تونس: شرعت تونس في محادثات أولية من المرتقب أن تؤدي إلى مفاوضات مع صندوق النقد الدولي الذي تلجأ إليه البلاد للمرة الثالثة خلال السنوات العشر الفائتة للحصول على برنامج دعم مالي جديد لإنقاذ اقتصاد يعاني من الانكماش وارتفاع مؤشرات التضخم والدين العمومي والبطالة.
وباشر مسؤولون تونسيون الاثنين "محادثات افتراضية" مع ممثلي البنك في واشنطن. ودعا البنك تونس إلى "إصلاحات عميقة جدا لإخراج البلاد من الأزمة". لكن التونسيين يخشون أن تفاقم هذه الإصلاحات المؤلمة أوضاعهم المعيشية الصعبة أصلا.
لم تنجح تونس في تأمين انتقال اقتصادي بموازاة الانتقال السياسي الذي انطلق منذ ثورة 2011 التي أطاحت بنظام الرئيس السابق زين العابدين بن علي. لا بل شهدت المؤشرات الاقتصادية تراجعا وتراكمت الأزمات في جلّ القطاعات تقريبا.
وتراجع نصيب الفرد من الناتج الداخلي الخام بالدولار بنسبة 20% خلال ال11 سنة الفائتة، كما انهارت القدرة الشرائية بنسبة 35% بسبب تراجع قيمة الدينار أمام العملات الأخرى بنسبة 40%.
لذلك لجأت الحكومات المتعاقبة إلى صندوق النقد الدولي في مناسبتين، أولهما في العام 2013 بقرض قيمته 1,7 مليار دولار. وكان الثاني في العام 2016 بقيمة 2,8 مليار دولار، مقابل التعهد بالقيام بإصلاحات لم تنجح البلاد في تنفيذها.
المؤسسات الصغرى والمتوسطة
وزادت تداعيات وباء كوفيد-19 من تأزم الوضع الاقتصادي خصوصا على المؤسسات الصغرى والمتوسطة التي أفلس أو غادر البلاد قرابة 80 ألفا منها خلال العام 2020، وفق المعهد الوطني للإحصاء (حكومي).
وارتفعت نسبة البطالة في الفترة ذاتها وقفزت من 15,1% إلى مستوى 18,4%، وزاد التضخم من وطأة المعاناة المعيشية.
ويرى الخبير الاقتصادي عز الدين سعيدان أن مشكلة الاقتصاد التونسي تكمن في ارتفاع الدين العام أساسا.
ويقول لوكالة فرانس برس "بلغت قيمة الدين العام مستوى غير مسبوق ليساوي أكثر من 100% من الناتج الداخلي الخام".
ويعتبر سعيدان أن ذلك يقلّل من مصداقية تونس كدولة مقترضة دوليا.
ويضيف "سيتعين على تونس المرور عبر صندوق النقد الدولي لإعادة بناء بعض من مصداقيتها ومن أجل تعبئة موارد خارجية".
عبّر صندوق النقد الدولي عن قلقه إزاء عجز الموازنة في تونس بسبب ثقل حجم كتلة الأجور في القطاع الحكومي.
إصلاحات عميقة
وقال ممثل صندوق النقد الدولي في تونس جيروم فاشيه في مقابلة الشهر الماضي مع فرانس برس إن على البلد الساعي للحصول على مصادر تمويل دولية القيام "بإصلاحات عميقة جدا"، لا سيما خفض حجم قطاع الوظيفة العامة الذي يبلغ "أحد أعلى المستويات في العالم".
وتخصّص أكثر من نصف النفقات العمومية لسداد رواتب 650 ألف موظف حكومي في بلد يضم 12 مليون نسمة.
وقال دبلوماسي غربي لفرانس برس إن "تونس تقترض من أجل سداد أجور الموظفين".
وما بقي من الموازنة يخصص لدعم المؤسسات الحكومية التي تحتكر قطاعات عديدة وتشهد وضعا صعبا وبعضها مهدّد بالافلاس.
وتشغّل هذه المؤسسات ما يقارب 150 ألف موظف، ويُفضّل توجيه مصاريفها للاستثمار في التعليم والصحة والبنية التحتية، وفق ما يقول مسؤول النقد الدولي.
ومن المرتقب أن يقدم الصندوق مقترحات حول رفع الدعم الحكومي عن مواد أساسية كالمحروقات وتعويض ذلك بمنح العائلات المحتاجة مساعدات بصفة مباشرة.
ولن يكون من السهل إقناع التونسيين بخفض كتلة الأجور ومراجعة سياسة الدعم، وهما نقطتان أساسيتان في عملية الإصلاح الاقتصادي، وسيكون لذلك "حتما تأثير على التونسيين"، وفق دبلوماسي.
"تطهير" البلاد من "الفساد"
ولا يزال الرئيس التونسي قيس سعيّد الذي يحتكر السلطات التنفيذية منذ حوالى سبعة أشهر يحظى بدعم شعبي الى حد كبير، وهو يقود حملة عنوانها الأبرز "تطهير" البلاد والنظام من "الفساد".
ويقول المسؤول في "المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية" رمضان بن عمر لفرانس برس "ليس في مصلحة أي طرف سياسي إلغاء الدعم".
ويشير بن عمر الى أن العديد من المواد المدعومة من الدولة مفقودة في الأسواق وأن قطاع الخدمات الحكومية يمر بأزمة صعبة.
ويعارض "الاتحاد العام التونسي للشغل" (النقابة المركزية) الشروط التي قد تقدّم من صندوق النقد الدولي مقابل الحصول على قرض، ويدعو السلطات التونسية إلى تقديم برنامج إصلاح اقتصادي "تونسي-تونسي"، وعلى أساسه يتم الدخول في مفاوضات.
وترى المتخصصة في الشأن التونسي في جامعة نيويورك في أبو ظبي مونيكا ماركس أن الرئيس التونسي قيس سعيّد أمام امتحان صعب وعليه أن يعمل على "تهدئة الاتحاد وتفادي التقشف الذي يدافع عنه صندوق النقد الدولي"، وفي حال رفض ذلك "هناك امكانية ألا تحصل تونس على القرض وتواصل انهيارها المالي".
التعليقات