سجل إجمالي الناتج الداخلي في ألمانيا تراجعًا تاريخيًا زادت نسبته عن عشرة في المئة في الفصل الثاني من 2020 نتيجة القيود التي فرضت بسبب انتشار فيروس كورونا، وهو الأسوأ منذ 1970.

برلين: شهدت ألمانيا في الفصل الثاني من 2020 تراجعا تاريخيا نسبته 10,1 بالمئة في إجمالي ناتجها الداخلي نتيجة القيود التي فرضت بسبب انتشار فيروس كورونا المستجد، لكن الخبراء يرون أن الاقتصاد على طريق التعافي.

وهذا التراجع "التاريخي" حسب بيان أصدره الخميس المكتب الفدرالي للإحصاءات (ديستاتيس)، سببه "عواقب الوباء" و أكبر بكثير من الانخفاض القياسي السابق الذي بلغ 4,7 بالمئة في الربع الثاني من 2009 في أوج الأزمة المالية.

وواجه الاقتصادي الألماني صدمة متعددة الأشكال. فقد أدت إجراءات العزل من منتصف مارس إلى مايو خلال الأزمة الصحية، إلى شل الإنتاج في العديد من القطاعات، وتباطؤ المبادلات التجارية والحد من الاستهلاك. وأصيب القطاع الصناعي الألماني الذي يعتمد إلى حد كبير على التصدير وكان يواجه صعوبات قبل وباء كوفيد-19 بسبب الخلافات التجارية الدولية والقلق المرتبط ببريكست، بضربة قاسية. ففي ابريل، في أوج القيود سجل إنتاج قطاع الصناعات التحويلية عماد أكبر اقتصاد في منطقة اليورو انخفاضا تاريخيا نسبته 17,9 بالمئة. وتراجعت طلبيات الصناعة بنسبة 25,8 بالمئة بينما هبطت الصادرات 31,1 بالمئة.

كما لحق ضرر كبير بقطاعي السياحة والطيران. واضطرت أكبر شركتين وطنيتين "لوفتهانزا" و"تي يو آي" إلى الاستنجاد بالدولة وأعلنتا عن إلغاء آلاف الوظائف. وبالمقارنة مع الربع الثاني من 2019، تراجع إجمالي الناتج الداخلي بنسبة 11,7 بالمئة وفق الأرقام المصححة للتضخم.

"مراجعة سريعة"

لكن هذه الأرقام مع أنها صادمة، إلا أنها ليست سوى "مراجعة سريعة" لأن "الاقتصاد الألماني سجل انتعاشا" على حد قول كارستن بيرزيسكي الخبير الاقتصادي في مصرف "آي ان جي". وبسبب وضع صحي أفضل من جاراتها، رفعت ألمانيا منذ مايو معظم القيود التي فرضتها مما سمح ببعض الانتعاش في نشاطها الاقتصادي. وفي مؤشر إلى بعض الاستقرار، بقي معدل البطالة على حاله في يوليو بالمقارنة مع يونيو، وهو 6,4 بالمئة بعد ثلاثة أشهر من الارتفاع بسبب الأزمة الاقتصادية.

وبات الخبراء الآن يتوقعون تحسنا كبيرا. وقال بيرزيسكي إن "أسوأ فصل قد يليه أفضل فصل". وأكد المعهد الاقتصادي الألماني "دي إي في" أن "هناك مؤشرات واضحة إلى انتعاش". ويبدو أن الاقتصاد يحفزه الطلب الداخلي - الاستهلاك والخدمات والبناء - الذي ينتعش بسرعة أكبر من الصناعة. واقرت برلين في يونيو حزمة إجراءات تبلغ قيمتها 130 مليار يورو لتشجيع الاستهلاك بفضل خفض رسم القيمة المضافة ومنح مساعدة إضافية للعائلات بقيمة 300 يورو للطفل.

وإلى جانب إجراءات الدعم على المستوى الوطني تنوي ألمانيا الاستفادة من خطة الإنعاش الأوروبية التي تبلغ قيمتها 750 مليار يورو وأقرتها الدول ال27 في بروكسل في منتصف تموز/يوليو ودعمتها برلين. وقال وزير الاقتصاد الألماني بيتر ألتاماير "إنني واثق من أنه مع تطبيق هذه الخطة، ستشهد (ألمانيا) نموا مستديما في 2021 و2022". وتتوقع الحكومة الألمانية استئناف النمو اعتبارا من أكتوبر وارتفاعا نسبته 5,2 بالمئة اعتبارا من 2021، وكذلك عودة الإنتاج إلى مستويات ما قبل الأزمة في 2022.

"رياح معاكسة"

وفي 2020، تعول برلين على انكماش نسبته 6,3 بالمئة. وستكون ألمانيا في وضع أفضل من شركائها الأوروبيين بينما يتوقع أن يسجل إجمالي الناتج الداخلي لفرنسا ولإيطاليا واسبانيا انكماشا نسبته أكثر من عشرة بالمئة، كما ذكرت المفوضية الأوروبية.

لكن استمرار الانتعاش الألماني سيكون مرتبطا إلى حد كبير بتحسن التجارة العالمية المرتبطة بدورها بتطور الوباء. وقالت كبيرة اقتصاديي المصرف الحكومي "كا اف في" فريتزي كولر غايب إنه بعد التحسن "وتيرة التعويض قد تتباطأ قريبا من جديد". وأضافت أن "الصناعة الموجهة إلى التصدير تواجه رياحا معاكسة بسبب ديناميكية الإصابات" في العالم.

وقال ينس أوليفر نيكلاش الخبير الاقتصادي في مصرف "ال بي بي في" إنه "يجب أن نتوقع الآن تعويضا طوال بقية العام" بوتيرة مرتبطة بالوضع الصحي.

وكغيرها من الدول الأوروبية تشهد ألمانيا ارتفاعا جديدا في الإصابات خلال العطلة الصيفية. وقد عبر معهد روبرت كوخ للأوبئة الثلاثاء عن "قلقه الكبير" في مواجهة ارتفاع الأعداد.