثر لا بد من الاشارة إلى مسح قامت به وكالة رويترز مؤخرًا، ونشرت نتائجه أواسط الاسبوع الحالي، مشيرًا الى&أن إنتاج "أوبك" من النفط الخام هبط في كانون الأول (ديسمبر) مع انخفاض الإمدادات من العراق، عقب ارتفاعها لمستوى قياسي في تشرين الثاني (نوفمبر)، إلى جانب انخفاضات أقل حجمًا في بعض دول المنظمة.

مستويات قياسية
&
ولا تزال أوبك تنتج مستويات قياسية مرتفعة، مع تركيز السعودية وغيرها من كبار المنتجين على الحصة السوقية، وهو ما يمنع أي فرص لتعافي أسعار النفط التي تهاوت إلى أدنى مستوى لها في 11 عامًا.

وانخفض إنتاج "أوبك" في ديسمبر الماضي إلى 31.62 مليون برميل يوميًا، من 31.79 مليون برميل يوميًا، بعد التعديل في نوفمبر، بحسب المسح الذي استند إلى بيانات ملاحية ومعلومات من مصادر في شركات نفطية، وفي منظمة "أوبك"، ومن مستشارين.

وتراجعت أسعار النفط إلى أقل من النصف في 18 شهرًا مسجلة أدنى مستوياتها في 11 عامًا، عقب قرار "أوبك" في الرابع من الشهر الماضي بالإبقاء على سياستها المستمرة منذ عام، وعدم فرض قيود على الإنتاج.

لا شك إن التوترات بين السعودية وإيران ستفاقم بشكل أكبر مشكلة وفرة المعروض في 2016، وستقلل احتمالات أي تعاون بين المنتجين الرئيسيين في ما يتعلق بإنتاج النفط مع عودة إيران إلى السوق العالمية حال رفع العقوبات عنها.

ووفقًا للاستطلاع الذي أجرته رويترز، فإنه من المرجح أن يبلغ متوسط أسعار برنت والخام الأميركي حوالي 50 دولارًا للبرميل هذا العام مع عدم قدرة نمو محدود للطلب على استيعاب الزيادة في المعروض.
ويجري تداول النفط حاليًا عند أسعار تقل بمقدار الثلثين عن أعلى مستوياتها المرتفعة التي سجلتها في منتصف 2014.

إلى ذلك استبعد استطلاع الرأي أو المسح المشار اليه اعلاه أن ترتفع أسعار النفط كثيراً هذه السنة، إذ يبدو أن النمو الضعيف للطلب لن يكفي لاستيعاب تزايد العرض من دول مثل إيران والعراق على الرغم من&توقع تراجع الإنتاج من خارج "منظمة البلدان المصدرة للنفط "أوبك".

ولكن نتائج هذا المسح تتناقض كليًا مع تنبؤات غولدمان ساكس وصندوق النقد الدولي. كلاهما رسما صورة قاتمة بتنبؤات تشير إلى تواصل أسعار النفط في الهبوط إلى 20 دولاراً أو أقل. ربما أن السبب في التناقض أن المسح تم اجراؤه قبل ظهور الأزمة السعودية الإيرانية.

السؤال الكبير هل التوتر الإيراني السعودي سيؤدي إلى ارتفاع ملحوظ في الأسعار؟

وما زالت أسعار النفط منخفضة بنحو الثلثين منذ منتصف 2014 بسبب تخمة المعروض، حيث يضخ المنتجون ومنهم "أوبك" وروسيا والولايات المتحدة ما بين 0.5 مليون ومليون برميل من النفط يومياً فوق مستوى الطلب.

&في الوقت ذاته، توقع موقع "ماركت ووتش"، المعني بالشأن الاقتصادي العالمي، أن تشهد اسعار النفط مزيدًا من الاضطراب، على خلفية التوتر في العلاقات بين السعودية وإيران، معتبرًا أن جهود منظمة الدول المصدرة للنفط "اوبك" لضبط سوق النفط قد تتأثر سلبًا جراء الخلاف بين اقوى عضوين فيها.

وأوضح الموقع أن التوتر الديبلوماسي بين الرياض وطهران قد يعقد مساعي المنظمة لضبط سوق النفط، فى حال شرعت إيران فى تصدير ما يقرب من مليون برميل اضافي يوميًا، وهي الخطوة التي من المتوقع ان تتم فور رفع العقوبات الغربية على إيران في وقت لاحق من العام الجاري، إلى أنّ أسعار النفط كانت قد هوت خلال العام الماضي إلى مستويات لم تشهدها منذ الأزمة المالية العالمية، بسبب الزيادة الكبيرة في الإمدادات عن المطلوب.

وخلال تلك الفترة، لم تمارس "أوبك" دورها المعهود فى مثل تلك الظروف برفع الاسعار وخفض الانتاج، لكنّ مسؤولي المنظمة ألمحوا، في ديسمبر الماضي، إلى احتمالات عقد اجتماع طارئ أوائل العام الجاري عندما يمكن تقييم أثر ضخ مزيد من صادرات النفط الإيرانية.

الا أن التوتر السياسي بين إيران والسعودية سيبقى العنصر الأكثر تأثيرًا على أسواق النفط في المرحلة المقبلة.
&