جدة: تعقد الدول المصدّرة للنفط في منظمة اوبك وخارجها في جدة الاحد اجتماعا مهمّا بهدف وضع الاسعار في سوق الخام الهش على طريق الاستقرار، في خضم توترات في الخليج قد تشكّل في حال تصاعدها تهدّيدا للامدادات.

وستبحث الدول المصدّرة للنفط وضع السوق ومدى التزام الدول باتفاق الحد من الانتاج الذي تم التوصل إليه العام الماضي، إلا ان إيران، الغائبة عن اللقاء، ستكون على رأس جدول الأعمال في الاجتماع الذي يستمر ليوم واحد.

وكانت أربع سفن، بينها ثلاث ناقلات نفط ترفع اثنتان منها علم السعودية، تعرضت لأعمال "تخريبية" قبالة الإمارات قبل اسبوع، قبل أن يشنّ المتمرّدون اليمنيّون المقرّبون من إيران هجوماً ضدّ محطّتَي ضخّ لخط أنابيب نفط رئيسي في السعودية بطائرات من دون طيّار.

وحذّرت الرياض، أكبر مصدّر للنفط في العالم، من أن هذه الهجمات "تستهدف أمان إمدادات الطاقة للعالم، والاقتصاد العالمي"، لكنها أكّدت فجر الاحد أنها لا تريد حربا مع إيران.

كما ينعقد الاجتماع بعدما دخلت العقوبات الاميركية المشدّدة على إيران وقطاع النفط فيها حيز التنفيذ هذا الشهر.

ومن غير المتوقع أن تصدر عن الاجتماع أي قرارات، الا انه قد يخرج بتوصيات قبل اجتماع لمنظمة الدول المصدرة للنفط (اوبك) في حزيران/يونيو المقبل، ستشارك فيه إيران.

وكان الرئيس الاميركي دونالد ترمب أعلن الشهر الماضي أن السعودية ودولا اخرى في اوبك وافقت على طلبه زيادة إنتاج النفط من أجل خفض الاسعار من جديد.

ورغم تراجع الصادرات النفطية في إيران وفنزويلا، واتفاق خفض الانتاج بـ1,2 مليون برميل في اليوم منذ كانون الثاني/يناير الماضي، قال وزير الطاقة الاماراتي سهيل المزروعي لدى وصوله إلى جدة عشية الاجتماع ان المخزون العالمي لا يزال يرتفع.

وشدّد على أن سعي الدول المنتجة لتحقيق توازن في السوق لم يصل إلى نتيجته بعد، في إشارة الى أن أي زيادة في الانتاج قد تدفع الاسعار إلى التراجع فورا كما حدث نهاية العام الماضي.

صادرات إيران تعاني

وكانت منظمة الدول المصدّرة والوكالة الدولية للطاقة أعلنتا هذا الشهر أن امدادات النفط تراجعت في نيسان/ابريل مع بدء تطبيق العقوبات الاميركية المشدّدة على إيران والتزام الدول النفطية خفض الانتاج.

وذكرت وكالة الطاقة أن الانتاج الايراني تراجع في نيسان/ابريل إلى 2,6 مليون برميل، وهو أدنى مستوى منذ نحو خمس سنوات، بعدما كان عند عتبة 3,9 قبل أن تعلن واشنطن انسحابها من الاتفاق النووي قبل نحو عام.

وقد ينخفض مستوى الانتاج بشكل أكبر في أيار/مايو الحالي ليصل إلى مستويات غير مسبوقة منذ الحرب مع العراق بين عامي 1980 و1988.

وذكرت مؤسسة "كبلر" الاستشارية في مجال الطاقة ان الصادرات الايرانية تراجعت من 1,4 مليون برميل في نيسان/أبريل إلى حوالى نصف مليون برميل في أيار/مايو، مقارنة بـ2,5 مليون برميل في فترة ما قبل الانسحاب الاميركي من الاتفاق النووي.

كما أن الانتاج الفنزويلي يعاني بدوره على وقع الاضطرابات في هذا البلد، وقد تراجع إلى أكثر من النصف منذ الربع الثالث العام الماضي.

وتظهر احصائيات "كبلر" أن الدول الموقعة على اتفاق خفض الانتاج التزمت بحصصها، إلا أن الدول المصدّرة تخشى أن تؤدي أي زيادة في الانتاج لتعويض النقص الناجم عن غياب الخام الايراني إلى ردة فعل عكسية تدفع الاسعار نزولا.

توترات في الخليج

وتجتمع الدول النفطية في جدة في وقت تدور حرب نفسية بين الولايات المتحدة وإيران، بينما يخشى مراقبون أن تؤدي أي حوادث في الخليج إلى تداعيات أكبر على المنطقة وامدادات النفط.

وهدّدت إيران مرارا بإغلاق مضيق هرمز الذي تمر عبره نحو 35 بالمئة من إمدادات النفط العالمية، في حال وقعت حرب مع الولايات المتحدة أو حدوث تطورات في الخليج على نحو خطير.

وتظهر الهجمات التي تعرّضت لها منشآت نفطية في السعودية والإمارات بنيت لتكون بمثابة بدائل عن مضيق هرمز، أن هذه الطرق قد لا تكون آمنة، وقد تصبح مستهدفة مع تصاعد التوتر.

واتّهمت السعودية الخميس إيران بإعطاء الأوامر للمتمردين اليمنيين بمهاجمة منشآتها النفطية.

ودعت الرياض ليل السبت إلى عقد قمّتَين "طارئتين"، خليجيّة وعربيّة، في مكّة، للبحث في الاعتداءات، قبل يوم من قمة اسلامية تستضيفها المدينة السعودية أيضا.

وقبل ساعات من اجتماع جدة، قال وزير الدولة السعودي للشؤون الخارجية عادل الجبير في مؤتمر صحافي في الرياض إنّ بلاده "لا تريد حرباً ولا تسعى لذلك وستفعل ما بوسعها لمنع قيام هذه الحرب، وفي الوقت ذاته تؤكّد أنّه في حال اختيار الطرف الآخر الحرب، فإنّ المملكة ستردّ على ذلك بكلّ قوّة وحزم وستدافع عن نفسها ومصالحها".

وكان وزير الطاقة السعودي خالد الفالح أكّد الشهر الماضي ان بلاده مستعدة لتعويض النفط الايراني في السوق، في خطوة من شأنها ان تغضب إيران وتثير أسئلة حول مستقبل اوبك، التي تلعب إيران دورا مهما فيها.

فرصة للسعودية لتأكيد ريادتها

في وقت تتصاعد التوترات الايرانية الاميركية في الخليج، تسعى السعودية لتأكيد جهوزيتها لكل الاحتمالات، بما في ذلك الحرب، ولإظهار دورها القيادي في المنطقة عبر استضافة قمتين عربية وخليجية بهدف تشكيل تحالف أوسع ضد إيران.

وتشهد منطقة الخليج حربا نفسية بين إيران والولايات المتحدة منذ تشديد واشنطن العقوبات النفطية على طهران بداية أيار/مايو الحالي، ثم اعلان إدارة الرئيس الاميركي دونالد ترمب ارسال حاملة طائرات لمواجهة أي تهديدات أو أعمال انتقامية إيرانية. &

وكانت أربع سفن، بينها ثلاث ناقلات نفط ترفع اثنتان منها علم السعودية، تعرّضت لأعمال "تخريبية" قبالة الإمارات هذا الشهر، قبل أن يشنّ المتمرّدون اليمنيّون المقرّبون من إيران هجوماً ضدّ محطّتَي ضخّ لخط أنابيب نفط رئيسي في السعودية بطائرات من دون طيّار.

وبينما لم تتّضح الجهة التي تقف خلف الاعتداء على السفن قرب إمارة الفجيرة، اتّهمت السعودية إيران بإعطاء الأوامر للمتمردين اليمنيين بمهاجمة منشآتها النفطية قرب الرياض.

ثم دعت المملكة مساء السبت إلى عقد قمّتَين "طارئتين"، خليجيّة وعربيّة، للبحث في "الاعتداءات وتداعياتها على المنطقة (...) وعلى إمدادات واستقرار أسواق النفط العالمية"، في مكة المكرمة في 30 أيار/مايو، عشية قمة اسلامية تستضيفها مكة أيضا.

في الوقت ذاته، حذّر وزير الدولة السعودي للشؤون الخارجية عادل الجبير في مؤتمر صحافي في الرياض الاحد من أن المملكة التي تقود تحالف عسكريا في اليمن، قادرة على مواجهة إيران عسكريا، رغم أنّها لا تسعى للحرب.

وأوضح ان بلاده "لا تريد حرباً ولا تسعى لذلك وستفعل ما بوسعها لمنع قيام هذه الحرب، وفي الوقت ذاته تؤكّد أنّه في حال اختيار الطرف الآخر الحرب، فإنّ المملكة ستردّ على ذلك بكلّ قوّة وحزم وستدافع عن نفسها ومصالحها".

وترى اليزابيث ديكنسون المحلّلة في مجموعة الازمات الدولية، أن "حملة الضغوط الاميركية على إيران لا تحظى بتأييد كبير في الغرب، لكن الرياض تريد ان تظهر (للعالم) ان المنطفة تؤيّد" هذه الضغوط.

وأضافت ان السعودية "تبني، بنظرها، أقوى تحالف عربي اسلامي للتصدي لإيران".

مخاطر التوترات&

في مقابل الاتهامات السعودية والحديث عن احتمال وقوع حرب، تقلّل إيران والولايات المتحدة من إمكانية نشوب نزاع مسلح في المنطقة التي تخرج منها يوميا نحو 35 بالمئة من امدادات النفط العالمية.

وقال وزير الخارجية الايراني جواد ظريف لوكالة الأنباء الرسمية في ختام زيارة للصين السبت "إننا متأكّدون (...) لن تكون هناك حرب لأننا لا نريد حربا، ولا أحد لديه أوهام أن بوسعه مواجهة إيران في المنطقة".

لكن قائد الحرس الثوري الإيراني اللواء حسين سلامي السبت أقر إن بلاده منخرطة حاليا في "حرب استخبارات شاملة" مع الولايات المتحدة.

وفي واشنطن، قال ترمب مؤخّرا ردا على سؤال ما إذا كانت الحرب ستندلع مع إيران "لا آمل في ذلك"، رغم ان التقارير الأميركية تفيد أنّ مستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتون يدفع باتجاه تبني موقف أكثر تشدّدا تجاه طهران.

حتى الإمارات أبرز خليف عربي للسعودية في المنطقة، اكتفت بالدعوة إلى خفض التوتر نظرا لحساسية المرحلة.

وقال وزير الدولة الاماراتي للشؤون الخارجية أنور قرقاش الاربعاء في دبي "نحن ملتزمون بخفض التصعيد، وبالسلام والاستقرار (...) علينا أن نلزم الحذر والا نطلق الاتهامات".

وبحسب تقرير لمعهد واشنطن لسياسات الشرق الادنى صدر بعيد العمليات "التخريبية" ضد السفن الاربع، فانه "في حال ظهر ان ايران هي المسؤولة، سيؤيد الحلفاء الخليجيون مقاربة أشد، لكنّهم قد يرفضون الانجرار إلى مواجهة كبرى".

ويحذّر محلّلون من ان أسعار النفط يمكن أن تشهد &ارتفاعا كبيرا في حال اشتعل الوضع.&

وقال المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية مؤخرا ان الحوادث في الخليج "لم يكن لها أي أثر فعلي على السعودية وعلى مستويات تصدير النفط الاقليمية، لكنها أظهرت مخاطر التوترات الاقليمية المتصاعدة على أمن سوق النفط العالمي".&

وسعت السعودية إلى التشديد على هذا الامر عبر القول ان الهجمات الاخيرة رسالة تحذير للاسواق العالمية.

وقالت الحكومة في بيان ان "الأعمال الإرهابية التخريبية ضد منشآت حيوية (...) لا تستهدف المملكة فحسب، وإنما تستهدف أمان إمدادات الطاقة للعالم والاقتصاد العالمي".