حذر صندوق النقد الدولي قبل 3 أيام من أن ويلات الاقتصاد الصيني ستعصف بأسواق الأسهم حول العالم، وستروّع الأسواق المالية عام 2016.
نهاد إسماعيل من لندن: بينما تهاوت قيمة الأسهم الاثنين الماضي، وهو أول أيام التعاملات الرسمية للعام الجديد، وصف رئيس قسم الاقتصاد في صندوق النقد الدولي موريس أوبستفيلد الوضع بالكئيب، مضيفًا إن الصين تبقى في قمة التحديات الاقتصادية التي ستواجه العالم خلال عام 2016. ومما لاشك فيه أن تراجع النمو الاقتصادي الصيني سينشر الذعر في الأسواق المالية العالمية.&
&
لضبط إيقاع السوق
حاول المنظمون الضابطون لأسواق المال في الصين تهدئة الأسواق، وذلك بضخ 130 بليون يوان (14 بليون دولار) من خلال بنك الصين المركزي، إلا أن سوق أسهم شانغهاي أغلق تقريبًا ثلثاً بالمائة تحت المستوى السابق.
&
وجاءت تعليقات صندوق النقد الدولي بعد توقف التعامل في الأسواق الصينية، وإثر هبوط كبير لتفعيل نظام جديد للحد من تقلبات السوق.. وهبط مؤشر شانغهاي كومبوزيت بنسبة 6.9%، بينما هبط مؤشر سي إي أي 300 بنسبة 7%. وكان مؤشر شينغين كومبوزيت الخاسر الأكبر، حيث هبط بنسبة أكثر من 8%.
&
وكان التعامل أوقف لمدة 15 دقيقة خلال اليوم بعد هبوط الأسواق بنسبة 5%. ولكن الأسواق استمرت في الهبوط، مما دعا جهات تنظيم التعامل إلى التوقف مبكرًا. ووفقًا لآلية صينية جديدة للحدّ من تقلبات السوق، يؤدي التحرك بنسبة 7% عن جلسة التعامل السابقة إلى إيقاف التعامل في اليوم.
&
كما إن قيمة صرف العملة الصينية الرينمنبي (اليوان) تهاوت إلى أدنى مستوياتها في غضون 5 سنوات، بعدما قررت الحكومة خفض قيمة العملة الصرفية لدعم الصادرات.
&
هبوط النشاط الصناعي
ولا يزال النشاط الصناعي يتراجع منذ ربيع عام 2015، وازدادت وتيرة التراجع في الأشهر الأخيرة من العام الماضي، مما بدأ يهدد الثقة ويخيّب الآمال في ثاني أكبر اقتصاد في العالم.&
&
هذا التراجع الذي لم يكن متوقعًا انعكس على مؤشرات الأسهم، حيث تراجع مؤشر "كايكسين ماركت" لمديري مشتريات قطاع التصنيع الصيني، إلى 48.2 نقطة في (ديسمبر) كانون الأول، أقل من توقعات السوق، والتي كانت 49 نقطة، وبتراجع عن قراءة (نوفمبر) تشرين الثاني، والتي بلغت 48.6. وفي هونغ كونغ هبط مؤشر هانغ سنغ بنسبة 2.8%.
&
هذا التراجع بدوره أدى إلى ضعف الطلب في الداخل والخارج والقدرة الإنتاجية غير مستغلة للمصانع وركود الاستثمار، ومن المتوقع أن تسجل الصين أدنى نمو لها منذ 25 عامًا في 2015، مع توقع فتور النمو إلى نحو 7% من 7.3% في 2014.&
&
ويشك بعض مراقبي السوق في أن النمو الحقيقي أقل بكثير مما تشير إليه البيانات الرسمية. فالأسهم الصينية هبطت 7% وأطلقت بذلك ردود فعل من الذعر حول العالم. وتم توقيف التعامل في الأسهم في الصين &بعد 30 دقيقة من بدء التعاملات، وهذا أقصر يوم في التعامل في تاريخ الصين التجاري.
&
ومن المتوقع أن يرتفع العجز في الميزانية إلى نحو 3%، من إجمالي الناتج المحلي في 2016. وبدأ المستثمرون يشعرون بالهلع عندما تدخل البنك الركزي الصيني لتخفيض قيمة اليوان أو الرينمنبي، مشعلًا بذلك حربًا في العملات، رغم أن الهدف هو جعل البضائع الصينية تبدو رخيصة وجذابة للمستوردين.
&
الرجوع 8 أعوام
في هذا السياق، تنبأ الملياردير جورج سوروس أن عام 2016 قد يشهد أزمة مالية حادة على نطاق واسع لم نشهدها منذ عام 2008.
&
وكان نشر تقارير وبيانات تحمل أخبارًا سلبية عن تقلص النشاط الاقتصاد الصيني، وبالتحديد النشاط الصناعي، عاملًا حاسمًا في انخفاض مؤشر التصنيع إلى 48.2 في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، مشيرًا إلى عاشر شهر على التوالي من تقلص أنشطة المصانع.&
&
إنهيار الأسواق ترافق مع تراجع قطاع الصناعات التحويلية، فالأوضاع كانت سيئة بما فيها الكفاية بالنسبة إلى السلطات الصينية إلى درجة إنها إتخذت إجراءات في محاولة احتواء الأزمة والتأقلم معها. وتبعت أسهم آسيا هبوط الأسهم الصينية. وهبط مؤشر نيكي 225 في اليابان بنسبة 3.1%، حيث أثر الين الياباني القوي سلبًا على أسهم الشركات الرئيسة التي تصدر منتجاتها إلى الخارج.
&
التأثير على اليابان وأميركا وأوروبا
من جهة أخرى، لم تهرب اليابان من العاصفة، وهي قريبة جغرافيًا من الصين، حيث تراجعت الأسهم اليابانية خلال تعاملات اليومين الماضيين، عقب إثارة مخاوف من احتمال أن يكون الاقتصاد الصيني يفقد زخمه، فيما أعلنت كوريا الشمالية أنها أجرت اختبارًا لقنبلة هيدروجينية، مما خلق حالة من المجهولية السياسية، جعلت المستثمرين يعزفون عن المخاطرة.
&
وهبط مؤشرات "نيكي" 225 القياسي لأسهم الشركات اليابانية الكبرى بنسبة 3.1%، ومؤشر كايشين ماركت ومؤشر توبكس بين نصف نقطة ونقطة ونصف نقطة، وهو تأثير محدود بحد ذاته، لكن تأثيره النفسي قد يؤدي إلى مزيد من المخاوف والهبوط.
&
يذكر أن الأسهم اليابانية سجلت الأربعاء ثاني تراجع إلى أدنى مستوى في شهرين ونصف شهر، خلال تعاملات متقلبة بعدما هبطت الأسهم الصينية، مما حدّ من إقبال المستثمرين على المخاطرة.
&
لم تهرب الأسهم الأميركية من العاصفة الصينية، فقد عانت الأسهم الأميركية في أولى جلسات عام 2016 يوم الاثنين الماضي من خسائر حادة، لتسجل أسوأ بداية لها منذ أعوام عدة. وبددت أسعار النفط مكاسبها، التي حققتها بداية العام يوم الأحد، حيث استقر الخام الأميركي على سعر 36.27 دولاراً للبرميل لعقود آجلة (تسليم فبراير/ شباط)، واستقر مزيج برنت القياسي على 36.62 دولاراً.
&
تذبذبات حادة يومية
إجمالًا تواجه أسواق الأسهم في العالم، لا سيما في أوروبا، تقلبات وذبذبات تتأرجح بين الربح والخسارة خلال يوم واحد وبين الارتفاع والهبوط وهلم جرا.. وسجلت الأسهم الأوروبية هبوطًا حادًا يوم الخميس بعدما رفعت الصين وتيرة تخفيض قيمة اليوان، مما تسبب في تقلبات عنيفة في أسعار العملات في المنطقة وهبوط أسواق الأسهم.
&
كما تراجع مؤشر FTSE100 «إف تي إس إي100» الرئيس في بورصة لندن للأوراق المالية بمقدار 148.9 نقطة، أي بنسبة 4.2 في المائة، في حين تراجع مؤشر «داكس» الرئيس في بورصة فرانكفورت الألمانية بنسبة 3.4 في المائة خلال تعاملات بداية العام، وأصبح المستثمرون الأجانب أكثر حذرًا على أموالهم في الشرق الأوسط بسبب التوترات التي تتصاعد في المنطقة، مع غياب ملحوظ لمؤشرات ايجابية قادرة على تحريك ودعم أسواق الخليج.&
&
السوق الأوروبية تتبع الآسيوية، وتسجل هبوطًا حادًا. حيث سجل مؤشر داكس الألماني تراجعًا زاد على الـ 3.5%، في حين انخفض مؤشر فايننشال تايمز البريطاني 3.0% في المئة، كما هوى مؤشر كاك 40 الفرنسي أربعة في المئة.
&
وفي تطور لاحق شهدت أسواق الأسهم في أوروبا انخفاضًا بنسبة 3% الخميس 7 كانون الثاني (يناير) 2016 بعد إغلاق أسواق الأسهم الصينية للمرة الثانية خلال أسبوع. وعبّر مستثمرون عن تخوفهم من أن التخفيض السريع لقيمة اليوان (الرينمنبي) قد يعني أن الاقتصاد الصيني أضعف مما كان متوقعًا.
&
التأثير الصيني على أسواق النفط
كان تأثير البيانات الصينية بمثابة ضربة موجعة إلى دول أوبك، خاصة بعد ارتفاعات ضئيلة في أسعار النفط، حيث تخلت عن ارتفاعها في وقت مبكر من التعاملات، متأثرة بالبيانات السلبية، التي صدرت أخيرًا من الاقتصاد الصيني، فضلًا عن استمرار وجود تخمة في السوق العالمية، نتيجة ارتفاع مستوى الإنتاج وتدني مستوى الطلب.&
&
تباطؤ وتراجع الاقتصاد الصيني خلق حالة من القلق في صفوف المصدرين النفطيين في منظومة أوبك. علمًا أن الصين هي ثاني أكبر اقتصاد في العالم، فإن استهلاكها من النفط سيتأثر حتمًا إذا تراجع نشاطها الاقتصادي. وهذا يؤثر مباشرة على أسواق الخليج.&
بعبارة أخرى تراجع الاقتصاد الصيني يعني تراجع الطلب على النفط، وهذا يسبب خسارة للمستثمرين في الصين والخليج أيضًا، وهذه الحالة ساهمت في حدة خسائر المؤشر العام لسوق أبوظبي، الذي فقد أكثر من 3.1 في المائة من قيمته، كما فقد مؤشر بورصة قطر الذي خسر 6.2 في المائة. حتى إن المؤشر الرئيس للبورصة المصرية شهد تراجعًا بنسبة 5.1 في المائة.
&
من الجدير بالذكر أن الدول المصدرة للنفط ترفض تخفيض إنتاجها في الفترة المقبلة، رغم وجود فائض في المعروض بمليون ونصف مليون برميل في اليوم على أدنى تقدير. وهذا سبب رئيس في انهيار أسعار النفط الخام من 115 دولاراً للبرميل في أواسط عام 2014 إلى أقل من 36 دولاراً الآن.&
&
وفي هذا الصدد، قرأنا كثيرًا من التكهنات بتراجع أسعار النفط بسبب التوترات القائمة بين السعودية وإيران، والتي ستساهم في تفاقم التخمة، التي تعانيها سوق النفط خلال العام الجاري، لأنها تضعف من احتمالات التعاون بين عملاقتي النفط بشأن حجم الإنتاج، خاصة بعد عودة إيران إلى سوق النفط العالمية بمجرد رفع العقوبات الاقتصادية عنها.
&
التعليقات