استقرت أسعار الخام النفطي فوق الأربعين دولارًا بعد الإعلان عن اجتماع "الدوحة 2" المقرر عقده في 17 أبريل المقبل، بحضور 15 دولة من داخل وخارج "أوبك"، ومن المتوقع ان يحضر الاجتماع 20 دولة أو أكثر ما يشير الى عمق المخاوف العالمية من ان الأسعار قد تنهار مجددا.


نهاد إسماعيل: سجلت أسعار خام برنت ارتفاعا طفيفا إلى أكثر من 41 دولاراً للبرميل، إلا أن محللين استبعدوا أن تواصل الأسعار ارتفاعها إلى ما فوق 45 دولارا، ولأسباب عديدة منها ارتفاع المخازين الأميركية التجارية والاستراتيجية، التهديدات الايرانية المستمرة بانها تنوي رفع الانتاج الى 4 ملايين برميل يوميا قبل ان توافق على مناقشة تجميد الانتاج.

لذلك تتجدد المخاوف بشأن المعروض العالمي بعد تصريحات إيرانية حول خطط توسيع الإنتاج، وطغى ذلك على توقعات تباطؤ إنتاج النفط الصخري فى الولايات المتحدة مع استمرار تراجع منصات الحفر والتنقيب. التصريحات الايرانية العنترية الشبه يومية تبدد كل التوقعات بتعافي الأسعار.

وفي الوقت ذاته حققت أسعار النفط ارتفاعاً بأكثر من 40% على مدار الأربعة أسابيع الأخيرة بعد التوصل الى صيغة لتجميد الانتاج في اجتماع الدوحة عند مستويات كانون الثاني يناير وإعادة الاستقرار موقتاً إلى أسواق النفط.

وايران العضو في منظمة الدول المصدرة للنفط (اوبك) تنتج حاليا 2.8 مليون برميل يوميا وتصدر اكثر من مليون برميل.

وعلى صعيد مختلف لا يستبعد محللون أن تصعد الأسعار فوق 45 دولاراً بنهاية الشهر الجاري، حيث ان هناك توقعات أن الأسواق أخذت في الاعتبار عملية تجميد الإنتاج في خططها الانتاجية وأن هنالك جدية والتزام في تبني وتطبيق اتفاق تجميد الإنتاج.

من جانب آخر تشير تقارير نشرتها وسائل الاعلام أن الأسواق العالمية فقدت إمدادات تقدر بحوالى 800 الف برميل يومياً من إنتاج نيجيريا والعراق.

ويذكر أن هنالك أعطابا في أنابيب نقل النفط في العراق منذ يوم 14 مارس أدت إلى فقدان 630 ألف برميل يومياً.

وتظهر الأرقام المتوقعة أن إنتاج النفط من خارج "أوبك" قد ينخفض بحوالى 750 ألف برميل يومياً.

ويبدو أن تعافي اسعار النفط التدريجي تعززه عوامل عديدة أخرى من بينها انخفاض قيمة الدولار الصرفية وتحسنات في اقتصادات أميركا والصين.

ويقدر خبراء في آسيا أن فائض الإنتاج النفطي في العالم لا يفوق أكثر من مليوني برميل حالياً.

هل ستنهار الأسعار مجددا ولماذا؟

ومن الجدير بالذكر أن موجة انهيار اسعار النفط توقفت في الاسابيع الأربعة الأخيرة بعد ان هوت من ذروتها في صيف 2014 بنسبة 70%. القلق الآن يتمحور حول السؤال هل سنشهد انهيارات جديدة بعد مرحلة التعافي القصيرة؟

ارتفعت الأسعار بنسبة 45% في شباط الماضي من ادنى مستوى وصلت اليه الأسعار منذ 2003.

المحادثات الأخيرة في الدوحة لتجميد الانتاج بين السعودية وروسيا وقطر وفنزويلا ساعدت في ارتفاع الأسعار.

والتوقف الموقت في انتاج نيجيريا والعراق لاسباب فنية ساعد في انتعاش الأسعار. قبل اسبوع توقعت وكالة الطاقة الدولية ان الانتاج الأميركي سيفقد 530 الف برميل يوميا وعزز التقرير حالة التفاؤل في الأسواق ما دفع الأسعار للصعود الى فوق 38 دولارا للبرميل. 

وحذرت صحيفة "وول ستريت جورنال" بتاريخ 14 مارس آذار ان تعافي الأسعار قد يكون السبب المحفز لمرحلة جديدة من انهيارات الأسعار لأنها ستشجع منتجي الزيت الصخري والرملي برفع وتيرة الانتاج مجددا كأنها تصب ماء باردا على تقرير وكالة الطاقة الدولية الذي تنبأ بهبوط الانتاج الأميركي. وحسب تقديرات "غولدمان ساكس" البنك التجاري الاستشاري المتخصص في اسعار السلع الاستراتيجية "اذا ارتفعت الأسعار الى 50 دولارا للبرميل مثلا سنواجه المشكلة نفسها بعد 6 أشهر ونعود للمربع الأول".

ويحذر "غولدمان ساكس" الشركات النفطية من العودة بسرعة لزيادة الانتاج بسبب احتمالات مخاطر انهيار الأسعار مجددا. لكي تبقى الأسعار مرتفعة لفترة معقولة يجب ان تتناقص مخزونات النفط الخام والمشتقات النفطية المكررة لتقليص التخمة حتى ولو بنسبة بسيطة.

ومن ناحية اخرى، بدأ بعض الشركات تخفيض تكاليف الانتاج. شركة شيفرون مثلا تستطيع استغلال 4000 بئر في تكساس وتكون مربحة اذا وصل السعر الى 50 دولارا الا ان عددا كبيرا من تلك الآبار ستحقق ارباحا حتى لو هبط السعر الى 30 دولارا. ولكن مصدر القلق يبقى النفط الايراني.

لماذا لا تحبذ السعودية أسعار نفط مرتفعة جدا؟
وجهة نظر أخرى من "بلومبيرغ" موقع المال والأعمال الإلكتروني حيث تقول إن أوبك بقيادة المملكة العربية السعودية تواجه خيارا صعبا جدا وهو هل سيتم ترك آليات العرض والطلب في السوق لتسحق منتجي النفط الصخري ام تترك منتجي النفط الصخري يواصلون الانتاج ويسحقون الأسواق؟

بعد ان هبطت الأسعار لأقل من 30 دولارا وحتى 27 دولارا للبرميل في اوائل يناير 2016 شهدت الأسعار ارتفاعا ملحوظا في الاسابيع الأربعة الأخيرة حيث وصلت ذروتها قبل عدة ايام عندما صعدت فوق الاربعين دولار للبرميل.

هذا كان ايجابيا ومشجعا لشركات الطاقة المدرجة أسهمها في اسواق البورصة العالمية. حيث انتعشت أسهمها في بورصات نيويورك ولندن.

ولكن هذا التعافي قد لا يستمر طويلا لعدة اسباب ويري موقع "بلومبيرغ" موقع المال والأعمال ان السعودية لا تحبذ استمرار صعود الأسعار. في فترات سابقة رحبت السعودية بأسعار مرتفعة جدا والتي جلبت مداخيل كبيرة للخزينة.

هذا كان صحيحا عندما كانت السعودية أكبر منتج للنفط على رأس منظومة أوبك. من الطبيعي ان السعودية ترحب بأسعار مرتفعة فوق 40 دولارا للبرميل ولكنها لا تريد أسعارا مرتفعة جدا. لماذا؟ حسب تحليلات بلومبيرغ الأسعار بحدود 40 دولارا وما فوق بعدة دولارات ستساعد منتجي الزيت الصخري على البقاء ما يجعل أميركا المنتج الأكبر الفعلي عالميا من حيث الكمية وبذلك ستقع عليه مسؤولية ارتفاع الأسعار او انهيارها أي كأكبر منتج نفطي ستتحمل الولايات المتحدة مسؤولية اي هزات كبيرة في الأسعار ولا يقع اللوم على السعودية كما هو الحال منذ السبعينات.

قد يتساءل البعض هل من المعقول ان تسمح السعودية بذلك؟ هل تفضل السعودية ان ترى المنتجين الصخريين يندثرون تحت ضربات اسواق النفط أي تحت آليات العرض والطلب التي لا ترحم احدا أم العكس؟

في حقيقة الأمر من المهم أن نتذكر ما قاله علي النعيمي وزير البترول السعودي في فبراير شباط الماضي لمنتجي الزيت الصخري اثناء مؤتمر الطاقة الذي عقد في هيوستون تكساس: ان آلية السوق ستسحقهم لعدم مقدرتهم على تخفيض تكلفة الانتاج في حرب الأسعار النفطية التي قد تتهاوى الى 20 دولارا للبرميل.