استبقت السعودية الاستفتاء البريطاني بإجراء مراجعة شاملة لسياستها الاستثمارية وإدخال بعض التعديلات للحدّ من تأثر أسواقها المالية. وتقول قراءات المحللين إن المملكة قد تكون ملاذًا لكثير من الشركات التي ستتضرر من الاستفتاء البريطاني، في حين لن يؤثر الخروج على الاستثمارات بين الجانبين.


إيلاف من جدة: أطلق صندوق النقد السعودي تطميناته إزاء التأثر استثماريًا واقتصاديًا في السعودية على خلفية خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي.

قال أحمد الخليفي، محافظ مؤسسة النقد العربي السعودي، في بيان، إن المؤسسة ومنذ فترة "تتابع تطورات توجه بريطانيا للخروج من الاتحاد الأوروبي، تحوطاً لما قد يكون عليه من أثر على أسواق المال. مشيرًا إلى أن المؤسسة قامت بمراجعة سياستها الاستثمارية في ما يخص الأصول المقومة باليورو والجنيه الإسترليني، في ضوء التطورات الاقتصادية والسياسية وأجرت بعض التعديلات في حينه".

وأشار الخليفي إلى توقعات بأن يكون الأثر على القطاع البنكي محدودًا، "نظرًا لمحدودية انكشافه على تلك العملتين، ورأى أنه من المبكر الحكم على الأثر الدائم لخروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي، سواء على اقتصادها أو على اقتصاد الاتحاد الأوروبي، وبالتالي على أسواق المال والاستثمار".

واختار البريطانيون في استفتاء تاريخي جرى الخميس الماضي، الخروج من الاتحاد الأوروبي؛ مما أحدث صدمة كبيرة في أوروبا والعالم أدت إلى هبوط كبير في البورصات العالمية.

أبعاد سياسية واقتصادية

ومع أن صندوق النقد العربي السعودي يرى محدودية التأثر بهذه الأزمة، إلا أن الكاتب والمحلل الاقتصادي عضو جمعية الاقتصاد السعودية حسن الأحمري اكد لـ"إيلاف"، أن لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي ابعاداً سياسية واقتصادية على الجانبين، سواء لدول الاتحاد الاوروبي أو لبريطانيا نفسها، فالاتحاد سيفقد دورًا سياسيًا بارزًا كان من المفترض أن تلعبه دولة كبريطانيا، وكذلك ستفتقد واحدًا من أكبر داعميها الاقتصاديين، حتى وإن كانت بريطانيا منذ عضويتها في الاتحاد لم تدخل ضمن تحالف اليورو ولا اتفاقية الشنغن، ولكن دورها في الدعم السياسي والاقتصادي كان واضحاً وجلياً.

أضاف لـ "إيلاف": "على الجانب الآخر، بريطانيا ستتأثر ولو بشكل موقت (قد يمتد لأكثر من سنة) جراء خروجها من الاتحاد، خاصة اقتصاديًا، حيث من الممكن أن تفتقد عدداً من الامتيازات التي كانت تملكها وقت عضويتها في الاتحاد وخاصة في ما يتعلق باتفاقيات التجارة البينية مع دول أوروبا، بالإضافة إلى دعم بعض القرارات الاقتصادية والتي تصب في مصلحة بريطانيا فهي الان وحيدة، ولا يمكن مقارنتها بالاقتصاد الاميركي الضخم الذي يقوم بحل مشكلاته الاقتصادية ذاتيًا، وبريطانيا بخروجها لا شك أنها عادت عشرات السنين إلى الخلف".

ويشير الأحمري إلى أن هناك تأثيرات ملموسة بشكل مباشر حاليًا تتمثل في انخفاض سعر العملة، وتدهور أسواق الاسهم، واختلال الطلب على سندات الخزينة بسبب عدم وضوح الرؤيا في ما يتعلق بقدرتها على الوقوف لوحدها مرة اخرى مما يجعل العالم ينظر بحذر نوعًا ما نحو الاقتصاد البريطاني ولو بشكل موقت.

الاستثمارات السعودية

وفي ما يخص الاستثمارات السعودية في بريطانيا، أضاف الأحمري لـ "إيلاف": "تبلغ الاستثمارات السعودية ١٨ مليار دولار أميركي، أي ما يعادل ١٢ مليار جنيه إسترليني معظمها في الاسهم والسندات، ومن الطبيعي أن تنخفض قيمة هذه الاستثمارات خلال العام القادم جراء اختلال مؤشرات الاقتصاد البريطاني نتيجة لخروجها من الاتحاد".

وفي ما يتعلق بالسوق السعودية، يقول إنّ الاستثمارات السعودية في بريطانيا معظمها في الاسهم والسندات. ولكن هذا لا يعني انخفاض مؤشر السوق، فانخفاض المؤشر يعود الى التأثير النفسي للمتعاملين وتأثرهم بالأخبار المحيطة، وخبر خروج بريطانيا لا شك أن له وقعًا كبيرًا، وبالتالي يضطر المستثمر إلى الخروج من السوق تجنبًا للإنخفاضات الحادة، وهذا الامر يحدث في مثل هذه الأزمات، والسوق السعودية معتادة على مثل هذا، وهو امر موقت، إذ ستعاود السوق ارتفاعها من جديد أو مسيرتها المستقرة نحو رقم أو مدى معين"، على حد تعبيره.

وعن انخفاض قيمة الجنيه الاسترليني، يرى الأحمري أن هذا يمكن أن يكون مؤشرًا ايجابيًا على أسعار العقارات، وبالتالي تنخفض، فيزيد الطلب عليها، بالإضافة إلى أن انخفاض قيمة العملة يؤثر بشكل كبير على زيادة حجم الصادرات البريطانية، وبالتالي سيستفيد الاقتصاد البريطاني من ذلك.

اضطراب نفسي

من جانبه، أوضح الكاتب والمحلل الاقتصادي رئيس المركز السعودي للدراسات والاعلام، جمال بنون، لـ"إيلاف"، أن &الضرر سيلحق دول الخليج مثل باقي الدول الاخرى التي تتعامل مع الاتحاد الاوروبي نتيجة انسحاب بريطانيا في استفتاء شعبي، وبالدرجة الاولى سيكون التأثير مضاعفًا للمتعاملين بالعملة الاوروبية اليورو أو بالجنية الاسترليني، خاصة ونحن نعلم أن العديد من دول الخليج تتعامل مع شركات اوروبية لها مصانع أو شركات في بريطانيا.

يضيف: "قد تستغرق عملية الخروج من الاتحاد نحو عامين، حيث أن هذه المصانع والشركات كانت تستفيد من المميزات التي تحصل عليها تحت مظلة الاتحاد الاوروبي، وبقاؤها قد يكلفها المزيد، ولهذا فهي تحرص على الانتقال إلى أي دولة اوروبية أخرى. خاصة إذا ما عرفنا أن دول الخليج تعد شريكًا استراتيجيًا مهماً بالنسبة لاوروبا، فهي خامس اكبر سوق تصدير للاتحاد الاوروبي، إلا أن هذه الازمة الاقتصادية بالنسبة للخليجيين يمكن أن نطلق عليها حالة اضطراب نفسي موقت، تزول حينما تتم حالة عملية والتسليم من الاتحاد الاوروبي".

ويشير إلى أن دول الخليج، هي دول استهلاكية واسواقها مفتوحة لجميع الشركات الكبرى، فبالتأكيد قيمة العقود والصفقات التي تمت مع هذه الشركات بالأسعار القديمة، اما يعاد تقييمها من جديد، أو يتحمل الطرفان الخسارة بسبب فارق العملة او تكلفة نقلها خارج بريطانيا.

شراكات مستقبلية

يرى المحلل الاقتصادي حسن الأحمري أن رؤية المملكة ستكون حافزًا لدخول الاستثمارات البريطانية للمملكة، وهذا الامر يعود للعلاقات الثنائية المتميزة بين البلدين، وطالما أن هناك بيئة استثمارية خصبة ومحفزة لأي رجال أعمال في العالم فستكون إيجابية بلا شك، بل وستكون حلاً لمشكلات اقتصادية ايضًا للجانبين.

ومع ذلك يضع كل هذه الفرضيات أمام ما تحمله الأيام القادمة قائلاً: "لا شك أن المرحلة القادمة غير مستقرة، فمرحلة الانفكاك من أي تجمع ستكون له تبعات اقتصادية كبيرة، نحن الآن نشاهد بعضها وهي بداية التأثر من الخبر، ولكن بعد ذلك سنشاهد تبعات كثيرة مثل خروج بعض الاستثمارات من بريطانيا بسبب اختلال المؤشرات، ومن أهمها انخفاض سعر العملة وارتفاع التضخم والخوف والترقب من المرحلة القادمة، ربما يودي ذلك الى ارتفاع معدل البطالة وفقدان الكثير من الوظائف".

في الصدد ذاته، أكد بنون أن الزيارات التي يقوم بها ولي ولي العهد الامير محمد بن سلمان ضمن رحلته التفاوضية التي يقوم بها لتسويق رؤية السعودية 2030 مع بريطانيا، ستتم وفق موقعها الحالي خارج الاتحاد، ونفس الحال مع بقية الدول الاخرى مثل فرنسا وايطاليا، وقد يواجه فريق التسويق للرؤية بعض الصعوبات في هذه المرحلة للتفاوض إذا تضمن اللقاء بعض الشركات الخاسرة والمتضررة، فيتطلب بعض الوقت حتى تستعيد انفاسها وتعرف موقعها، انما لا يمنع ذلك أن &تنطلق المفاوضات، فالفرص التي تطرحها السعودية ربما تكون ملاذًا آمنًا لبعض الشركات التي اصابها ضرر من الازمة الاوروبية لخروج بريطانيا.

ونوّه إلى اهمية دور بريطانيا كقوى اقتصادية وسياسية ومكانتها في الاتحاد، الا أن بريطانيا هي نفسها سوف تتضرر في البداية، ولكنها ستستعيد عافيتها، وربما تخسر أكثر بخروج الشركات، المصانع، والبنوك والتي كانت تعمل تحت مظلة الاتحاد، وبالتالي ستبرز مشكلة البطالة وتقلص فرص العمل.

الايجابيات

وبحسب &الأحمري، سترتاح بريطانيا من دعم الدول المتضررة اقتصاديًا كاليونان وإسبانيا والبرتغال وإيطاليا وتتفرغ لنفسها فقط، كما أنها سترتاح كثيرًا من مشكلة اللاجئين ونزوحهم إلى اوروبا، وهذا الامر يثقل كاهل ميزانية الدول المستضيفة، لذلك ستصبح بريطانيا غير شريكة في قرارات الاتحاد الاوروبي المتعلقة بمسألة اللاجئين.