جولة أسيوية تاريخية يقوم بها الملك السعودي في الأسابيع المقبلة، تهدف إلى تنويع شراكات المملكة الإستراتيجية، وتقوية علاقاتها الثنائية مع دول الشرق الآسيوي.
إيلاف من لندن: يزور الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز كلاً من الصين واليابان وماليزيا، ضمن جولة آسيوية تبدأ في الأسابيع المقبلة، وتشمل كذلك إندونيسيا والمالديف.
تأتي هذه الجولة التاريخية ضمن إطار سعي المملكة إلى تنويع شراكتها الاستراتيجية مع دول شرق آسيا، حيث يُنتظر أن يكون لهذه الجولة دور محوري ومؤثر بمسار علاقات المملكة مع تلك الدول في مختلف المجالات، وعلى رأسها المجال الاقتصادي.
تعد زيارة الملك سلمان المرتقبة إلى الصين الأولى منذ توليه مقاليد الحكم في البلاد، والثالثة على المستوى الشخصي، وقد وصف السفير الصيني في الرياض "لي تشنجون" زيارة خادم الحرمين لبلاده بـ"التاريخية"، مؤكدًا بأن العلاقات بين البلدين متينة.
تعزيز التبادل التجاري
من المتوقع أن تشهد زيارة الملك سلمان إلى الصين توقيع اتفاقات في 5 مجالات (سياسية، واقتصادية، وتعليمية، وإنسانية، وثقافية)، طبقًا لما ذكره سفير بكين في مؤتمره الصحفي مؤخرًا في الرياض، فيما تطلّع أن تشهد الزيارة التوقيع على كل الاتفاقات المتوافقة مع رؤية 2030 ومبادرة الحزام والطريق الواحد، والتي تم الترويج لها من قبل الوفد الصيني في مؤتمر الطاقة العالمي الذي عقد بإمارة ابو ظبي في يناير الماضي.
كما وسيتم بحث استراتيجيات التعاون في مكافحة الإرهاب، بالإضافة إلى بعض المواضيع التي تهم البلدين.
وشهد التبادل التجاري بين الرياض وبكين انخفاضًا عام 2016 عما كان عليه في 2015، حيث تقلص من 52 مليارًا إلى 43 مليار دولار. ومن الجدير بالذكر ان صادرات النفط السعودية للصين بلغت 51 مليون طن من البترول الخام خلال عام 2016. وتعتبر السعودية أكبر شريك تجاري للصين في منطقة غرب آسيا وأفريقيا، وأكبر مزود للصين بالنفط الخام.
وهناك تعاون كبير بين الصين والمملكة العربية السعودية في مجالات إنشاء البنية التحتية والاستثمار وعقود العمل ومجالات طاقة الإنتاج والأقمار الاصطناعية والعلوم والتكنولوجيا والطاقة النووية والطاقة المتجددة والقطاع المالي وغيرها من المجالات الناشئة.
تعاون ضخم
منذ ان اتخذت المملكة العربية السعودية القرار الاستراتيجي الهام بتنويع الاقتصاد وتقليل الاعتماد على النفط في اطار رؤية 2030 وبرنامج التحول الوطني 2020، دأبت على برامج تطوير وتدريب وتأهيل كوادر في مجالات خارج قطاع النفط. وعبرت الحكومة اليابانية عن رغبتها بالمشاركة في أي مشروع على المستويات الحكومية والخاصة، حيث تتوفر فرص كبيرة للتعاون بين البلدين.
وعندما أطلق الأمير محمد بن سلمان، ولي ولي العهد، رؤية 2030، والتي تتضمن برامج وخطط للاصلاح الاقتصادي، وطرح أسهم شركة ارامكو للاكتتاب العام، أبدت اليابان اهتمامًا كبيرًا بأن تكون شريكًا اقتصاديًا فاعلًا، لا سيما بعد ان قابل الأمير رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي في طوكيو العام الماضي، وبحثا برامج تعاون في اطار الاصلاح الاقتصادي.
كما وعبر وزير الاقتصاد الياباني هيروشيغي سيكو عن الرغبة في التعاون في حقول الطاقة المتجددة وغيرها من المجالات. ومن المتوقع ان يبحث الملك سلمان التفاصيل النهائية لابرام الاتفاقات السعودية اليابانية رسميًا اثناء زيارته المرتقبة إلى اليابان.
التعاون الياباني السعودي لا يقتصر فقط على الحكومات، بل أبدت مؤسسات صناعية وتجارية ومالية الرغبة في التعاون مع السعودية، ومنها ايضا مجموعة "سوفت بانك"، التي وافقت في اكتوبر 2016 على اطلاق صندوق استثماري وبشراكة مع صندوق الثروة السيادي السعودي بقيمة 100 مليار دولار. الهدف من ذلك هو الاستثمار في مجالات تنويع الاقتصاد غير النفطي، بالإضافة إلى تدريب الكوادر على اكتساب مهارات تقنية في قطاعات غير نفطية، وخلق فرص عمل جديدة.
واثتاء زيارة وزير الاقتصاد الياباني هيروشيغي سيكو للسعودية في اكتوبر الماضي، رافقه ممثلين من 30 مؤسسة صناعية وتجارية ومالية قدموا مقترحات لمشاريع تعاون في اطار برنامج تنويع الاقتصاد السعودي.
شريكٌ أساسي
المملكة العربية السعودية هي أكبر مصدر للنفط الخام لليابان، وهنا تكمن أهمية رفع مستوى العلاقات مع اليابان وتأمين حاجتها من الطاقة، وهذا أمر حيوي لطوكيو والرياض معا. كما تسعى طوكيو على حث وتشجيع ارامكو على ادراج اسهمها في بورصتها، مما سيعيد تنشيط البورصة اليابانية ويعود بالفائدة على البلدين.
هناك توقعات كثيرة أن زيارة اليابان ستكون ذات أثر كبير على الاقتصاد السعودي، إذ يبدو أن الرياض اختارت طوكيو لتكون شريكاً أساسياً في خطة المستقبل السعودية، التي ترتكز على التقنية والتكنلوجيا والاستثمار في الشركات ذات الاختصاص.
وكان رئيس وزراء اليابان ابي قد زار المملكة مرتين سابقا، الأولى عام 2007 والثانية عام 2013 وقابل الملك سلمان في زيارته الثانية عندما كان أميرًا، كما وأن ولي ولي العهد السعودي كان قد زار اليابان واجتمع مع امبراطورها في سبتمبر الماضي، في ظل سعي السعودية لتعزيز الشراكة الاستراتيجية بين البلدين.
هذا وتدرك اليابان ان المملكة العربية السعودية دولة قيادية في الشرق الأوسط على الجبهات الديبلوماسية والأمنية، كما وأن تراجع الدور الأميركي في المنطقة سيعطي أهمية خاصة للتعاون الياباني السعودي.
دور محوري
وقالت مصادر اعلامية سعودية إن الزيارة ستشمل أيضا اندونيسيا، وهي أول زيارة لملك سعودي.
وأعلنت الحكومة الإندونيسية في وقت سابق أن العاهل السعودي سيلتقي خلال زيارته، التي ستستمر أسبوعاً، الرئيس الإندونيسي جوكو ويدودو، وفقا لما أوضحه وزير الشؤون الدينية الإندونيسي لقمان حكيم سيف الدين، الذي أوضح أن القمة السعودية - الإندونيسية ستناقش التعاون الثنائي في قطاع الأعمال، خصوصا أن كلا البلدين عضوٌ في مجموعة الـ20، ويمتلكان قدرة كبيرة على التعاون في قطاع الطاقة.
وكان الملك سلمان قد التقى الرئيس ويدودو إبان زيارته للمملكة في سبتمبر 2015، حيث استعرضا العلاقات الثنائية بين البلدين وسبل دعمها وتعزيزها في مختلف المجالات، وبحثا مستجدات الأوضاع على الساحات الإسلامية والإقليمية والدولية.
ويتوقع المراقبون أن يكون لهذه الجولة دور محوري ومؤثر في مسار علاقات المملكة بالدول الخمس في مختلف المجالات، لافتين إلى أهميتها الاقتصادية والسياسية على وجه الخصوص، إذ تشكل رؤية السعودية 2030 فرصًا لزيادة حركة التجارة والاستثمار بين المملكة والدول الخمس.
تطور العلاقات
يذكر أن جولة ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان شهدت توقيع عدد من الاتفاقات ومذكرات التفاهم مع كل من الصين واليابان، فيما بلغ حجم التبادل التجاري بين المملكة وماليزيا أكثر من 15 مليار ريال عام 2015.
وتمثل السعودية الشريك رقم 19 لماليزيا عالمياً، فيما تأتي في المرتبة 23 في قائمة الدول المستقبلة لصادرات ماليزيا.
يذكر أن العلاقات السعودية مع الدول الآسيوية، خاصة دول شرق آسيا، شهدت تنسيقًا وزيارات متبادلة في الفترة الماضية، حيث زار الأمير محمد بن سلمان في شهر أغسطس الماضي عددا من الدول الآسيوية عندما ترأس وفد المملكة المشارك في قمة قادة دول مجموعة الـ20 في بكين، قبل التوجه لليابان. كما شهدت العلاقات السعودية الهندية تطورًا كبيرًا. واستضافت مدينة جدة هذا العام، للمرة الأولى، معرضًا تجاريًا هنديًا بهدف الترويج للمنتجات الهندية وخلق فرص تعاون واستثمار في السعودية.
التعليقات