"بلطجية السوق الدخلاء على هذه التجارة هم سبب تفاقم الأزمة"، هكذا يرى هاني أمان، الرئيس التنفيذي للشركة الشرقية للدخان، السبب في أزمة الارتفاع "الجنوني" في أسعار السجائر في مصر خلال الفترة الأخيرة.

فقد وصل سعر علبة السجائر في مصر في السوق الموازية، الظاهرة حديثا، إلى أكثر من 40 جنيها مصريا (أكثر من دولار وفق سعر الصرف الرسمي)، لجميع أصناف السجائر المحلية أو الأجنبية، في حين أن الأسعار الرسمية دون 25 جنيها للعلبة.

تحركات حكومية

تصاعد الأزمة دفع الحكومة للتدخل من خلال ذراعها في مجال إنتاج السجائر، الشركة الشرقية للدخان "ايسترن كومباني"، فأمرت الحكومة بتوفير المواد الخام اللازمة للتصنيع لمحاولة زيادة الإنتاج اليومي.

وتستحوذ الشركة الشرقية للدخان «إيسترن كومبانى» على قرابة 75% من حجم السوق المحلية في مصر، كما تصدر جزءا من إنتاجها.

وزاد استهلاك المصريين من السجائر في عام 2022 بنسبة 7%، ليكون إجمالي إنفاق المصريين على السجائر خلال العام المالي 2022 – 2021 نحو17 مليار جنيه مصري، أي نحو 55 مليون دولار.

كيف يرى الخبراء الأزمة؟

الخبير الاقتصادي، حمدي الجمل، قال في حديث مع بي بي سي إن أزمة السجائر في مصر عميقة وممتدة، لأن الشركة الشرقية للدخان كانت تحتاط بمخزون من المواد الخام اللازمة لصناعة الأدخنة يكفي لأربع سنوات، وذلك حينما كانت الشركة مملوكة للقطاع العام بالكامل.

لكن بتحويل الشركة من القطاع العام إلى شركة مساهمة أصبحت تورد ما لديها من ضرائب وجمارك للدولة بقيمة سنوية حوالي 80 مليار جنيه مقابل أن توفر لها الدولة الدولار اللازم لاستيراد المواد الخام.

واستطرد أنه بطرح نسبة من أسهم الشركة اشتراها رجل أعمال إماراتي، يملك حصصا في شركات منافسة للشرقية للدخان، جعل إنتاج الشرقية للدخان يتأثر ويتراجع بشكل كبير لصالح هؤلاء المنافسين كما لم تصبح هي صاحبة القرار في السوق.

وأوضح أن الشركة الشرقية للدخان كانت تنتج في السابق حوالي 270 مليون سيجارة يوميا، ولكن بسبب أزمة الدولار و"تخبط السياسات الحكومية" التي نتج عنها بيع أسهم في كيان ناجح والتفريط في سلعة اجتماعية مهمة، والسماح بدخول منافسين في السوق، أصبح إنتاج الشرقية للدخان أقل من 150 مليون سيجارة يوميا وهو ما أدى لارتفاع الأسعار السجائر.

وشرح أن ما حدث هو أن شركة "فيليب موريس" لإنتاج التبغ عبر شراكتها مع شركة رجل الأعمال الإماراتي الذي يملك أسهما في الشرقية للدخان جعل لهم السيطرة على خطوط إنتاج الشرقية للدخان وبدلا مما كانت في السابق تنتج السجائر الأجنبية لفيليب موريس وغيرها من الشركات الأجنبية في مصر، أصبحت تنتج لفيليب موريس فقط وبالتالي اختل التوازن في السوق.

"بلطجية سوق السجائر"

ويرى هاني أمان الرئيس التنفيذي للشركة الشرقية للدخان، في حديثه لبي بي سي أن هناك "سببا آخر للأزمة يرجع إلى تعود التجار كل عام مع نهاية السنة المالية وبداية السنة المالية الجديدة في أول يوليو على تخزين السجائر ترقبا لزيادة الأسعار أو فرض ضرائب جديدة".

أما تفاقم الأزمة هذا العام فيرجع إلى تزامن التخزين الاعتيادي للتجار مع المشاكل الاقتصادية واللوجيستية التي يواجهها العالم كله ومن ضمنه مصر، ومنها أزمة الدولار، ما دفع التجار هذا العام لتخزين البضائع أكثر من الطبيعي رغبة في الاستفادة من ارتفاع الأسعار وتحقيق أرباح أكبر.

وأوضح أمان أن "التجار حينما وجدوا أن الدولار يزداد سعره بشكل مستمر، افترضوا أن الشركة الشرقية للدخان سترفع أسعار السجائر، ومن ثم عملوا على مضاعفة الكميات التي يخزنوها، وفي نفس الوقت يرفعون السعر بشكل يومي ومبالغ فيه:.

وأكد أمان أن الشركة الشرقية للدخان منذ أول أبريل الماضي وحتى الآن تنتج نفس الكمية التي تضخها للسوق وهي حوالي 120 مليون سيجارة أي 6 مليون علبة يوميا بسعر 24 جنيها للعلبة من كل الأنواع، وهذا إنتاج الشركة الشرقية الخاص بها وحدها، ولكن هناك شركات أخرى تنتج لنفسها وأيضا شركات تنتج لها الشركة الشرقية ولكن تلك الشركات هي التي تحدد الكميات التي تضخها وكذلك أسعارها.

وبالتالي سبب الأزمة الرئيسي، بحسب أمان، دخول أشخاص آخرين لم تكن لهم علاقة بهذا المجال إلى سوق السجائر للتجارة وتحقيق أرباح سريعة وطائلة ويمكن أن نطلق عليهم "بلطجية السوق".

واستطرد أن هؤلاء "البلطجية" يظهرون في أوقات الأزمات ويحصلون على البضاعة بالتهديد لمن يملكونها، ويقوم هؤلاء "البلطجية" ببيع البضاعة بأسعار أكثر ضعفي أو ثلاثة أضعاف أسعارها، مسترسلا أنه "حاليا تجد تاجر خضار مثلا ترك مجاله وتوجه للتجارة في السجائر رغبة في المكسب الكبير من مضاعفة أسعارها".

وأكد الرئيس التنفيذي للشرقية للدخان أنه في السابق كانت الشركة قادرة على التعامل مع هؤلاء البلطجية أو التجار المستغلين الذي يخزنون السجائر لبيعها بأكثر من سعرها حينما كان عددهم محدودا، وكان يتم الإبلاغ عنهم وكذلك ضخ كميات مناسبة لمواجهة شح السلعة بالسوق، ولكن حاليا مع دخول كل ليس لهم علاقة بالأمر ضمن فئة "البلطجية" أصبح الأمر يصعب السيطرة عليه.

والسؤال المطروح حاليا بات: من أين يحصل هؤلاء البلطجية على السجائر وعلى أي أساس يضاعفون أسعارها؟

وقال أمان إن المسألة لا تتوقف فقط على منتجات الشرقية للدخان ولكن حتى سجائر الشركات الأخرى تضاعفت أسعارها، لدرجة أن السجائر المهربة، المعروف عنها رخص سعرها، تضاعفت أسعارها هي الأخرى، "ويبدو أن هناك جهة تتحكم في سوق السجائر وترفع أسعارها بطريقة غير مبررة لأهداف قد تكون شريرة".

وعن العوامل التي تتحكم في إنتاج الشرقية للدخان، قال أمان إن حجم الإنتاج يتحدد وفق حجم الطلب والمواسم مثل الأعياد وشهر رمضان، بالإضافة إلى الهدف الذي تسعى الشركة لتحقيقه، ففي ظل الأزمة الحالية قررت الشركة زيادة إنتاجها إلى 150 مليون سيجارة أي 7.5 مليون علبة يوميا.

وعن مدى تأثر إنتاج الشركة بعد تحولها من شركة قطاع عام إلى شركة مساهمةـ قال أمان ما حدث هو العكس، فالشركة حققت أعلى إنتاج وبيع وأكثر أرباح في تاريخها بعد تحولها إلى شركة مساهمة مصرية.

كما أكد أن الوضع في الشركة لم يتغيرلأن الدولة كانت ولاتزال تملك أكثر من 50% من أسهمها، وبالتالي فليس صحيحا أن هناك من يتدخل في قرارات الشركة أو يتحكم فيها بخلاف الدولة.