"فقدت تسعة أشخاص من عائلتي بسبب الحرائق"، هذا ما قاله عبد العزيز شيبان، لبي بي سي، تلك الحرائق التي وصلت بلدته خلال سبعة دقائق فقط، قادمةً من بلدة مجاورة.
وبين شيبان أن قريته، أيت صالح، في ولاية تيزي ويزو، شمال البلاد، فقدت 16 فرداً من أبنائها، بسبب الحرائق، الشهر الماضي.
وأضاف أن دعم الأكبر كان من سكان القرى المجاورة، الذين زودوهم بما يحاتجون، بعد أن احترق كل ما لديهم تقريباً.
وتقول الجزائرية، فتيحة محمد، لبي بي سي، إن الجزائر مثل سائر بلدان شمال إفريقيا، يعاني من زيادة في درجات الحرارة في الفترات الأخيرة، وهذا يؤثر بشكل كبير على البيئة، ويتسبب في تدمير المساحات الطبيعية والمحاصيل الزراعية.
وعن تأثير هذه الحرائق على السكان والمجتمعات المحلية، تقول فتيحة، إن الحرائق لها تأثيرات كارثية على السكان والمجتمعات المحلية، إذ "يتم تهجير الكثير من الناس، ويفقدون منازلهم وممتلكاتهم، ويضطرون للبحث عن مأوى آخر".
كما "يؤثر الدخان الكثيف الناتج عن الحرائق على جودة الهواء، وهذا يزيد من مخاطر الأمراض التنفسية لدى السكان"، وأضافت أن الأنشطة الاقتصادية المحلية "تتأثر بشكل كبير"، حيث يتعطل العمل في الزراعة والصناعة بسبب الحرائق وتداعياتها، ووصفت فتيحة، لبي بي سي، موجات الحر بأنها "تسرق متعة الصيف للسكان المحليين، وتحرمهم من إيرادات السياحة التي تضررت بفعل درجات الحارة المرتفعة".
وقُتل أكثر من 40 شخصاً - معظمهم في الجزائر- جراء حرائق الغابات التي اندلعت في مناطق عديدة على ضفتي البحر الأبيض المتوسط، والتي تهدد المناطق السكنية والمنتجعات السياحية، ودفعت حكومات الدول إلى إجلاء آلاف الأشخاص.
وأعلنت الجزائر عن إخماد الحرائق التي وصلت إلى 140 حريقاً، اندلعت في مختلف الولايات، وفق ما قاله وزير داخلية البلاد، إبراهيم مراد.
تونس لم تسلم أيضاً
وفي تونس أيضاً، أعلن وزير الداخلية التونسي، كمال الفقي، أواخر يوليو/تموز، السيطرة الكاملة على الحرائق التي اندلعت في عدد من مناطق وغابات البلاد.
وأوضح الفقي، أن 600 مواطن تم إجلاؤهم من الغابات والحقول القريبة من الحرائق، وقد عادوا جميعاً إلى منازلهم.
أما التونسي عادل السالمي، الذي احترق مطعمه بالكامل، فيقول لبي بي سي، "عندما عدت في الصباح، وجدت أن 80 بالمائة من المطعم قد احترق".
وأضاف "كان لدينا فرن تقليدي ومساحة لتناول الطعام، احترقت كلها، وكانت هناك غرفة مخصصة للتبريد، لكنها احترقت بالكامل أيضاً، وكان فيها كل أنواع الطعام، أدير هذا المطعم مع زوجتي، ويعمل لدي 22 عاملاً هنا".
درجات حرارة قياسية
وأثرت موجة حر شديدة على أجزاء كبيرة من نصف الكرة الشمالي منذ بداية فصل الصيف الجاري، وسجلت درجات الحرارة أرقاماً قياسية في عدد من مناطق العالم بما في ذلك منطقة شمال أفريقيا وحوض المتوسط، خلال الشهر الماضي.
أعلنت المديرية العامة للأرصاد الجوية المغربية، تسجيل درجات الحرارة في بعض المناطق بالبلاد وصلت إلى 48 درجة مئوية.
في حين أعلن الديوان الوطني للأرصاد الجوية الجزائري، أن الحرارة في ولاية أدرار، جنوب غربي البلاد، سجلت 49 درجة مئوية، في يوليو/تموز، وقد صنفت في المرتبة الثانية عالمياً، وفق منشور للديوان على تويتر.
هام:
— MeteoAlgerieOfficiel (@MeteoAlgerie_) July 27, 2023
سجلت ولاية أدرار - الجزائر- رقم قياسي جديد
"3.°49" ، وهذا يوم الأربعاء 26 جويلية 2023، و قد صنفت في المرتبة الثانية عالميا.
الديوان الوطني للأرصاد الجوية يبقى دائما في خدمتكم. pic.twitter.com/xayHpci8LV
وتعرضت عدة ولايات جزائرية لموجة حر شديدة، تجاوزت فيها درجات الحرارة الـ 50 درجة مئوية، بداية شهر يوليو/تموز الماضي.
وهذا الصيف سجلت تونس معدلات قياسية، وصلت فيها الحرارة القصوى إلى 50 درجة مئوية.
وأثرت موجة الحر على مصر أيضاً، إذ أعلنت الهيئة العامة للأرصاد الجوية المصرية، أن البلاد سجلت ارتفاعاً "غير مسبوق" في درجات الحرارة.
ووصلت درجات الحرارة في القاهرة ومحافظات بحري إلى 43 درجة مئوية، بينما وصلت في المحافظات الجنوبية وجنوب شبه جزيرة سيناء إلى 45 درجة مئوية.
وأكدت الحكومة المصرية، في وقت سابق من الشهر الماضي، بدء فترة تخفيف أحمال مؤقتة للكهرباء، نتيجة "الموجة الحارة وزيادة استهلاك الطاقة الكهربائية، وزيادة حجم استهلاك الغاز المستخدم في إنتاجها"، وفق بيان حكومي.
وهو ما تسبب في موجة من الانتقادات الشعبية ضد الحكومة، بسبب الضرر الكبير الذي لحق بالمواطنين المصريين.
ووصلت تأثيرات الموجة الحارة إلى مدينة غزة، إذ قفزت معها درجات الحرارة إلى 38 درجة مئوية، وترتب عليها زيادة حدة أزمة نقص الكهرباء واستياء السكان الذين عبروا عن مشاعر الإحباط إزاء حركة المقاومة الإسلامية (حماس) التي تسيطر على القطاع.
ويعيش أكثر من 2.3 مليون فلسطيني في الشريط الساحلي الضيق الواقع بين مصر وإسرائيل، ويعانون من انقطاعات متكررة في التيار الكهربائي لمدد تصل إلى 12 ساعة يومياً.
حجوزات مزدحمة خلال الخريف في مصر، والمغاربة يعانون من ارتفاع الأسعار
وفي حديثه مع بي بي سي، قال عضو غرفة السياحة المصرية، مجدي صادق، إن الحجوزات السياحية في عموم مصر لم تتأثر بموجة الحر.
وأضاف أن استثناء الحكومة المصرية للقطاع السياحي من قطع الكهرباء، ساهم في ثبات الحجوزات في الفنادق التي وصلت خلال يونيو/حزيران إلى 90% وفي يوليو/تموز إلى 100%.
ونوه صادق إلى أن الحجوزات السياحية باتت صعبة بعد شهر أكتوبر/تشرين أول، نظراً أن الفنادق باتت مُمتلئة تقريباً.
وعزا صادق ذلك لقدرة الحكومة المصرية على تكييف القطاع السياحي مع تكرار موجات الحر.
ولفت المغربي، منير مدور، في حديثه لبي بي سي، إلى أن موجات الحر أثرت بشكل كبير على أسعار الخضار في المغرب، وباتت "تُشكل تحدياً أمام السكان"، وبين أن المغرب الذي كان مُصدّراً مهماً للخضار للسوق الأوروبية، "بات اليوم يعاني من نقص في سوقه المحلي".
ويقول محمد الذي يقطن مدينة برشيد الزراعية، إن المدينة كانت "تعتبر مقصدا للفلاحين نظراً لأهميتها"، وأضاف أن السكان بدأوا "يتجهون إلى الصناعة بدلاً من الزراعة"، بسبب التغير المناخي.
وعرّج محمد في حديثه لبي بي سي، على أن الانحباس المطري خلال موسم الشتاء الماضي، جعل السدود "شبه فارغة" ما أثر على "حصاد القمح هذا العام، الذي فسد تماماً" وفق ما قاله.
القبة الحرارية خيمت على المنطقة
تُعد موجات الحر المتكررة، غير معتادة، لا سيما في المناطق المعروفة بطقسها المعتدل، ويفيد الخبراء أن هذه الموجات تُسببها بعض الظواهر المناخية مثل القباب الحرارية، فما هي هذه القباب؟
تُعرّف القبة الحرارية، على أنها تمركز لمرتفع جوي في طبقات الجو العليا، يعمل على شكل غطاء يقوم بتخزين الهواء الساخن في طبقات الجو الدنيا قرب سطح الأرض، ما يدفع درجات الحرارة للارتفاع بشكل كبير.
ويمنع هذا الغطاء الهواء الساخن من الصعود والتيارات الهوائية الباردة من النزول، في الوقت الذي يسمح بنفاذ أشعة الشمس التي تزيد من تسخين تلك المنطقة الجوية.
ولا تعد القباب الحرارية ظاهرة جديدة، لكن الجديد هو أنها أصبحت أكثر تواتراً في السنوات الأخيرة، ويسهم الاحتباس الحراري في تشكلها بشكل رئيسي.
وهيمنت القبة الحرارية، على أجواء منطقة حوض المتوسط الشهر الماضي، وتشكلت نتيجة إعصار مضاد قدم من الصحراء الكبرى يُدعى "سيربيروس".
تدابير للحد من تأثيرات موجات الحر
وتختلف تدابير الحكومات في شمال أفريقيا للحد من تأثيرات موجات الحرارة، وتعتمد على البنية التحتية والموارد المتاحة واحتياجات كل دولة، ومع ذلك، يُمكن الإشارة إلى بعض التدابير المشتركة التي قد تتخذها الحكومات في المنطقة، وفق بحث قامت به بي بي سي، من تصريحات حكومية سابقة في مختلف البلدان:
تقوم الحكومات بتطوير نظام فعال للتحذير المبكر من موجات الحرارة، يتضمن ذلك استخدام التنبؤات الجوية وتقنيات الرصد للتنبيه المبكر للسكان واتخاذ إجراءات احترازية.
تنظم الحكومات حملات توعية، حول خطورة موجات الحرارة وكيفية التصرف في مثل هذه الظروف الجوية.
وتعتزم الحكومات تحفيز ما يسمى بالتصميم المدني المستدام، في البنى التحتية والمباني، ذلك يشمل استخدام مواد بناء عاكسة للحرارة والتهوية الجيدة للمساعدة في تقليل درجات الحرارة في الأماكن المغلقة.
كما تعزز الحكومات من الاستدامة البيئية والحد من التلوث البيئي.
وتعمل الدول على تحسين استعدادها للتكيف مع التغيرات المناخية ومواجهة موجات الحرارة المتزايدة.
التعليقات