بدأ الإسرائيليون يشعرون بالقلق من إمكانية أن يكون قرار اتخذته شركة أهافا لمستحضرات التجميل بنقل مصنعها من الضفة الغربية، جاء بسبب الضغوط المتزايدة عليها من حركة مقاطعة الدولة العبرية.

القدس: قالت الشركة الاسرائيلية التي تبيع الطين والكريمات المصنوعة من الاملاح والمعادن في البحر الميت في بيان انها "ستقيم مصنعا اضافيا" داخل اسرائيل. لكنها لم تؤكد رسميًا حتى الآن اغلاق مصنعها في الاراضي الفلسطينية المحتلة.

ويشك البعض في امكانية ان تكون الشركة رضخت لضغوط متزايدة من حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات على اسرائيل "بي دي اس" (بويكوت، دايفستمنت اند سانكشنز، اي مقاطعة، سحب اموال وعقوبات).

ويرى ناشطون من الحركة التي تدعو الى مقاطعة الدولة العبرية الى حين انهاء احتلال الاراضي الفلسطينية ان خطوة اهافا تعد انتصارا للحملة المستمرة منذ نحو عشر سنوات. ولكن مبادرة اهافا اثارت تساؤلات حول امكانية اكتساب الحركة المزيد من الزخم.

واصبحت حملة مقاطعة اسرائيل دولية مع المناوشات التي تجري حول المقاطعة في محاكم وبرلمانات والجامعات في برايس ولندن ونيويورك. ويشير مؤيدو الحملة الى خطوات سابقة اتخذتها شركات مثل صودا ستريم التي انسحبت من الضفة الغربية في ايلول/سبتمبر 2015 ومجموعة الامن البريطانية الدنماركية العملاقة جي 4 اس التي ستترك اسرائيل بشكل تام.

لكن في الوقت نفسه، بدأت بعض الشركات تتوسع في الضفة الغربية متحدية الضغوطات التي لم تأت من حركة "بي دي اس" وحدها، بل من الاتحاد الاوروبي الذي بدأ في الاونة الاخيرة بوضع ملصقات تمييزية على المنتجات القادمة من الاراضي المحتلة.

تهديد استراتيجي
وتأخذ الدولة العبرية التهديد الآتي من حركة "بي دي اس" على محمل الجد وقد وصفه مسؤولون كبار بـ"التهديد الاستراتيجي". وتم تخصيص ميزانية هذا العام قدرها 118 مليون شيكل (31 مليون دولار) لمكافحة حركة مقاطعة اسرائيل. وعقد الطرفان أخيرا مؤتمرات استراتيجية، واكد كل من الجانبين انه يفوز في المعركة، في امر مثير للدهشة.

واكد وزير الشؤون الاستراتيجية جلعاد اردان للمؤتمر المؤيد لاسرائيل ان الحكومة تسعى الى "ان تكون قادرة على التصدي (للانتقادات) في الوقت الحالي وحتى ان تكون متقدمة على حركة المقاطعة بخطوة". وسعت حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات على اسرائيل، الى اتخاذ الحملة المناهضة للفصل العنصري في جنوب افريقيا في الثمانينيات مثالا، بينما يتهمها الاسرائيليون وداعموهم بانها تتجاوز الانتقادات المشروعة لتصل الى معاداة السامية، الامر الذي ينفيه النشطاء باستمرار.

ويؤكد جمال جمعة، العضو في حركة مقاطعة اسرائيل لوكالة فرانس برس ان الاسرائيليين "لا يمكنهم الرد بالطرق التقليدية (...) عبر الاتهام بانهم "ارهابيون" او يتلقون التمويل من "الارهابيين". من السهل على العالم ان يعرف ان هذا غير صحيح". وتابع "لهذا فانهم يحاولون تجريم الحركة دوليا".

وتقدر منظمة غوش شالوم غير الحكومية الاسرائيلية المناهضة للاحتلال ان عددا كبيرا من الشركات غادر الضفة الغربية في السنوات الاخيرة، وتواجه شركات صغيرة ايضا ضغوطا للمغادرة.

وينتج مصنع بساغوت للنبيذ في الضفة الغربية 250 الف زجاجة سنويا، بينما يقول مؤسسه ياكوف بيرغ انه رفض فرصة للاستثمار بملايين الدولارات عندما طلب منه المستثمرون جعل المصنع داخل اسرائيل. وقال "لن اترك هذا المكان ابدا".

تأثير محدود
ويبدو تأثير المقاطعة بشكل اوسع على الاقتصاد الاسرائيلي محدودا حتى الان، حيث تمثل المستوطنات ما يقارب نحو 2 او 3 % من التجارة الاسرائيلية.
وبحسب مجلس يشع الاستيطاني الذي يمثل المستوطنات فان عدد المصانع في المستوطنات ارتفع من 680 مصنعا في 2011 الى 890 مصنعا في 2015.

وبينما من غير المرجح ان تقوم بعض الاعمال الصغيرة ذات الدوافع الايديولوجية، مثل مصنع بساغوت للنبيذ، بتغيير مسارها، الا انه بحسب محللين فان الشركات الكبرى تشعر بالضغوطات. ويؤكد عوفر زالسبرغ من مجموعة الازمات الدولية ان الشركات الكبرى التي كان من الممكن ان تقدم بحماسة على الاستثمار في الضفة الغربية المحتلة قبل خمس سنوات، قلقة الان من القيام بذلك.

واشار زالسبرغ الى ان الحكومة الاسرائيلية تتخوف من محاولات لنزع الشرعية عنها، بالاضافة الى اجراءات اضافية مثل استثناء مستوطني الضفة الغربية من الاعفاء من الحصول على تأشيرات الدخول الاتوماتيكية الى الدول الاوروبية.

واعترف الصحافي الاسرائيلي بن درور يميني الذي يكافح حركة المقاطعة، بان اسرائيل قد لا تفوز في معركة الدعم الشعبي في بعض الدولي. وقال "حاليا، ساحة المعركة هي الرأي العام في الغرب، واعتقد ان مناصري حركة البي دي اس سينتصرون". وبحسب يميني "من السهل جدا بيع هذه الدعاية المعادية لاسرائيل".

وتركز اسرائيل حاليا على اتخاذ تدابير للحد قانونيا من انشطة البي دي اس. ويقول رون لودر، رئيس المؤتمر اليهودي العالمي انه تم جمع اربعين محاميا يهوديا معا قبل عامين لتطوير استراتيجية قانونية. واكد لودر اخيرا في المؤتمر الاسرائيلي المناهض لحركة المقاطعة "على الجبهة القانونية، فاننا نفوز".

وبدأت هذه الاستراتيجية تؤتي ثمارها: فقد منعت فرنسا حركة المقاطعة في تشرين الاول/اكتوبر الماضي، وفي الولايات المتحدة الاميركية قامت سبع ولايات بتبني اجراءات تدين حركة البي دي اس، نظمتها جماعات مسيحية انجيلية. وقام البرلمان الكندي ايضا بادانة حركة المقاطعة. لكن هذه الاجراءات لا توقف من عزيمة حركة المقاطعة ولا نشطائها الذين يتعهدون بمواصلة الضغوطات على اسرائيل.