في خطابه اثناء مراسم التنصيب، قال الرئيس الأميركي دونالد ترامب أشياء كثيرة متناقضة وبعيدة عن الواقع، ورسم صورة قاتمة وكئيبة عن الأوضاع الاقتصادية في الولايات المتحدة مثل البطالة العالية المتفشية والفقر المدقع وازدياد عدد المحتاجين للمساعدات الحكومية.&

إيلاف من لندن: نشرت صحيفة نيورك تايمز في اليوم التالي لتنصيب الرئيس الأميركي دونالد ترامب، أي 21 يناير، تحليلاً يفند ادعاءات الأخير بشأن الاقتصاد ومنها أن عدد العائلات التي تستلم المعونات الحكومية انخفض بنسبة 70% الى 1.2 مليون شخص بين 1996 الى 2016. ربما ترامب لم يعرف ذلك أو انه يعرف ولكن قرر أن يتجاهل الموضوع.

وزعم ترامب أن ملايين الوظائف اختفت، ولكنه لم يذكر أن معدلات البطالة هبطت من &10% عام 2009 الى أقل من 5% عام 2015.

وزعم ايضا أن الوظائف تذهب الى دول ما وراء البحار، وأن المصانع تغلق ولكنه لم يقل أو لم يعرف أن الانتاج الصناعي ارتفع بما يزيد عن 86% حسب مكتب احصائيات العمل الأميركي.

إلغاء الاتفاقات التجارية له عواقب وخيمة

في صيف العام الماضي، واثناء الحملة الانتخابية أعلن ترامب عن برنامجين اقتصاديين هامين، وهما تخفيض الضرائب على الأفراد والشركات والثاني تمزيق اتفاقيات التجارة الحرة التي تسمى نافتا NAFTA &المعقودة مع كندا والمكسيك، وكذلك اتفاقية التجارة مع الصين ومع آسيا باسيفك، وأعلن الحرب ضد منظومة التجارة الدولية زاعمًا أن الغاء الاتفاقيات سيجلب فرص عمل اضافية للولايات المتحدة وسيخلق ازدهارًا اقتصاديًا.&

ترامب مخطىء تمامًا، لأن &الانعزالية والحمائية ستجلبان الانكماش الاقتصادي والبطالة. ورفع التعرفة الجمركية ضد المنتجات الصينية وغيرها ستجلب اجراءات مضادة. الانعزالية والحمائية ستقلصان نفوذ الولايات المتحدة على المسرح الاقتصادي العالمي.

من الصحيح ان التجارة مع الصين كلّفت الولايات المتحدة مليون وظيفة في المصانع بين عامي 2000 و 2007، ولكن التطور التكنولوجي الصناعي والآلي واستعمال الروبوتات هو السبب الأكبر وليس الصين.&

لا ننسى أن الصين استوردت من الولايات المتحدة بضائع وخدمات قيمتها 165 مليار دولار عام 2016 ومن المتوقع أن ترتفع الى 369 ملياراً بحلول 2026. وفي عام 2015 وقعت الصين عقد شراء مع بوينغ الأميركية بقيمة 38 مليار دولار. والصين تمتلك 1.25 ترليون دولار من سندات الخزينة الأميركية أي انها تقوم باقراض الخزينة الأميركية بمليارات الدولار كل عام. ويبدو أن &ترامب لا يدرك أن الحمائية والانعزالية ستضعفان دور الولايات المتحدة العالمي. الغريب في الأمر ان رئيس اكبر دولة رأسمالية في العالم يطالب بتقييد التجارة الحرة، بينما الرئيس الصيني تشي جي بينغ يطالب في مؤتمر دافوس الاسبوع الماضي بالمزيد من الانفتاح والعولمة.

تخفيض الضرائب يعني زيادة العجز في الميزانية

خلال الحملة الانتخابية، وعد ترامب بتخفيضات هائلة في الضرائب لتحفيز الاقتصاد والاستثمار. وفي هذا السياق، قال ستيفن مانشن سكرتير الخزينة الذي عيّنه ترامب مؤخرًا، في حديثه مع لجنة الكونغرس المختصة بالتعيينات الحكومية في مراكز القرار العليا في الحكومة &"سنخفض الضرائب ونتأكد أن العجز لا يرتفع".&

ولكن معظم الاقتصاديين يعتقدون ان العجز سيرتفع حتمًا. تاريخيًا، معروف ان حزب الجمهوريين المحافظ &يؤيد دائمًا خفض الضرائب لتشجيع النمو الاقتصادي والانفاق المنزلي. لكنّ المحللين يعتقدون أن خطة ترامب الضرائبية ستخلق عجزًا &يتراوح بين 2.6 ترليون دولار و10 ترليونات خلال 10 سنوات حسب مؤسسة مودي الائتمانية.

ولكن "مؤسسة الضرائب"&Tax Foundation ذات التوجه اليميني تعتقد أن خطة ضرائب ترامب سترفع النمو الاقتصادي بنسبة 2.7%.&

وعود شفوية شعبوية تخبطية

كما وعد ترامب بتخفيض ميزانيات الدوائر الحكومية مثل دائرة الطاقة ودائرة الغذاء والدواء، ولكن الانفاق الاضافي الدفاعي على الشؤون العسكرية الذي وعد به ترامب البالغ 950 مليار دولار سيلغي هذه التخفيضات. وبامكان إدارة ترامب تمويل الضرائب عن طريق الاستقراض، ولكن هذا سيرفع المديونية الفيدرالية &بحوالي 14 ترليون دولار.

لا شك ان دونالد ترامب ومع كونغرس يسيطر عليه الجمهوريون سيكون قادراً على تمرير أي قوانين وأي قرارات اقتصادية كما يشاء، سواء كنا نتحدث عن تخفيض ضرائب ام زيادة الانفاق العسكري. حسب الصحف الأميركية، فإن الشركات الكبرى لم تكن متحمسة لنجاح ترامب في الانتخابات رغم انها ستستفيد من سياساته الاقتصادية.

واثناء الحملة الانتخابية سمعنا الكثير من ترامب عن رغبته في اعادة بناء البنية التحتية المترهلة، وهذا سيأخذ وقتًا طويلاً ليجلب نتائج اقتصادية ايجابية.&

ومن جهة أخرى، يتحدث معسكر ترامب عن سياسة ضرائبية وانفاق حكومي متساهل ومن دون قيود شديدة وفي الوقت نفسه&يتحدثون عن تقييدات نقدية متشددة ومقيدة جدًا للسيولة النقدية لمنع التضخم.&

وتعرض ترامب لانتقادات شديدة لأنه لغاية الآن معظم خططه الاقتصادية التي أعلنها كانت مجرد مقاطع صوتية شعبوية، ولم يقدم دراسة تفصيلية مع الأرقام ومن اين ستأتي الأموال لتمويل برامجه الاقتصادية.

أما خطته للطاقة التي اطلقت قبل يومين أي بعد تعيينه رسميًا كرئيس للولايات المتحدة، والتي تطلق عليها خطة "طاقة اميركا اولاً"، والتي تقول على الولايات المتحدة ان تستغل 50 ترليون دولار من الطاقة المخزونة أو الثروة المدفونة تحت الأرض، أي الغاز والنفط الصخري، لتحقيق الاكتفاء الذاتي من النفط والغاز، وتتوقف عن الاعتماد على الشرق الأوسط . وهذا بدوره سيساهم في رفع الانتاج النفطي والتخمة في السوق ومن ثم ستهبط الأسعار وتكرار سيناريوهات انهيار الأسعار مجددًا.

علينا الانتظار للتأكد كيف ستتم ترجمة وعود ترامب الاقتصادية ذات الطابع الشعبوي والعشوائي.

&
&